الرقة – حسام العمر
عاد الطفل عباس الحسن، البالغ عمره تسعة أعوام، إلى منزل عائلته بحي رميلة بالأطراف الشمالية الشرقية لمدينة الرقة، بعد أن تشاجر مع زملائه في المدرسة ووجهوا له إساءات لفظية انتهت بشجار فيما بينهم.
قالت أميمة الحسن (37 عامًا)، وهي أم الطفل عباس، إن ابنها يواجه باستمرار إساءات من أقرانه في المدرسة، ونعته بـ”الداعشي”، بحكم أن أباه كان مقاتلًا في تنظيم “الدولة الإسلامية”.
يواجه أبناء مقاتلين في تنظيم “الدولة الإسلامية” عوائق وتحديات تمنعهم من الاندماج بأقرانهم، سواء كانوا في المدرسة أو في الحي والحارات التي يسكنونها.
خطر على الأطفال
خرجت أميمة من مخيم “الهول” قبل حوالي ثمانية أشهر، بعد وساطات عشائرية، لتتوجه إلى منزل أهلها في حي رميلة، بعد أن هُدم منزلها بقصف لطائرات “التحالف الدولي” خلال معارك السيطرة على الرقة نهاية العام 2017.
ولا تقتصر التحديات على الإساءات اللفظية أو التنمر، إذ يواجه الأبناء وأمهاتهم تحديات اقتصادية تتمثل في فقدان أغلب تلك العائلات للمعيل، بحكم أن رب الأسرة قد قُتل، أو لا يزال معتقلًا في سجون “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وتضطر عائلات الأطفال إلى دفع أطفالها للعمل في مهن قد يكون بعضها خطرًا على حياتهم، أو يفوق طاقتهم الجسدية، مثل ورشات البناء أو المعامل والمنشآت الصناعية، بسبب عدم قدرة الأطفال على الاندماج مع بقية أقرانهم في المدرسة.
ورغم قلة عدد الأطفال الذين عادوا إلى مدينة الرقة من مخيمات احتجاز عائلات تنظيم “الدولة”، والافتقار لإحصائية رسمية تحدد عددهم، فإن عدم اندماجهم مع أقرانهم في المدرسة هو واقع ملموس، بحسب ما قاله أحد أعضاء “لجنة التربية والتعليم” في “مجلس الرقة المدني” لعنب بلدي.
عضو “لجنة التربية والتعليم”، الذي تحفظ على ذكر اسمه كونه لا يملك تصريحًا بالتحدث إلى الإعلام، أشار إلى أن من الخطأ الدفع بهؤلاء الأطفال بشكل مباشر إلى المدارس العامة في المدينة.
ويرى عضو اللجنة أن من الضروري افتتاح مركز تأهيل في المدينة يضم الأطفال الذين كان آباؤهم مقاتلين في صفوف التنظيم، قبل محاولات دمجهم بالمجتمع المحلي، لأنه “في حال تُرك الطفل دون رعاية أو إعادة تأهيل في المدارس العامة، فقد يتجاوز الأمر حدود التنمر، ويندفع الطفل إلى مزيد من الانطواء والانعزال عن المجتمع”.
وتقدم بعض المنظمات المحلية في الرقة جلسات لنبذ طابع الحياة المتشددة التي قد تحملها نساء لمقاتلين سابقين في التنظيم، لا سيما اللواتي خرجن حديثًا من مخيم “الهول”، لكن من النادر جدًا أن توجد نساء عناصر التنظيم في تلك الجلسات.
كما تتحمّل إدارة المدارس العامة مسؤولية إقامة حصص تعليمية خاصة للتوعية ضد التنمر أو التعنيف المعنوي ضد الأطفال فيما بينهم، وفق ما أوصى به عضو “لجنة التربية والتعليم”، كون هذه المشكلة تدخل في سلوك الطفل لتسبب له مشكلة يومية، مثل الصداع وعدم التركيز أو التشويش في التفكير والتلعثم، وعدم الرغبة في الذهاب إلى أماكنه المعتادة مثل المدرسة، ما يعني تغيرًا في مستواه الدراسي.
وصمة اجتماعية مقلقة
تحميل الطفل أمورًا لا ذنب له بها، وخلق وصمة اجتماعية مقلقة مرتبطة به، هي مشكلة تنذر بمخاطر نفسية تنعكس سلبًا على الأطفال وسلوكهم الاجتماعي، سواء داخل المجتمع أو ضمن الأسرة التي ينتمي لها الطفل، وفق ما قاله الطبيب النفسي المقيم في الرقة محسن سليمان لعنب بلدي.
وأشار الطبيب النفسي إلى أن الحلول التي من يمكن اتباعها لمعالجة حالات كهذه تندرج ضمن خانتين، الأولى هي الحلول الاحترازية ومنها حملات التوعية والندوات الفكرية.
أما الخانة الثانية للحلول، وفقًا لما قاله الطبيب النفسي، فهي الحلول المعالجة بعد ظهور عوارض نفسية للتنمر، ويُستهدف فيها الشخص الذي ظهرت عليه تلك العوارض عبر محاولة إعادة دمجه بالمجتمع، كي لا ينفر منه ويبحث عن آليات للانتقام من هذا المجتمع في المستقبل.
ويرى الطبيب أن توعية المجتمع لتجاوز هذه الوصمة الاجتماعية، تقع على عاتق المجتمع المدني في الرقة والمنظمات المدنية، وبرامج ومشاريع التماسك المجتمعي التي تنظمها تلك المنظمات.