قراءة في توقيت وأهداف زيارة الأسد للإمارات

  • 2022/03/20
  • 5:11 م

تزامنت زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى الإمارات العربية المتحدة في 18 من آذار مع الذكرى السنوية للثورة السورية، وبعد يومين من نشر صحيفة “نيويورك تايمز”  تحقيقًا تعاونت فيه مع “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، حول مواقع المقابر الجماعية في سوريا، الذي يعتبر إثباتًا وتوثيقًا لجرائم الحرب المرتكبة من قبل النظام السوري.

إضافة إلى استمرار توعد الولايات المتحدة الأمريكية بمحاسبة النظام السوري، مطلقةً حملة لشهر آذار بعنوان “شهر المحاسبة” للجرائم المرتكبة في سوريا، وإصدار الدول الأوروبية وأمريكا موقفًا خماسيًا في ذكرى الثورة تؤكد فيه عدم التطبيع مع النظام.

ولم تمنع هذه المعطيات من استمرار الإمارات في حملة تطبيعها مع النظام السوري، إذ التقى الأسد مجموعة من المسؤولين الإماراتيين على رأسهم نائب رئيس الدولة وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم.

بوابة للنظام لعودته إلى الحاضنة العربية

تعتبر هذه الزيارة الأولى للأسد إلى الإمارات منذ عام 2011، بعد تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول قناعة موسكو عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وتناول اللقاء الذي أجراه مع ابن راشد مجمل العلاقات بين البلدين وآفاق توسيع دائرة التعاون الثنائي لاسيما على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والتجاري.

وحول الرسائل التي أراد النظام السوري إيصالها من هذه الزيارة في هذا التوقيت، قال الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، في حديث لعنب بلدي، إن النظام يدرك أن الإمارات هي من أكثر الدول العربية رغبةً بإعادة العلاقات الثنائية معه، سواء كانت هذه الرغبة من منطلقات “أمنية” أو كان منبعها استراتيجية.

وأضاف الباحث أن الإمارات وتفاعلاتها في المنظومة الإقليمية والقائمة على مبدأ “إدارة التوازنات” بينما تتضح أركان هذه المنظومة بالنسبة لها وتستقر، لذلك يسعى النظام إلى اتباع سياسة الحد الأقصى من الاستثمار السياسي في تعاطيه مع الإمارات باعتبارها البوابة الأكثر دعمًا لعودته للسياق السياسي العربي.

وبعد جهود أمنية وتكتيكات سياسية متراكمة وتنامي جهود دبلوماسية من قبل الطرفين، وجد الأسد في ظل سياق سياسي وأمني تعيشه المنظومة الدولية والإقليمية بسبب “الغزو” الروسي لأوكرانيا، وما تبعه من مؤشرات لصراع حاد يعيد بناء خارطة التوازنات، ضرورة في الانتقال إلى اختبار صيغة التطبيع معه من وضعيته العابرة للسياسة إلى الوضعية السياسية المباشرة، وفق طلاع.

وبذلك يطمح لاختبار وكسر الجمود السياسي من جهة، ويعزز مسارات المساندة الإماراتية لنظامه الذي يعيش أزمات مركبة و استعصاءات تنموية خانقة.

رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ونائب رئيس الدولة وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، 18 من آذار 2022 (رئاسة الجمهورية السورية)

هل أبو ظبي ليست مكترثة برأي واشنطن؟

تطرح زيارة الأسد إلى أبوظبي إشكالًا بين الإمارات والولايات المتحدة التي تشدد الخناق على النظام عبر عقوبات “قيصر” والالتزام الكامل بعدم التطبيع والانتقال السياسي بموجب القرار الأممي “2254”.

وتحدث الباحث في معهد “الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، في تغريدة عبر “تويتر” في 18 من آذار عقب الزيارة، أنه “من أواخر عام 2021 إلى أوائل عام العام الحالي، وضعت حملة الضغط المستمرة من الولايات المتحدة عقبة كبيرة في طريق التطبيع الإقليمي مع الأسد إذ تمت إعادة هيكلة (المجموعة الصغير) وفقًا لذلك”، بإشارة إلى البلدان التي قُيدت قراراتها للتطبيع مع الأسد.

وتابع ليستر أن معطيات الوضع في روسيا وأوكرانيا أزالا هذا التأخير بعجلة التطبيع تمامًا.

قبيل الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإماراتي برفقة وفد رفيع المستوى إلى العاصمة دمشق في تشرين الأول من عام 2021، أبلغت الإمارات إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مسبقًا بخطط الزيارة وأن الخارجية “توسلت” إليهم ألّا يذهبوا، وفق ما قاله ليستر، معتبرًا أنه بالنظر إلى المشكلات الأوسع مع الإمارات الآن، لم يكن الوضع مفاجئ كثيرًا بالنسبة لأمريكا بأنها بم تتلق أي إشعار مسبق لهذه الزيارة طوال هذا الوقت.

 

وكان سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، صرّح في 3 من آذار الحالي أن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة تمر باختبار، في اعتراف نادر بضغوط تشهدها الشراكة الاستراتيجية بين البلدين والتي سُلّطت عليها الأضواء بسبب “غزو” روسيا لأوكرانيا، إذ امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار قدمته الولايات المتحدة يندد بالـ”غزو”.

وأعربت الإمارات عن عدم ارتياحها في السنوات الماضية بشأن ما تعتبره تراجعًا في التزام واشنطن بأمن شركائها في المنطقة بينما وطدت أبوظبي علاقاتها بموسكو وبكين، إذ قال العتيبة “مثل أي علاقة، فيها أيام قوية العلاقة فيها صحية جدًا، وأيام العلاقة فيها موضع تساؤل، اليوم نمر بمرحلة اختبار جهد، لكنني واثق من أننا سنخرج منها ونكون في موقع أفضل”.

ويبدو أن الإمارات الآن لم تعد مهتمة جدًا حول الرأي الأمريكي حيال التطبيع مع النظام السوري.

السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة – 2021 (AFP)

بدوره، يرى الباحث معن طلّاع أنه من الناحية الاستراتيجية في العلاقات السياسية، منذ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، مرورًا بإدارة دونالد ترامب والآن جو بايدن، فإن النتيجة الأكثر اتضاحًا في تفاعلات المنطقة تتعلق بتغيير نمط وتعريف التحالفات التقليدية التي كانت سائدة،  الولايات المتحدة الزاهدة الآن من قضايا المنطقة وما يحدثه من كلف سياسية وعسكرية واقتصادية لم تعد وحدها ضمن مراكز صنع القرار الإقليمي.

وتوجد دول أخرى تتدخل عسكريًا كتركيا وروسيا وإيران، أصبحت تسير في فلك الدول الفاعلة والمؤثرة في المشهد الدولي.

وهذا ما يفسر حركية الإمارات في الانسجام مع جميع المحاور الناشئة، وهذا يجعل مقاربة الاختلاف مع الولايات المتحدة ليست دقيقة بقدر ما هي مقاربة تعتمد على  التماهي مع الترتيبات الناشئة في النظام الإقليمي مع الحفاظ على مراعاة الهواجس المرتبطة بواشنطن، حسب طلاع.

وفي هذا السياق وفيما يتعلق بالزيارة ووفقًا لتصريحات المسؤولين الإماراتيين، فإن بحث سبل التعاون المشتركة مع النظام تدخل ضمن مسارات نوعية، أي أنها ليست بالضرورة كسرًا لقانون “قيصر” إذ يظن الباحث أنها موجودة في عدة مسارات وتحت عدة مسميات، كالمسار الإنساني والمسار التنموي والمسار الحوكمي.

وأيضًا استراتيجيًا، لا يمكن لدولة مثل الإمارات أن تفرط بعلاقتها وتحالفها التقليدي مع واشنطن، وبالتالي ستكون حريصة على عدم انتقال مؤشرات التباين إلى معطيات خلاف حقيقة، حسب طلاع، مشيرًا إلى أن أبو ظبي لاتزال بحاجة لقطب دولي مركزي كواشنطن في ظل بيئة أمنية إقليمية لم تستقر بعد، وبذات السياق هي تنحو باتجاه أن تكون جاهزة لأي تحول يغير من تموضع الولايات المتحدة وسياساتها وغاياتها في المنطقة.

هل الزيارة تمهيد لحضور حكومة النظام في القمة العربية؟

في تشرين الثاني من العام الماضي أوضح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، موقف بلاده الرسمي من مشاركة النظام السوري في “القمة العربية” المقبلة التي تستضيفها بلاده، مشيرًا إلى احتمالية ذلك في القمة التي ستُعقد مطلع تشرين الثاني المُقبل.

وقال إن “القمة العربية” يفترض أن تكون “جامعة”، معربًا عن أمله بانطلاقة جديدة للعالم العربي، إلى جانب التأكيد على أن بلاده لا تكرّس التفرقة بين العرب.

كما تطالب دول عربية عدة، كالإمارات والعراق، وسلطنة عمان، ومصر، بعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وتطبيع العلاقات معه.

ولا يعتقد الباحث السياسي، معن طلاع، أن هذه الزيارة مقدمة لحضور سوريا في القمة العربية أو انضمامها لجامعة الدول العربية، إذ يعتقد أن هذه الزيارة هي عنوان لعدم نجاح مسار العودة إلى الجامعة بالوقت الراهن، فتلك العودة كانت ستودي بنتائج أكبر على المستوى السياسي السوري، لذلك أتى خيار العلاقة المباشرة تمهيدًا لتحسين الظروف.

ويطمح الأسد لأن تكون هذه الخطوة دافعًا لبعض الدول المترددة وبالتالي تغليب مبدأ التراكم في العلاقات وجعل العودة أمرًا انسيابيًا أجدى من تحمل كل الدولة كلفة العودة سياسيًا، وفق طلاع.

رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مع حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم (رئاسة الجمهورية العربية السورية- فيس بوك)

الوعود الأمريكية لمحاسبة المطبعين “حبر على ورق”

قدم الحزبان “الجمهوري” و”الديمقراطي” مشروع قرار يشدّد الخناق على النظام السوري بهدف محاسبته، في الذكرى الـ11 للثورة السورية، في 15 من آذار، واصفًا النظام بـ”المجرم المدعوم من روسيا وإيران” على جرائمه ضد الإنسانية.

وعارض المشروع عمليات التطبيع مع النظام السوري من قبل أي دولة، وأقر بأنه لا يوجد حل في سوريا طالما النظام السوري، كما دعا المشروع بايدن إلى عدم الاعتراف بحكومة سورية بقيادة بشار الأسد، إضافة إلى عدم الاعتراف بأي انتخابات مستقبلية في سوريا بقيادته، وفرض قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 بقوة، خاصة للجهات الحكومية التي طبعت علاقاتها مع النظام، وفرضه لوقف تنفيذ مشروع “خط الغاز العربي” وأي اتفاقات طاقة أخرى ستزوّد النظام بالغاز والكهرباء.

وانهالت التصريحات الأمريكية خلال شهر آذار حول فرض عقوبات إضافية على النظام السوري وتشديد المحاسبة والمساءلة، إلّا أنه حتى الآن لا يوجد أي قرار جديد ملموس.

وحول تراخي الإدارة الأمريكية للمحاسبة الجدية للنظام، قال طلاع لعنب بلدي إن كل الملف السوري لا يزال يعيش تبعات سياسة أوباما التي لم ترَ ضرورة في انخراطها المباشر في الصراع لصالح نتائجه وضمن كلفة استراتيجية خفيفة، ومع إدارة بايدن فإن سياسة العقوبات هي السلاح الذي يجده أكثر نجاعة.

ولذلك يمكن القول إن التحركات الأمريكية يمكن وصفها بأنها غير تدخلية بالاعتماد على مبدأ التحكم من بعيد، وأن هذه السياسة ليست وحدها المتحكمة في تفاعلات المنطقة، وفق طلاع، الذي يرى أيضًا أن سيناريو نتائج “الغزو” الروسي لأوكرانيا سينعكس حكمًا على المنطقة.

وإن طال الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتدحرج لمستويات اقتتال دولي أكثر، فيبدو من المحتمل أن تكون مواجهة روسيا في ساحات تواجدها الإقليمية سيناريو متوقعًا، لكن السيناريوهات الأخرى أيضًا حاضرة كإدارة الأزمة والمحاصرة، وهذا يجعل سياسة المحاور الدولية تعود من جديد.

وفيما يتعلق بعجلة التطبيع، يعتقد طلاع أنها تمشي على قدم وساق، فالعملية السياسية في سوريا معطلة تمامًا وغير منتجة، وسيناريو تَمترُس الجغرافيا في سوريا لازال مستمرًا، ومواقف الدول العربية وتحولاتها باتت أقرب لتلاقي أمني مع النظام وهذا كله يدعم تنامي مؤشرات العودة.

رسامان يقفان لرسم لوحة جدارية في مدينة إدلب شمال غربي سوريا للتضامن مع أوكرانيا ضد الغزو الروسي- 24 من شباط 2022 (صفحة الرسام عزيز أسمر عبر “فيس بوك”)

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا