عنب بلدي – محمد فنصة
“الميزان الأعرج يسمح بما يشتهون ويمنع ما يكرهون، عاش (سلتيك غلاسكو) حامل الأعلام الفلسطينية، وعاشت القضية، غالطوك فقالوا إن السياسة والرياضة منفصلتان، لا، هما وجهان لعملة واحدة”.
هكذا افتتح المعلّق الرياضي عصام شوالي مباراة فريقي مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي الأسبوع الماضي، بعد بروز مظاهر سياسية على مستوى الدوري والجماهير تدعم الموقف الأوكراني وتطالب بوقف “الغزو” الروسي، بمباركة دولية.
الميزان الأعرج يسمح بما يشتهون ويمنع ما يكرهون. عاشت القضية الفلسطينية ، غالطوك فقالوا السياسة والرياضة منفصلتان.
✌🏻🇵🇸✌🏻 pic.twitter.com/3YwmingKD7— ℑ𝔰𝔰𝔞𝔪 ℭ𝔥𝔞𝔬𝔲𝔞𝔩𝔦 (@Chaouali1970) March 6, 2022
دخلت روسيا في عزلة رياضية بعد العقوبات التي فُرضت من مختلف الاتحادات الدولية على الرياضيين والاتحادات الروسية جراء “غزوها” لأوكرانيا.
وبالرغم من تثمين هذه العقوبات لدى المنظمات الإنسانية، لاقت انتقادات من عرب يعملون في المنظومة الرياضية، بسبب عدم اتخاذ ذات الخطوات عندما يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية أو السورية.
سياسة الكيل بمكيالين
أول مظاهر التأثر الرياضي بالأحداث السياسية بدأ مع اليوم الذي بدأت روسيا هجومها على أوكرانيا، إذ قام فريق شالكه الألماني بتغطية شعار شركة الغاز الروسية المملوكة للدولة “غازبروم” على قمصانه خلال مباراته في الدوري الألماني، في 24 من شباط الماضي.
وفي اليوم التالي، كتب لاعب “التنس” الروسي أندريه روبليف، “لا للحرب من فضلك” على عدسة الكاميرا، معارضًا “غزو” بلاده لأوكرانيا، بعد فوزه في نصف نهائي بطولة دبي لـ”التنس”.
Russian tennis player Andrey Rublev writes "No war please" on the camera following his advancement to the final in Dubai. pic.twitter.com/GQe8d01rTd
— TSN (@TSN_Sports) February 25, 2022
ونشر أيضًا الحارس البولندي فويتشيك تشيزني قائلًا، “أنا أرفض اللعب ضد لاعبين يختارون تمثيل قيم روسيا ومبادئها، أرفض الوقوف في أرض الملعب، مرتديًا ألوان بلدي، وأستمع إلى النشيد الوطني لروسيا”.
وتابع، “أرفض المشاركة في حدث رياضي يُضفي الشرعية على تصرفات الحكومة الروسية، أعلم بأن تأثيري قد يكون رمزيًا فقط، لكني أدعو (فيفا) و(يويفا) إلى اتخاذ إجراء، ومحاسبة الاتحاد الروسي”.
على الطرف الآخر، دان لاعب “الجودو” الجزائري فتحي نورين المنظمات الرياضية الدولية، متهمًا إياها بالتناقض و”الكيل بمكيالين”، إذ عُوقب اللاعب الجزائري ومدربه، بالإيقاف عن ممارسة أي نشاط رياضي لمدة عشرة أعوام من طرف “الاتحاد الدولي للجودو”، وذلك بعد انسحابه من مواجهة لاعب إسرائيلي، في أولمبياد طوكيو 2020.
ولمّا كان موقف نورين نابعًا من تضامن مع القضية الفلسطينية، وُجهت له تهمة خلط السياسة بالرياضة، وبعد رفض محكمة التحكيم الرياضي الطعن المقدم من طرفه لإلغاء العقوبة المسلّطة عليه منذ آب 2020، قرر الاعتزال.
عاد نورين اليوم إلى الواجهة بعد اعتزامه رفع دعوى لدى محكمة التحكيم الرياضية، لأن التهمة التي وُجهت إليه كانت “خلط السياسة بالرياضة، وكل المنظمات الرياضية اليوم تقوم بنفس الشيء”، على حد قوله.
واستعمل “اتحاد الجودو” المادة “50” من الميثاق الأولمبي لإصدار العقوبة ضد نورين، إذ تحظر المادة كل أشكال ومظاهر الدعاية السياسية والدينية والعرقية في كل المواقع والمناطق الأولمبية.
وفي 27 من شباط الماضي، أعلن” الاتحاد الدولي للجودو” تعليق منصب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كرئيس فخري وسفير لـ”الاتحاد الدولي للجودو”.
رفض فتحي نورين مواجهة لاعب إسرائيلي، فتلقى عقوبة بالإيقاف لمدة 10 سنوات دفعته للاعتزال، وحينما أعلنت 4 دول أوروبية مقاطعتها أي مباريات مع المنتخب الروسي، ردت الفيفا بحظر مشاركة روسيا في البطولات
التضامن الأعوج هو أن تكون المقاطعة جريمة أمام "إسرائيل"، وموقفًا إنسانيًا أمام غيرها pic.twitter.com/ku3LkkM8zT
— مقاطعة (@Boycott4Pal) February 28, 2022
ولم يسلم المشجعون الرياضيون من القرارات المزدوجة، إذ تعرض نادي سيلتك الاسكتلندي لكرة القدم لغرامة مالية من الاتحاد الأوروبي، في آب 2016، بسبب رفع جماهيره أعلامًا فلسطينية خلال مباراة النادي ضد فريق هابويل بئر السبع الإسرائيلي في الأدوار التمهيدية لدوري أبطال أوروبا، بتهمة “حمل لافتات غير مشروعة”.
كما رفع لاعب كرة القدم المُعتزل فريدريك كانوتيه، في عام 2008، قميصه بعد تسجيله هدفًا ليُظهر كلمة فلسطين مكتوبة عليه تزامنًا مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي عاقب عليه الاتحاد الإسباني وقتها بغرامة مالية بتهمة “توجيه رسائل سياسية”.
وأثار قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) تعليق مشاركة الأندية والمنتخبات الروسية في جميع المسابقات الرياضية جدلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ عبّر العديد من العرب العاملين في الوسط الرياضي عن استيائهم من عدم اتخاذ قرار مماثل بحق الأندية والمنتخبات الإسرائيلية، في أثناء العدوان الإسرائيلي على فلسطين خلال السنوات الماضية.
@fifacom_ar قرار منع الاندية الروسية والمنتخبات من المشاركة فى كافة البطولات لازم يكون معه منع مشاركة الاندية والمنتخبات التابعة للكيان الصهيوني لانه محتل ويقتل الاطفال والنساء فى فلسطين منذ سنين ولكنكم تكيلوا بمكيالين..
— محمد أبوتريكة (@trikaofficial) February 28, 2022
الحكم الدولي السوري فراس الخطيب، في حديث إلى عنب بلدي، قال إن موقف “فيفا” يخضع لأمر “واقع لا يمكن التهرب منه”، بسبب الضغط عليه من الاتحادات القارية والمحلية.
وبالرغم من أن العقوبات المدرجة تحت إطار العنصرية والتأثير السياسي هي من أقوى الإجراءات الممكن اتخاذها بحق الاتحادات القارية والمحلية، تُهيمن الاتحادات القارية على المنظمة الدولية، بحسب الخطيب.
ما أبرز العقوبات الرياضية المفروضة
منذ اليوم الأول لـ”الغزو” الروسي، توالت العقوبات الرياضية المفروضة عليها، وفيما يأتي أبرز هذه العقوبات من حيث الأكثر تأثيرًا على الرياضة في روسيا:
- أصدرت اتحادات كرة القدم في بولندا والسويد والتشيك بيانًا مشتركًا يدعو إلى عدم لعب مباريات ملحق كأس العالم لكرة القدم في روسيا، التي من المقرر أن تستضيف المنتخب البولندي بموسكو في 24 من آذار الحالي.
أعلنت جولة “اتحاد لاعبي التنس المحترفين”، أن بطولتها التي كان من المقرر بدؤها في موسكو في 28 من شباط الماضي، لن تقام كما هو مقرر بسبب “مخاوف بشأن سلامة اللاعبين”. - قرر “يويفا” نقل مباراة نهائي دوري أبطال كرة القدم من ملعب مدينة سان بطرسبرغ الروسية إلى استاد فرنسا في باريس في 28 من أيار المقبل.
- إلغاء تنظيم جولة روسيا الكبرى لسباقات الـ”فورملا ون”.
اللجنة الأولمبية الدولية تدعو إلى نقل أو إلغاء أي أحداث في روسيا أو بيلاروسيا. - أعلن “الاتحاد الدولي للجودو” إلغاء بطولة “جراند سلام 2022” في كازان بروسيا، التي كان من المقرر عقدها في 20 من أيار المقبل.
- أعلن” الاتحاد الدولي للجمباز” إلغاء جميع المسابقات والبطولات المخطط لها في روسيا وبيلاروسيا حتى إشعار آخر.
- أعلن “الاتحاد الدولي للسباحة” أنه ألغى بطولة العالم للناشئين المقررة في آب المقبل في كازان، كما أنها لن تعقد أي أحداث مستقبلية في روسيا.
- إيقاف مشاركة الفرق الروسية في بطولات “الاتحاد الأوروبي لكرة السلة”.
- أكد “فيفا” والاتحاد الأوروبي لكرة القدم أنه سيتم تعليق جميع المنتخبات الروسية والأندية من مسابقاتها “حتى إشعار آخر”.
- تعليق مشاركة روسيا وبيلاروسيا في جميع أنشطة “الرجبي” الدولية بقرار من “الاتحاد الدولي للرجبي”.
- تجريد روسيا من استضافة بطولة العالم للكرة الطائرة للرجال، كما أعلن “الاتحاد الدولي للكرة الطائرة”.
- استبعاد جميع الرياضيين الروس والبيلاروسيين من أحداث ألعاب القوى العالمية، قبل بطولة العالم لألعاب القوى في الصالات 2022 في صربيا.
- منع روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في المسابقات التي ينظمها “الاتحاد الدولي للتنس”، وإلغاء فعالياته في تلك الدول.
- توقيع بيان من قبل وزراء رياضة لعدة دول يمنع روسيا وبيلاروسيا من استضافة أي أحداث رياضية دولية، ومنع الرياضيين الفرديين الذين تختارهم روسيا وبيلاروسيا من المنافسة في بلدان أخرى.
ووصف بيان صدر عن اللجنة الأولمبية الروسية الإجراءات التي اتخذتها اللجنة الأولمبية الدولية ضدها بأنها “متسرعة”، وأن استبعاد روسيا من قبل الاتحادات الرياضية الأخرى ليس له أساس قانوني.
كما رفض الاتحاد الروسي لكرة القدم العقوبات الموقعة عليه من الاتحاد الدولي والأوروبي لكرة القدم في بيان رسمي، وشدد على أنه سيلجأ إلى قانون الرياضة الدولي ويطعن بتلك القرارات.
أشار الحكم فراس الخطيب إلى أن “فيفا” عندما أوقف المنتخبات والأندية الروسية عن المشاركة في مسابقاتها، استند إلى بند من لوائح نظامه الداخلي، بأن أي بلد لم يعد آمنًا بسبب حرب أو أزمة أمنية تخص المطارات أو الملاعب، يتم حظر منتخبه من أي نشاط رياضي داخلي أو خارجي.
ما جدوى العقوبات على روسيا؟
في تقرير لوكالة “فرانس برس” الإخبارية، في 28 من شباط الماضي، قال رئيس اللجنة الأولمبية البريطانية، هيو روبرتسون، إن “الحظر الرياضي الشامل قد يؤثّر على مكانة بوتين محليًا، فالرياضة مهمة بشكل غير متناسب للأنظمة الاستبدادية”، وأضاف أن “عدم القدرة على المنافسة سيضرّ روسيا بشدة”.
ويعتقد روبرتسون، أن السماح للروس بالتنافس في وقت يعجز الأوكرانيون عن ذلك أمر “لا يمكن تصوّره من الناحية الأخلاقية”.
كما يرى الخطيب أن “الخسارة كبيرة جدًا” من جميع النواحي، بدءًا بتوقف النشاط الرياضي الذي يؤثر على خزينة الاتحاد الروسي الرياضي، وخسارة المبالغ المقدمة كعقود اللاعبين من الأندية الروسية، كما يمكن تجميد أموال الاتحاد الروسي من قبل “فيفا”، ليصل مجموع الخسارات إلى مليارات الدولارات، وهي مبالغ وأرقام خيالية بالنسبة للروس، بحسب الخطيب.
وفي 24 من شباط الماضي، أعلن الرئيس الروسي بدء “عملية عسكرية خاصة” في إقليم دونباس الذي يضم منطقتي لوغانسك ودونيتسك، وسرعان ما وسّع العمليات لتصل إلى العاصمة الأوكرانية كييف، ما أدى إلى إدانات دولية ثم فرض عقوبات على بنوك ومصارف ومسؤولين روس، بمن فيهم الرئيس الروسي.