عنب بلدي- خالد الجرعتلي
مع انطلاق “الغزو” الروسي لأوكرانيا، في 24 من شباط الماضي، تحدث ناشطون وشخصيات سياسية سورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استغلال الموقف لفتح جبهات القتال في سوريا، باعتبار أن روسيا منشغلة حاليًا بعملياتها العسكرية في أوكرانيا، وعاجزة عن تقديم دعم عسكري ولوجستي كبير لقوات النظام.
إلا أنه وبحسب المراصد العسكرية المختصة برصد تحركات الطيران في الأجواء السورية، فإن الطيران الحربي الروسي وطيران الاستطلاع حافظ على وتيرة طلعاته الجوية حتى اليوم، رغم انخفاض وتيرة القصف على مناطق نفوذ المعارضة شمال غربي سوريا.
وبحسب ما ينشره مرصد “سوريا” للطيران عبر “تلجرام” عن متابعته لحركة الطيران في سوريا، بشكل دوري، فإن عشرات الطلعات الجوية لطائرات الاستطلاع الروسية تُقلع بشكل يومي من مطارات مختلفة في سوريا، معظمها من مطار “حميميم”، إضافة إلى طائرات حربية دائمًا ما تحلّق في أجواء شمال غربي سوريا، ومناطق من شرقها، إضافة إلى طائرات الشحن وأخرى تدريبية تُقلع من مطار “كويرس” بريف حلب الشرقي.
سوريا “جبهة استراتيجية” لروسيا
تزامنًا مع إعلان روسيا عن بدء “غزوها” البري لجارتها أوكرانيا، حلّقت الطائرات الحربية فوق مناطق نفوذ “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، شرقي محافظة حلب، وألقت قنابل مضيئة فوقها.
الأمر الذي اعتبره الباحث والمحلل العسكري العقيد عبد الله الأسعد، إنذارًا لتركيا والفصائل المدعومة من قبلها لعدم التفكير بشنّ أي عمل عسكري باتجاه الجنوب الذي يسيطر عليه النظام السوري، كما أنه نوع من “إثبات الوجود”.
وأعلنت فرق “الدفاع المدني السوري”، في 24 من شباط الماضي، عن عثورها على شظايا على أسطح المنازل، دون وجود آثار لقصف جوي أو دمار على الأرض، بحسب ما نشرته عبر “تلجرام”، بعد تحليق للطيران الحربي الروسي وإلقائه قنابل مضيئة في سماء مدينة الباب شرقي حلب.
ورصد مرصد “سوريا” التابع لـ”الدفاع المدني”، والمختص برصد حركة الطيران في سوريا، خلال اليوم ذاته تحركات مستمرة للطيران الحربي وطيران الاستطلاع الروسي منذ الليلة التي سبقت “الغزو” حتى اليوم التالي.
وهو ما قال عنه الأسعد “تناسق الجبهات”، بحسب العلوم العسكرية والاستراتيجية، التي تقتضي إشغال الجبهات التي يجب على القوات العسكرية تركها للتوجه إلى جبهة أُخرى.
وفي حال شنت فصائل المعارضة عمليات عسكرية باتجاه مناطق نفوذ النظام السوري، فإن روسيا حتمًا أجرت تنسيقًا عسكريًا مع الميليشيات الإيرانية وقوات النظام لسد الجبهات القتالية، ريثما تنتهي من جبهتها الأخرى في أوكرانيا، بحسب الأسعد.
أوكرانيا “أكثر أهمية”
بالنسبة للغرب وروسيا، فأوكرانيا تمثّل تهديدًا وجوديًا لكلا الطرفين، بحسب ما يعتقده الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية عبد القادر نعناع، بمعنى أنها تمثّل الأولوية العليا التي تهدد وجود الدول المُتصارعة.
وأضاف أن أدوات المواجهة في أوكرانيا ستكون “أكثر حدة”، وبالتالي أكثر حزمًا مما هي عليه اليوم في سوريا.
أما سوريا، فهي اليوم بالنسبة للطرفين ذات بعد “مصلحي وأمني”، وبالتالي فمصالح الطرفين في سوريا لا تهدد وجود أي من روسيا أو الغرب، بل هي “تثقيل” لهما بشكل مباشر أو غير مباشر.
واعتبر نعناع أن توالي الأحداث في أوكرانيا، قد يساعد السوريين في تقييم مكانتهم في ميزان المصالح الدولية، التي ستختلف قليلًا مع بداية “الغزو” الروسي لأوكرانيا.
وربما تكون سوريا قريبًا إحدى ساحات النزاع الغربي- الروسي “الهامشية”، إلى جانب ليبيا وإفريقيا جنوب الصحراء (مالي خصوصًا)، وعليه قد يمتد الاشتباك الغربي- الروسي إلى هذه الساحات، بهدف ضغط طرف على آخر، أو إشغال طرف بملفات مصلحية وأمنية فرعية.
أي أن إعادة فتح الجبهات في سوريا بمواجهة روسيا أو إيران، رغم ما بين الطرفين من اختلاف، هو شأن دولي اليوم، وليس شأنًا محليًا، وإن كانت هناك قوى محدودة ترغب بفتح تلك الجبهات، إلا أنها بالأساس مضبوطة دوليًا.
وتُضبط هذه الجبهات التي كانت يومًا ما حامية، باتفاقيات بين الدول المتدخلة في سوريا، وعليه قد نشهد مثل ذلك في حال توفر إرادة دولية لمواجهة روسيا في سوريا، عبر الأدوات المحلية (الحرب بالوكالة)، بهدف الضغط على روسيا، أضاف نعناع.
ماذا إن سخنت الجبهات السورية مجددًا
قد يرتّب اشتعال الجبهة السورية مجددًا تهديدات جديدة، بحسب عبد القادر نعناع، إذ قد تعمد بعض الأطراف الدولية إلى التنسيق مع النظام السوري نفسه، للعمل ضد المصالح الروسية في سوريا.
أي أن إقناع الأسد بالتخلي عن روسيا، قد ينبع دائمًا من اعتقاد أن للنظام قدرة على إحداث تغيير في المشهد السوري، من خلال نقض الاتفاقيات مع روسيا، مقابل رفع بعض العقوبات.
ما يدفع إلى طرح سيناريو هذا التنسيق، أنه أقل تكلفة من سيناريو التسليح وفتح جبهات مع الروس في سوريا، بحسب نعناع، وإن كان هذا الخيار اليوم ضعيف الاحتمال، لكنه يبقى خيارًا قائمًا، وخصوصًا مع تغيّر الموقف الأمريكي من فنزويلا وإيران، اللتين كانتا عدوًا رئيسًا للولايات المتحدة في وقت سابق.
على الصعيد العسكري، قال المحلل العسكري عبد الله الأسعد، إنه ورغم عدم إمكانية عودة هذه الجبهات إلى الاشتعال مجددًا، نظرًا إلى أسباب كثيرة منها عدم وجود إرادة أو قرار بالقتال من قبل المعارضة السورية حتى الآن، فإنه وبجميع الأحوال، لم تتغير القوات المنتشرة على الجبهات من طرف قوات النظام السوري، ولن يؤثر الغياب الروسي إن حدث في تشكيلة هذه القوات، إذ يقتصر الوجود الروسي على الأرض على قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة لها، منها الموالية لإيران.
وأشار إلى أن التغيير الوحيد الحاصل على الخارطة العسكرية، هو أن القوات الروسية سحبت مقاتلي مرتزقة “فاغنر” باتجاه أوكرانيا، في حين يشكّل الإيرانيون الذراع الأساسية على جبهات النظام السوري.
وعن الغطاء الجوي الروسي لمعارك قد تنشب في الجبهات السورية، قال الأسعد، إنه حتى وإن انخفضت وتيرته، فهو لن يغيب عن مثل هذه الأحداث، فعين روسيا لا تزال موجودة في سوريا.
597 موقعًا للقوات الأجنبية في سوريا
أعدّ مركز “جسور للدراسات” دراسة، في 27 من كانون الأول 2021، أحصت القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة في سوريا، والتي بلغت 597 موقعًا حتى مطلع العام الحالي.
وأشارت الدراسة إلى النقاط التي تمتلك فيها القوى الأجنبية كامل الصلاحية والقيادة، وتعتبر هذه المناطق والقواعد مناطق نفوذ مطلق لهذه القوات.
وبذلك لا تشمل هذه الدراسة وجود الخبراء أو الفنيين أو العسكريين كقادة أو كعناصر ضمن ثكنات وحواجز القوات المحلية المختلفة، أو ضمن مؤسسات الحكم والإدارة المدنية.
وشملت الدراسة مواقع انتشار كل من التحالف الدولي التي أُشير إليها بالعلم الأمريكي، إضافة إلى القوات الروسية، إلى جانب مواقع كل من القوات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، إضافة إلى القواعد العسكرية التركية شمالي سوريا.
وتصدّرت حلب بأعلى عدد للقواعد الأجنبية بين المحافظات السورية، إذ احتوت على 155 موقعًا معظمها لإيران أو للميليشيات المدعومة من “الحرس الثوري الإيراني”.
وجاءت محافظة إدلب في المرتبة الثانية لأعداد هذه القواعد بـ76 موقعًا، شكّلت القواعد التركية معظمها ضمن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، تلتها القواعد الروسية في القسم الذي تسيطر عليه قوات النظام من المحافظة.
بينما احتوت محافظة ريف دمشق على 68 موقعًا معظمها مواقع إيرانية، ومحافظة حمص 512 موقعًا إيرانيًا وروسيًا، إضافة إلى موقعين للتحالف الدولي في منطقة التنف شرقي حمص.
وشملت الدراسة محافظة دير الزور شرقي سوريا بـ64 موقعًا عسكريًا، ومحافظة حماة بـ43 موقعًا معظمها يتبع لإيران.
تلتها محافظة الحسكة بـ38 موقعًا، ومحافظة الرقة بـ32 موقعًا معظمها مواقع تابعة للتحالف الدولي بقيادة أمريكا.
بينما طغت القواعد العسكرية لإيران وللميليشيات الموالية لها في كل من محافظات درعا، والقنيطرة، والسويداء، واللاذقية، ودمشق، وطرطوس، والتي احتوت على قواعد عسكرية روسية إلى جانب الإيرانية، بحسب الدراسة.