أمراض “المقالع الحجرية”.. معاناة أخرى لقاطني مخيمات إدلب
إدلب – هاديا منصور
يُصاب الطفل رائد البكور (خمس سنوات) بحالة ذعر متكررة جراء التفجيرات الناجمة عن المقالع الحجرية القريبة من مخيمهم في كفرلوسين، ما جعله منزويًا ويرفض اللعب والخروج من الخيمة في كثير من الأحيان.
قالت والدته حليمة الجاموس (38 عامًا) لعنب بلدي، إنها لم تستطع علاج حالة ابنها النفسية جراء استمرار المشكلة الناجمة عنها، وهي التفجيرات المستمرة الصادرة عن المقالع الحجرية بين الحين والآخر.
وأضافت السيدة، أن المقالع الحجرية صارت مشكلة عامة يعاني منها معظم ساكني المخيم الذين تضرروا بشكل كبير من الأصوات المزعجة، أو الغبار والحصى المتطاير في أثناء التفجيرات إلى مسافات بعيدة، ووقوعه فوق الخيام والطرقات العامة، ما صار يهدد حياة ساكني المخيمات بالخطر.
تشكو رئيفة حاج عمر (40 عامًا) من بكاء طفلتها المتكرر كلما سمعت أصوات الانفجارات، وهو ما تسبّب بآثار نفسية لدى الطفلة، إذ صار الخوف العنوان العريض لحياتها، فهي تخشى العالم الخارجي، كما أن سماع أي صوت مرتفع يرعبها.
وتتساءل رئيفة، “كأن أصوات الحرب والانفجارات مصرة على ملاحقتنا حتى إلى منفانا هنا، أما آن لنا أن نعيش بسلام كسائر البشر في العالم، أم أنه كُتب علينا الشقاء طوال حياتنا”.
تأثيرات خطيرة على الأطفال
وكثيرًا ما تلاحَظ لدى الأطفال في المخيمات القريبة من المقالع الحجرية تغيرات في السلوك، وعلاماتها صدمة وإجهاد شديد عقب الانفجارات المتكررة، وتشمل السلوكيات النفسية القلق الشديد والانزواء، والكوابيس، ومشكلات النوم والسلوك العدواني، وفق ما أوضحته المرشدة الاجتماعية أمل زعتور لعنب بلدي.
وأشارت إلى أن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى ترفيه ودعم نفسي، ومتابعة أحوالهم، ووضع حد للأسباب التي تضعهم بمثل تلك الضغوطات النفسية.
وانتشرت المقالع الحجرية في الجبال القريبة من المخيمات، وهي تعتمد في عملها على طحن الحجارة المستخرجة من الجبال، وتحويلها إلى مواد بناء كالرمل والحجارة والحصى وغيرها.
غير أن وجود هذه المقالع على مقربة من الأماكن السكنية ترك آثاره السلبية على حياة المدنيين والأراضي الزراعية والمنظومة البيئية من تربة وغطاء نباتي، وأسهم في التصحر ونقص عدد المناطق الخضراء والحرجية.
أمراض تنفسية
ولم تقتصر أضرار المقالع الحجرية على الرعب الذي تسببه للأطفال والنساء، جراء التفجيرات التي تشبه بأصواتها قصف الطائرات الحربية الروسية التي لطالما أرعبت المدنيين، وتسببت بمجازر وعمليات نزوح جماعية، وإنما أيضًا بالأمراض التنفسية التي يعاني منها كثيرون جراء الغبار الكثيف.
وتعاني الخمسينية أمون الصبوح من أمراض مزمنة في جهازها التنفسي، وهو ما يجعلها تتردد على المراكز الصحية باستمرار للخضوع لجلسات رذاذ متكررة.
وقالت، إن وجود مخيمها في “باتنته”، على مقربة من المقالع الحجرية، يتسبّب لها بمشكلات صحية، ولا تستطيع فعل شيء، إذ لا مأوى لها سوى تلك الخيمة “البالية” بعد نزوحها في ريف إدلب الجنوبي.
وأشارت إلى أن الطبيب نصحها بالابتعاد عن الأماكن التي يكثر فيها الغبار والتلوث، ومحاولة إيجاد سكن في مناطق تحوي أشجارًا وطبيعة، وهو ما لا يمكنها فعله أمام ضعفها وقلة حيلتها، وعدم استجابة أي من الجهات لمعاناتها ومعاناة ساكني مخيمها.
وعن الأضرار الصحية الناجمة عن الغبار الصادر عن المقالع الحجرية، قال الطبيب الاختصاصي بالأمراض التنفسية محمد الحسين، إن استنشاق الغبار بجزئياته الدقيقة يؤدي إلى تراكم داخل الرئتين، وبالتالي مشكلات تنفسية خطيرة، وتترافق معها إصابة الشخص بالتهاب الأنف التحسسي، والعطاس، والسيلان، والسعال، وصعوبة التنفس، والصداع الناتج عن احتقان الجيوب الأنفية.
ويضاف إلى ذلك الإصابة بالربو، وضيق الصدر، والالتهاب الرئوي، الذي يمكن أن يتطور إن لم يعالَج بسرعة إلى سرطان الرئة المهدد للحياة.
وتابع الطبيب الحسين أن للغبار أضرارًا أخرى على الجلد، كالحساسية، والحكة، وعلى العين التي عادة ما تصاب بالتهاب الملتحمة والتحسس، كما أن للغبار دورًا في نقل بعض الأمراض المعدية كالسحايا، والفطريات، والإنفلونزا.
ونصح الطبيب بالابتعاد عن الأماكن التي يوجد فيها الغبار، ووضع الكمامات، وتجنب الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي من مصادر محلية، قُدمت العديد من الشكاوى للجهات المسؤولة في المنطقة من أجل إيقاف العمل في المقالع الحجرية، ونقلها بعيدًا عن المخيمات التي تعاني أصلًا من ضعف كبير في القطاع الطبي، غير أن تلك الشكاوى لم تؤخذ بعين الاعتبار ولم تُحل المشكلة حتى الآن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :