يحاكي الفيلم الإيراني “A HERO”، أو “البطل” بالعربية، قضية يتبناها المؤلف والمخرج الإيراني أصغر فرهادي، وهي حالة الصراع، ليس بين القيم المتضاربة، والأشياء وأضدادها، بل بين ما هو متشابه، وما يسميه بعض النقاد السينمائيين “الصراع بين الصوابات”.
والقضية أن “رحيم”، بطل الفيلم والأفكار التي سيدفع ثمنها بعد قليل، يخرج من السجن في إجازة قصيرة للقاء عائلته وحبيبته، لكن ضميره الذي تدخّل في لحظة ما، وأعاده إلى فطرته الإنسانية، حوّله فجأة إلى بطل يطل عبر شاشة التلفاز بسبب أمانته حتى في أقسى الظروف.
الموضوع لا يقف عند التكريم والشكر، فهذه الأمانة، وباعتبارها خضعت لسياقات فرهادي المدروسة، جرّت البطل إلى حالة من الشبهة، ونقلته إلى خانة الاتهام والتشكيك، فصار مضطرًا إلى إثبات بطولة لم يدعِها أو يركض خلفها، لمجرد نفي اتهامات ساقتها له ظروف وقوالب عاطفية واجتماعية، مرد بعضها إلى الدين والعادات والمجتمع، والدائرة القريبة الضيقة من الرجل.
وفي محاولة غير موفقة لإثبات صدقه، يغرق “رحيم” في رمال متحركة من الأكاذيب، فما إن يكذب للمرة الأولى في سبيل إثبات الصدق السابق، حتى يغوص في كذبة ثانية لجعل الأولى ذات مصداقية، ما يعني الكثير من الوهم لإثبات ما هو حقيقي فعلًا، وتحوّل البطل إلى ضحية زاهدة بالتكريم مقدار طمعها بالنجاة من العقاب الذي قد يطال السمعة واسم العائلة والكرامة أيضًا.
شاعرية الصورة والمشهد طاغية لدى فرهادي، بابتعاد مقصود عن عوامل يمكن أن تشتّت الانتباه عن الجوهر، فبطل العمل شخص عادي، من الناس الذين يمكن مصادفتهم في الطريق، وهو بطل المصادفة، ما منحه الحق في المحافظة على صفات عادية غير خارقة أو مميزة.
لا موسيقا تصويرية في الفيلم، مع استثناء القليل من موسيقا “السانتور”، التي تخرج من أحد الدكاكين قبيل مشكلة ستجر للبطل الكثير من العناء.
ولعل من أبرز المشاهد التي يحملها العمل “صعود الدرج”، وهو من المشاهد الافتتاحية، ويتقصد خلاله فرهادي أن يصعد بطله “حتى تلك اللحظة”، درجًا طويلًا، أو كثيرًا من الأدراج المتتابعة، بما يقربه من الصورة “السيزيفية”، فكل تعب الصعود جدواه قليلة إن وجدت، وكل هذا التعب يغض الطرف عنه بكلمتين تأتيان للتعقيب عليه، ثم يدخل خانة القبول ككثير من الأشياء غير المرضية، التي يسكت عنها الإنسان لأسباب كثيرة.
أفلام المخرج الإيراني بمعظمها تقوم على المفهوم الثنائي، ومنح الشخصيات الرئيسة هويتها منذ البداية، بما يتيح للمشاهد إطلاق أحكام متسرعة على جدلية بصرية، قد تبقى مفتوحة حتى بعد انتهاء الفيلم، لكن “البطل” لا يسمح بخلق الأحكام، مقدار ما يتسامح بخلق الانطباعات، فلا حكم هنا يمكن إطلاقه والقضية مفتوحة ومتفاعلة، ومستجداتها تقاس بالمشهد والموقف.
والمشهد الثاني الذي يترك المشاهد مع مفارقة مأساوية، وليست مستحيلة، هو النهاية التي وصل إليها “البطل”، وربما اختارها، فبعد جهود مضنية أفقدت الإجازة مضمونها أمام محاولات متعبة لإثبات ما هو صحيح، يؤثر “البطل” العودة إلى سجنه، ربما لينشد فيه بعض الحرية التي سلبتها افتراضات الناس وحصار اتهاماتهم المبنية على شكوك، رغم أن البيّنة في القانون على من ادعى.
يسير الفيلم الدرامي على امتداد 127 دقيقة من التفاعل مع الحدث، والتوتر على مصير “البطل”، ببساطة لأن سينما فرهادي لا تشبه واقع المجتمع الإيراني فقط، بل يمكن قياسها على مختلف المجتمعات، باعتبار القصص مستوحاة من أفكار إنسانية أوسع من الإطارات الجغرافية.
تشارك بطولة العمل إلى جانب عامر جديدي، كل من سارينا فرهادي، وسحر جولدست، وإحسان جودارزي، وحسن تنابنده، ومريم الشهدائي، كما حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان “كان” السينمائي، وحاصل على تقييم 7.5 من أصل 10 عبر موقع “IMDb”، لنقد وتقييم الأعمال الدرامية والسينمائية.