عندما يلغي الفنان حفله في “دار الأسد”

  • 2022/03/06
  • 9:30 ص

الفنانان اللبنانيان هبة طوجي وأسامة الرحباني

نبيل محمد

بعد إقبال على شراء التذاكر المرتفعة الثمن (بين 70 ألف ليرة سورية و130 ألفًا)، وهو ما يساوي راتب شهر لموظف حكومي من الفئة المتوسطة، ألغى الفنانان اللبنانيان هبة طوجي وأسامة الرحباني أمسيتهما المشتركة في “دار الأسد للثقافة والفنون” بدمشق، من دون ذكر أسباب واضحة لهذا الإلغاء الذي لاقته الشركة المنظمة للحفل “شمس أكاديمي” بالأسف والاستغراب، واعدة بإعادة ما دفعه أولئك الذين اشتروا بطاقاتهم لحضور الحفل الذي كان مقررًا في 9 و10 من شهر آذار الحالي.

هبة طوجي هي مغنية لبنانية حديثة الشهرة نسبيًا، وأسامة الرحباني هو موسيقي وعازف بيانو ينتمي لأسرة الرحباني العريقة بالمجال الموسيقي والفني في لبنان، لم يفسّرا القرار، إلا أن ترجيحات تعيد السبب إلى جدل إعلامي أثارته وسائل إعلام لبنانية، حول رمزية إقامة حفلات فنية في دمشق، في وقت تعاني فيه البلاد منذ أكثر من عشر سنوات من حرب دمّرت مدنها، وسلطة دكتاتورية قتلت وشردت مئات الآلاف من المدنيين. فإقامة حفل غنائي موسيقي في دار فنية تحمل اسم “الأسد” له من الدلالات الكثير، حول دعم الفنانين الذين سيقيمون الحفل للنظام السوري، وهو ما حاولت الفنانة طوجي بشكل غير مباشر نفيه، مبعدة نفسها عن حقل السياسة، ومستصغرة دورها في القضايا الكبرى، كفنانة وظيفتها الغناء والإمتاع.

سؤال طرحه موقع “درج ميديا” اللبناني تساءل فيه عن مفهوم إقامة حفل في دمشق، هل هو دعم معلَن لآل الأسد، أم هو “مساحة يحتاج إليها من هم عالقون في الداخل السوري”، وعلى الرغم من أن الإجابة لم تكن حاسمة في تقييم الموقف الأخلاقي للمغني أو الموسيقي الذي يحيي حفلاته في العاصمة السورية، فإنها أشارت إلى الشركات الراعية للحفلات، ونشاط بعضها في الجانب الأمني والسياسي، إضافة إلى أسعار التذاكر التي من المفترض أنها لن تسمح لجمهور المغنية أو الموسيقي بأن يحضر الحفل، وإنما سيقتصر الحفل على المقتدرين، والذين أغلبيتهم بشكل من الأشكال مستفيدون من النظام السوري وممارساته.

ما طرحه الموقع، وما تمت مناقشته في محطات ومواقع أخرى لاحقًا، كان له أثر واضح على المغنية والموسيقي، على الأقل صاغ أمام أعينهما سؤالًا أخلاقيًا، أو ربما أشار إلى أنهما قد يتعرّضان لمساءلة من قبل فئة من الجمهور، حول إسهامهما بإظهار الحياة في سوريا بشكل طبيعي، وهو ما كان وما زال النظام السوري يحاول إظهاره، وصولًا إلى إعادة تعويمه عربيًا، وتجاوز كل ما قام به من سلوكيات دموية في البلاد المدمرة، فلا بد أمام كل ذلك من أن يكون إحياء فنان عربي حفلًا في دمشق، يصبّ بشكل من الأشكال في مصلحة نظامها، المسؤول أيضًا وبشكل مباشر أحيانًا عن إحياء الحفلات، وفتح الصالات الفنية للفنانين العرب، لمعرفته العميقة بأهمية هذه الفعاليات في تقديم صورة مشرقة عن سوريا اليوم، هي بعيدة كل البعد عنها واقعيًا.

قد لا يكون لإلغاء طوجي والرحباني حفلهما في “دار الأسد” تلك القيمة المؤثّرة مباشرة، إلا أن ذلك سيحمل أثرًا لا بد أن يمتد ليتحوّل إلى سؤال سيواجه أي فنان لبناني أو عربي، لا يحمل في داخله دعمًا مطلقًا لنظام الأسد، سؤال حول أخلاقية الغناء برعاية صنّاع الدمار في البلاد المدمرة، وسؤال لاحق يُسأل عن الجمهور: من الذي سيحضر الحفل أساسًا؟ هل هم هؤلاء الذين قضى الحصار والفقر على أيامهم ولم يبقَ لهم متنفَّس؟

هل يكون الحفل مساحة استراحة لهم، وشعور بأن الحياة مستمرة على ضفة ما في هذا الكوكب؟ أم أولئك القادرون على حضور الحفلات؟ والذين لا بد أن قسمًا كبيرًا منهم وربما أغلبيتهم، يحضرون الحفل ليكرروا الرسالة نفسها التي يكررها النظام في كل مواقع حضوره داخل وخارج سوريا “إن الحياة طبيعية هنا، فأهلًا بكم في دمشق”.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي