نهاد قلعي بريشة إيرانية
نبيل محمد
خاصّة هي قصة الفنان السوري نهاد قلعي، ولها وقعها الخاص لشدة رمزيَّتها، وقدرتها على أن تكون مرجعيّة في الحديث عن علاقة النظام السوري بالفن والفنانين، وعلى الرفع من قيمة من شاء ومسح نقيضه، ولها أيضًا بين فترة وأخرى مبررات للاستذكار، ليس في ذكرى وفاة الفنان الكبير الذي قلّ نظيره سوريًا وربما عربيًا، ولكن في طرق استذكار “الميديا” والمؤسسات الفنية والثقافية السورية له بين حين وآخر، وسط إصرار دائم على تقديمه كتراث فني، يسترجعه البلد الحنون الذي لا ينسى مبدعيه بصورة بالأبيض والأسود، ويقدّم الجمل الكلاسيكية ذاتها في رثائه المتكرر، مرفقة أحيانًا بتعليق لرفيق دربه دريد لحّام، الذي إن تمثّل النظام السوري على هيئة فنّان فلا بد أن يحمل علائمه بطرق حديثه، والزيف الذي لا يغادره في أي لقاء على وسيلة إعلامية.
بعض الفعاليات التي تقام في سوريا اليوم، والتي يمكن تتبعها من خلال تغطية وسائل الإعلام المحلية لها، لا يمكن وصفها إلا بالغرابة، كانت واحدة منها أُجريت مؤخرًا في دمشق، حيث فاز رسّاما كاريكاتير إيرانيّان بالجائزتين الأولى والثانية، في مسابقة تصويرية للفنان الراحل نهاد قلعي، على اعتبار أنه شخصية العام في مهرجان سوريا الدولي الـ18 للكاريكاتير. المهرجان الذي شهد مشاركة أكثر من 600 فنان وفق وسائل الإعلام المحلية، التي غطّت الحدث، واحتفت بالرسامَين الفائزَين اللذين من المفترض أنهما قدّما رؤية تصويرية جديدة في شخصية الفنان الراحل، واللذين غالبًا لا يعرفان تمامًا قصة حياته ومرضه وموته الحقيقية، ولا بد أن الرواية التي كتبتها وسائل الإعلام المحلية عنه هي ذاتها ما عرفه الفائزان بالجائزة.
يرد في تقرير وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن المهرجان والجوائز، أن الراحل من مؤسسي المسرح القومي والتلفزيون السوري، ورائد من رواد الفن الأوائل في سوريا، وهو ما لا يخفى على أحد، وأنه “تعرّض لاعتداء سنة 1976 أدى إلى إصابته بعجز دائم أثّر على حضوره الفني ليرحل عنا عام 1993 بعد معاناة مع الآلام والأمراض”. هذا الاعتداء دائمًا ما يمر بهذا الشكل في الإعلام المحلي، ودائمًا لا يتم الحديث عن تفاصيله، لدرجة أنه كثيرًا ما يخضع لمبادرات فردية لاستكماله، ولنشر الشائعات حوله، ولعل ذلك مناسب للإعلام الذي يحب تغييب تفاصيل الحدث الحقيقي، إذ إن من مارس هذا الاعتداء الذي أدى إلى مرض عضال أقعد الفنان في المنزل حتى وفاته، هو ضابط في “سرايا الدفاع” التي كان يقودها رفعت الأسد المقيم في أحضان النظام السوري اليوم، والهجوم عليه تم بعد الإساءة له، واستخدام اسم “بوراظان” في التخاطب معه، وهو ما أزعجه. ذلك الاعتداء تم في النادي العائلي بباب توما في دمشق، وأمام أعين شاكر بريخان والصحفي اللبناني جورج خوري وبعد مغادرة دريد لحّام الجلسة بقليل، وفق ما أرّخه الراحل بشار إبراهيم، ووفق ما هو معروف أيضًا لدى أوساط فنية وثقافية سورية عديدة، كانت دائمًا تسأل عن جانب مغيّب من القصّة، هل مبررها هو مجرد ملاسنة صغيرة؟ ثم من هو هذا الضابط؟
من المعروف أن نهاد قلعي قضى أواخر أيامه وحيدًا، مغيّبًا عن كل شيء، مهملًا من قبل الدولة ومؤسساتها، في ظل تصاعد نجم زميل عمره دريد لحّام حينها، الذي كان حاضرًا في كل لحظات تكريم قلعي بعد وفاته، وفي البرامج التي تستذكر سيرته وفنه، كما أنه أحد المسؤولين عن فوز الرسامَين الإيرانيَّين بجائزة أفضل كاريكاتير معبّر عن شخصية قلعي، فهو عضو لجنة التحكيم في المهرجان. أليس ذلك مشهدًا فيه من الغرابة والسريالية الكثير؟ أن يمنح دريد لحّام جائزة لرسّام إيراني رسم لوحة كاريكاتيرية عن زميل عمره الراحل نهاد قلعي في دمشق عام 2022 برعاية النظام السوري مع سبق الإصرار والترصّد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :