تثير العديد من التقارير قضية الأجانب المعتقلين لدى النظام السوري، ورغم تكرر حملات المناصرة للمعتقلين الأجانب، لا يزال مصير العشرات منهم مجهولًا.
نشرت صحيفة “nrc” الهولندية تحقيقًا تعاونت فيه مع “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” حول شاب هولندي من أصول مغربية قُتل تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، قال لعنب بلدي، إن الرابطة استطاعت الوصول إلى معلومات حول الشاب قبل نحو عام من تاريخ نشر التحقيق في 18 من آذار الحالي، لكنها لم تستطع العثور على عائلة الشاب إلى أن لجأت إلى الصحيفة.
وأضاف سرية أن الصحيفة استطاعت الوصول إلى عائلة الشاب وضابط في النظام السوري للتأكد من مصير الشاب.
واعتقل الشاب “أرنمير” (اسم مستعار اختارته الصحيفة لأسباب أمنية)، في لبنان على يد “حزب الله” خلال زيارته إلى لبنان لشراء كتب للمركز الثقافي الإسلامي الذي افتتحه في هولندا قبل سفره في أيار 2013، وفق التحقيق.
وبحسب شهادات معتقلَين سابقَين قابلا “أرنمير”، شوهد الشاب للمرة الأولى في زنزانة داخل أحد المعتقلات التابعة للنظام السوري بعد عام من اعتقاله في لبنان.
أمضى الشاب نحو أربع سنوات داخل المعتقلات السورية، تعرّض خلالها للتعذيب الشديد، وفق الشهادات، إلى أن فقد وعيه جرّاء التعذيب في منتصف عام 2018، وتوفي رهن الاحتجاز بحسب ما قاله ضابط كبير لدى النظام السوري قابلته الصحيفة.
وفي 2015، تلقّت عائلة الشاب بريدًا إلكترونيًا من “الصليب الأحمر النرويجي”، لعدم وجود أي علاقات بين هولندا وسوريا حينها، حول وصول بريد إلكتروني لـ”الصليب الأحمر” من قبل وزارة الخارجية السورية تؤكد فيها أن “أرنمير” اعتقل من قبل السلطات السورية في 26 من نيسان 2014.
وبررت الوزارة السورية اعتقاله بعبور الحدود بشكل غير قانوني، والاتصال بـ”الإرهابيين” الهولنديين المقيمين في سوريا، والتجسس لحساب حكومات أجنبية، بينما أكّدت عائلته والشاهدان اللذان قابلاه في المعتقل أن الهدف من سفره إلى لبنان اقتصر على شراء الكتب، وفق التحقيق.
وبحسب الشهادات، دخل الشاب “الفرع 285″ لمدة شهر و”الفرع 279” لمدة شهر أيضًا، وهما تابعان لجهاز “أمن الدولة”، وفي 2014 نُقل إلى سجن “عدرا” النظامي حيث أظهرت السلطات السورية أنها ستطلق سراحه لكنه نُقل إلى “الفرع 279” ثم إلى “الفرع 285” حيث شوهد في الزنزانة آخر مرة في عام 2018.
وتعرضت العائلة للاستغلال من قبل العديد من الأشخاص الذين طلبوا المال مقابل تقديم معلومات عن الشاب، ورغم شكوك العائلة بحقيقة الادّعاءات، كانت تلك المعلومات الأمل الوحيد بالنسبة لهم، بحسب التقرير.
هل تصل القضية إلى المحكمة الدولية؟
تعمل هولندا على رفع قضية في محكمة العدل الدولية في ظل ظهور أدلة تثبت اعتقال الشاب وتعرضه للتعذيب داخل المعتقلات، ومحاولة عائلته ومحاميه الضغط على الحكومة الهولندية.
وفي حال رُفعت القضية في المحكمة، تعتبر هذه المرة الأولى التي ترفع فيها دولة قضية على دولة أخرى بحق مواطن قُتل داخل سجون الدولة الأخرى، وفق ما قاله مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية.
وأضاف سرية أن الشهود والسياق العام لقضايا المعتقلين والتحقيق الذي نشرته الصحيفة، هي الأدلة التي يمكن أن تقدم أمام المحكمة، مشيرًا إلى وجود عشرات التقارير التي تدين النظام وتوثّق ما يحدث داخل معتقلاته.
المعتقلون الأجانب.. ورقة ضغط
أظهر الضباط داخل المعتقلات حالة إحباط بسبب غياب تحركات من قبل هولندا لأجل قضية الشاب، وفق الشهادات.
وبحسب سرية، يعتبر نقل الشاب إلى سجن “عدرا” وإظهار النظام بوادر للإفراج عنه ثم التراجع وإعادته إلى فرع آخر حتى مقتله مؤشرًا على وجود دوافع من قبل النظام لاستغلال القضية، مؤكدًا أن النظام يستمر باستغلال قضايا المعتقلين الأجانب.
وتضم السجون السورية العديد من المعتقلين الأجانب، تعرف الحكومات هويات بعضهم بينما لا تزال هويات الكثيرين مجهولة.
وفي تقرير سابق، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 18 من تشرين الأول 2020، أن نائب مساعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والمسؤول البارز في مكافحة الإرهاب بالبيت الأبيض، كاش باتيل، زار دمشق في وقت سابق من العام نفسه، وأجرى محادثات سرية، في محاولة لتأمين إطلاق سراح أمريكيين اثنين على الأقل يُعتقد أنهما معتقلان لدى النظام.
جاء ذلك تزامنًا مع الكشف عن زيارة المسؤول لدمشق، بالتزامن مع وصول مدير الأمن العام اللبناني إلى واشنطن، ليبحث مع مسؤولين أمريكيين قضية الصحفي الأمريكي المعتقل في سوريا أوستن تايس، بحسب وكالة “بلومبيرغ”.
وفي آب 2019، أفرج النظام السوري عن مواطن كندي كان معتقلًا لديه، منذ كانون الأول 2018، بوساطة المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم.
كما أسهم إبراهيم، في تموز 2019، بوساطة مماثلة، أدت إلى إطلاق النظام السوري سراح السائح الأمريكي سام غودوين (30 عامًا)، بعد شهرين من احتجازه في سوريا.
وفي 28 من كانون الأول 2016، أعدم النظام السوري ليلى شويكاني، وهي مهندسة معلوماتية تحمل الجنسيتين السورية والأمريكية، كانت تبلغ من العمر 26 عامًا، إذ أُبلغت عائلتها بخبر وفاتها في تشرين الثاني من عام 2018، بعد محاكمة استغرقت “30 ثانية” بتهمة التخطيط لاغتيال شخصيات من الحكومة السورية.
–