جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013
مجزرة المليحة، كارثة إنسانية خلفت 150 شهيدًا في حصيلة أولية وأكثر من 50 مصاب، وعشرات المفقودين
بقيت محطات الوقود في المليحة وزبدين والبلدات المحيطة خالية من الوقود منذ شهرين تقريبًا، وفجأة ودون سابق إنذار وصل صهريج بنزين إلى المحطة منتصف ليلة الثلاثاء، رغم كل الحواجز الأمنية التي منعت وصول الوقود إلى المنطقة، لتصطف طوابير المدنيين صباح الأربعاء 2 كانون الثاني 2013 في انتظار العزيز المفقود.
لم تدر جموع المصطفين أن هناك مؤامرة حيكت ضدهم في حجرات النظام، فعندما اكتظت الساحة بالمدنيين، جاءت الهدية من جنود الأسد، طائرة ميغ سمع صوتها زاهر الزبديني، عضو تنسيقية زبدين حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرًا تقصف من جهة المليحة فما كان منه إلى أن ركب دراجته النارية. وفي الطريق رأى سحابة من دخان أبيض تحولت إلى دخان أسود فأيقن أن الهدف محطة الوقود فتوجه إليها ليصل بعد سبعة دقائق من الحادثة
ويقول زاهر: «أحقر فعل يقوم به النظام حتى الآن، مناظر تبكي الحجر، صاروخ الطائرة حفر حفرة عمقها أكثر من مترين وكان كفيلًا بإشعال حريق في الكازية، بعد الصاروخ الأول بـ 45 دقيقة وعندما كان الناس ينتشلون الجثث بدأ القصف براجمات الصواريخ على محيط الكازية ليسقط عشرات الشهداء والعديد من الجرحى، ثم بعد ساعة أخرى، قصفت طائرة ميغ بيوت المدنيين في محيط الكازية، ولأن الجميع يعلم دناءة النظام فقد قاموا بإفراغ المباني قبل ساعة من القصف الثاني لتنجو المدينة من مجزرة ثانية».
خلّف الصاروخ الأول حريقًا هائلاً جراء اشتعال مضخات الوقود والسيارات التي تنتظر دورها وجثثًا متفحمة، يتابع زاهر: «حمدًا لله لم ينفجر خزان البنزين الموجود تحت الأرض وإلا لاحترقت المدينة بأكملها». كانت الناس تخشى الاقتراب من المكان خشية حدوث انفجار في الكازية. «عندما وصلت إلى المكان، كانت جموع الناس مذهولة ولم تصدق ما تراه حولها وكأنها في حلم. رأيت شابًا ملقىً على الأرض وروحه تفارق جسده لأكتشف بعد فوات الأوان أنه ابن عمي. نحمد الله أنه لم يبقى على قيد الحياة، فمن نجا من الموت من الحادثة لم ينجو من عاهات دائمة».
واعتبر زاهر أن «نبوءة الإبراهيمي» قد تحققت في هذه المجزرة، فإما الحوار وإما فتح أبواب الجحيم على السوريين كما فتحت في «مجزرة المليحة». ومنذ فجر الخميس بدأ الناس بالنزوح من المليحة بأعداد كبيرة وباتت المدينة شبه خالية، وإعلام النظام على لسان بعض إعلامييه يقول أن الجيش الحر هو من استهدف الكازية، «أيعقل أن الجيش الحر يمتلك طائرة ميغ ليقتل بها أهله؟؟!!»
أكثر ما يؤلم في المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام رؤية الجثث مكدسة فوق بعضها وهي متفحمة، وقد حاول أصحابها الهروب من المكان لكن لهيب النار كان أسرع منهم. ويقول زاهر «أكثر ما يؤلمني عذابهم الذي سبق خروج أروحهم من أجسادهم، كم عانوا وهم يحاولون الهرب من وسط الجحيم. حتى صريخهم لم يسمع، فقد أكلت النار حناجرهم وابتلعت صرخاتهم حتى»
نساء وأطفال ورجال. شاب متفحم وهو على دراجته النارية، بالقرب منه شخص قد احترق نصفه ونصفه الآخر لم يحترق. وتحت الركام جثث لم تكتشف بعد. «شاهدت أحدهم يحاول سحب شخص من مكان الحريق لتخرج قدمه بين يديه، الأقدار شاءت لرجل أن يخرج من الكارثة بخدوش طفيفة في رأسه».
من بين الضحايا، رجل وزوجته، تحول الرجل إلى أشلاء عند سقوط الصاروخ، زوجته الحامل كانت في السيارة بانتظاره، تفحمت هي الأخرى من الحريق، وعندما وصلت إلى المشفى الميداني، وجد الأطباء هناك أن الجنين قد تفحم في أحشائها، يقول زاهر: «عائلة بأكملها صعدت إلى الجنة»