خطيب بدلة
مشكلتنا، نحن العرب والمسلمين، ليست في الذكاء، بل في الذكاء الزائد، وأنا أميل إلى الاعتقاد بأننا لو أمكننا تخفيض نسبة ذكائنا، بطريقة ما، لأصبح من السهل أن نتطور، ونلحق بركب الأمم.
إذا قلتَ لإنسان عادي، بسيط، درويش، متوسط الذكاء مثلنا، إن الشعب الأوكراني يتعرض لعدوان حقير، وهو الآن يُقتل، ويُهجر، وتُضرب بُناه التحتية، فما رأيك أن نتضامن معه؟ يرد عليك، ببساطة، إما بقوله إنه يتضامن، أو أنه لا يرغب في ذلك، ونقطة انتهى. ولكن، إذا عرضت الفكرة ذاتها على مجموعة من العرب والمسلمين، يأبى الذكاء (الزائد) لأحدهم إلا أن يسألك: أين كان الشعب الأوكراني عندما كان فلاديمير بوتين وقاسم سليماني وحسن زميرة وابن حافظ الأسد يجربون بأجسادنا مختلف صنوف الأسلحة، ويضربون مشافينا وأفراننا، ويقتلون أطفالنا ونساءنا؟ وينط ذكي ثانٍ ويقول لك: خلّ أمريكا الحقيرة، وأوروبا الديمقراطية يتضامنوا مع الأوكرانيين، ويرسلوا لهم بطانيات وخيامًا، ولعلمك أن هذه الدول هي التي فتحت، في الأربعينيات من القرن الماضي، المجال واسعًا أمام العصابات اليهودية الصهيونية لكي تعيث فسادًا في مسجدنا الأقصى، ثاني قبلتينا، وتدنسَ قدسنا، مهدَ الرسالات السماوية. ولا ينسى ذكي ثالث أن يسب و”يحشّك” على أخت أوكرانيا، على أخت الذي سيتضامن معها.
وعلى ذكر الأخت، لا بد من القول إن الأذكياء العرب والمسلمين يأتون على ذكرها، من كل بد، كلما تحدثوا عن شخص يكرهونه، أو شعب يناصبونه العداء، ليس الأخت وحدها، بل إن لديهم قائمة بالنساء اللواتي يلذن بالعدو، والسباب على هاتيك النسوة يجعلهن شبيهات بدريئة منصوبة في حقل رمي تدريبي.
أنت تظن أن الشبان ذوي الذكاء الشديد متعصبون ضد المرأة، ودليلكَ أنهم يحشكون عليها. صح؟ يا سيدي أنت مخطئ، والعكس هو الصحيح، فهم لا يتركون مناسبة تخص المرأة إلا ويحتفلون بها، ولكن، ليس كما يحتفل الناس العاديون. تقول لصاحب الذكاء الخارق إنك يجب أن تحترم أمك. يرد عليك مستهزئًا: أحترمها وبس؟ والله أنا مستعد أن أبوس رجليها. وبما أن حضرتك ذو ملكات عقلية محدودة، تحاول، في بعض الأحيان، إقناع رجل ذكي بأن المرأة نصف المجتمع، فيرد عليك، مستخدمًا منخاره في إخراج الحروف “بغنة”: بل إنها كل المجتمع. تسأله: كيف ظبطت معك هذه؟ فيستمر بالكلام بمنخاره قائلًا إنها نصف المجتمع، وهي التي تلد النصف الآخر.
واحد من الذين يحترمون المرأة عمومًا، والأم خصوصًا، قال لي إنه كان يلبي للمرحومة والدته أتفه الطلبات. وأضاف: روح اسألها. قلت له: كيف أسألها؟ فانتبه للخطأ وقال: قصدي اسأل عمتي الشيبونة فلانة، الله يقصف عمرها، صار عمرها مئة سنة، ولا تزال قاعدة، مثل القدّة في الشدة. اسألها لتحكي لك ماذا جرى يوم غلطت زوجتي بحقها. ضحكتُ وقلت له: لا داعي لأن أسأل عمتك. قل لي أنت، ماذا فعلت؟ قال: أطبقتُ يدي هكذا، ولطمتها بوكسًا أنشبتُ الدم من فمها ومنخارها. وقلت لها: يا جحشة يا حيوانة، أمي خط أحمر! ومن يومها ما عادت تخطئ بحقها أبدًا.