جاءت تغريدة السفارة الأمريكية في دمشق، عبر حسابها الرسمي في “تويتر”، التي توعدت فيها بمحاسبة النظام السوري، قبل بدء واشنطن باستضافة مبعوثي الدول الحليفة في الملف السوري، ما أثار التساؤل حول مدى انعكاس غزو أوكرانيا على النزاع المسلح في سوريا، كون الدولة الغازية روسيا هي الجهة نفسها التي تدخلت عسكريًا في سوريا منذ أيلول 2015.
قالت السفارة عبر تغريدتها، إن شهر آذار الحالي سيكون “شهر المحاسبة”، والإفلات من العقاب “سينتهي” في سوريا.
واعتبرت السفارة أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ارتكب خلال الـ11 عامًا الماضية جرائم ضد السوريين، بتعذيبهم، وذكرت في التغريدة، أنها ستسلّط الضوء على “كيفية قيام السوريين والمجتمع الدولي بمتابعة المساءلة عن هذه الجرائم”.
For 11 years, Bashar al-Assad has detained, tortured, and committed crimes against Syrians but impunity will end. This month, we highlight how Syrians and the international community are pursuing accountability for these crimes. Join us on our #MarchToAccountability. pic.twitter.com/RvJ0J2qNJ2
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) March 1, 2022
وبعدها بيوم واحد، نشرت وزارة الداخلية البريطانية تغريدة أخرى قالت فيها، “يتضامن السوريون مع الشعب الأوكراني، بعد أن أرهبهم القصف الروسي حوالي سبعة أعوام”.
و”ستواصل المملكة المتحدة وقوفها إلى جانب شعب سوريا وأوكرانيا ورفض عدوان الطغاة”، بحسب التغريدة.
Syrians are standing in solidarity with the Ukrainian people, having been terrorised by Russian bombardment for almost 7 years. The UK will continue to stand by the people of Syria and Ukraine and reject the aggression of dictators. https://t.co/5pJvGDttlT
— UK for Syria (@UKforSyria) March 2, 2022
في الوقت نفسه، نشر القائم بالأعمال في بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، تغريدة قال فيها، “نؤكد من جديد أن عواقب هذه الحرب تقوّض بشدة الأمن والاستقرار العالميين، إنها ضارة بمصير العديد من الناس، بشكل رئيسي وليس بالأوكرانيين فقط، ولها تداعيات تتجاوز أوروبا، بما في ذلك الشرق الأوسط وسوريا على وجه التحديد”.
Today @EUinSyria hosted the Heads of Missions of 🇪🇺 Members States, together with🇦🇺🇨🇦🇳🇴🇨🇭🇬🇧🇺🇸 & met with the Chargé d’Affaires of 🇺🇦 to #Syria. We expressed solidarity & support for the Ukrainian people in their fight against the unprovoked & unjustified 🇷🇺 military aggression. pic.twitter.com/3megLATSl0
— Dan Stoenescu دان ستوينسكو 🇷🇴🇪🇺 (@DanStoenescu) March 2, 2022
حراك افتراضي
هذا الحراك الافتراضي تبقى آثاره ضمن حدود الفضاء الإلكتروني، ولا يحمل تطورًا حقيقيًا بشأن سوريا من الناحية السياسية أو الحقوقية، بحسب ما يراه المحلل السياسي السوري حسن النيفي في حديث إلى عنب بلدي، فـ”لا جديد في تكرار القول إن التغوّل الروسي واستفراده في الشأن السوري منذ أواخر 2015 ما كان ليحصل لولا التفويض الأمريكي للرئيس الروسي بوتين”.
“تدرك واشنطن جيدًا أن الروس صاروا هم الأوصياء الحقيقيين على بشار الأسد”، بحسب تعبير النيفي، و”هم كذلك من قاموا بالدفاع عن النظام عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، ولم يكن المجتمع الدولي وفي مقدمته الأمريكيون يجهل ما يرتكبه نظام الأسد من فظائع بحق الشعب السوري”.
في 30 من أيلول 2015، بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية، وهذا بعد أن طلب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، دعمًا عسكريًا من موسكو لمواجهة قوات المعارضة المسلحة في أثناء النزاع، ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس، فلاديمير بوتين، استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.
وكان يتم التغاضي عن هذه “الوصاية الروسية” لسببين، بحسب ما يراه المحلل السياسي، الأول هو حماية موسكو للنظام من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) في أثناء أي تصويت بمجلس الأمن الدولي.
أما السبب الثاني فيكمن في التفاهمات الروسية- الأمريكية التي أفضت إلى توافق الطرفين بالإبقاء على وجود النظام السوري سياسيًا وعسكريًا.
اقرأ أيضًا: هل يُمكن تجنب “الفيتو” الروسي في “الجنائية الدولية” بسياق المحاسبة بسوريا؟
احتمالية تغيير المواقف
بعد غزو أوكرانيا، في 24 من شباط الماضي، “هناك معطيات جديدة أحدثت شرخًا كبيرًا بين الغرب عمومًا وموسكو”، وفق النيفي، ويعني هذا أن الغزو وتداعياته جعل المواجهة بين واشنطن وموسكو تتصاعد يومًا بعد يوم، “ما يجعلنا نعتقد أن الموقف الغربي من التغوّل الروسي في سوريا بعد الحرب الأوكرانية لن يكون كما قبلها، ولعل موقف الأمريكيين اليوم كما تجسّد في تغريدة سفارة واشنطن بدمشق هو أحد المؤشرات على انعطاف في الموقف الأمريكي ليس تجاه دمشق فحسب بل باتجاه موسكو”.
سوريا وأوكرانيا هما مناطق أو ساحات مواجهة بين موسكو وواشنطن، ويعتقد النيفي أن “نفوذ موسكو في جميع أنحاء العالم صار مستهدفًا من جانب واشنطن والغرب عمومًا، كما يمكن التذكير بأن الضغط الأمريكي على النظام في دمشق كان يأتي في الفترة السابقة في سياق الضغط الأمريكي على طهران، أما من اليوم فصاعدًا فيمكن أن يكون هذا الضغط من خلال محاصرة النفوذ الروسي، وربما المساهمة في تقويض كل التطلعات الإمبراطورية لبوتين”.
اقرأ أيضًا: جلسة أممية استثنائية بشأن غزو أوكرانيا.. فرصة تلوح لخدمة القضية السورية
لا جديد في سياق المحاسبة
يشكّل قانون “قيصر” الذي تفرض بموجبه أمريكا عقوبات على مسؤولين منتمين إلى النظام وداعمين له، منذ 16 من حزيران 2020، وفي مقدمتهم رئيس النظام، بشار الأسد، وزوجته أسماء الأسد، أبرز أدوات المحاسبة لدى واشنطن في سوريا حتى الآن.
وينص قانون “قيصر” على تجميد مساعدات إعادة الإعمار، وفرض عقوبات على النظام السوري وشركات متعاونة معه ما لم يحاكَم مرتكبو الانتهاكات، ويستهدف أيضًا كيانات روسية وإيرانية تدعم أو تتعاون مع النظام السوري.
ورغم أن مطالب الشعب السوري لمعاقبة نظام شمولي بملامح وراثية عمره أكثر من 50 عامًا، كانت أوسع من بنود ومحتوى قانون “قيصر”، فإن إجراءات الإدارة الأمريكية جاءت بالحدود الدنيا لهذه العقوبات التي طالب بها السوريون، والتي خرجت عن نطاقه استثناءات اقتصادية أفقدته في بعض الحالات جدّيته بمحاسبة النظام السوري.
وبحسب ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، فإن كلمة “محاسبة” التي جاءت بسياق تغريدة السفارة الأمريكية بدمشق، غالبًا سيكون هدفها الحشد الإعلامي خلال آذار الحالي بذكرى بدء الثورة السورية، ولكن لا يوجد أي آلية جديدة قد تتبناها واشنطن لمحاسبة جديدة تجاه النظام السوري أو كيانات أو دول محددة لا تزال تدعمه.
“غرض التغريدة هو اللعب على الكلمات، ولكن للأسف لا يوجد شيء جديد في إطار المحاسبة”، وفق ما قاله العبد الله.
ومن بين الأهداف التي رُسمت عند فرض عقوبات “قيصر” الاقتصادية، تكوين مجموعة من العوامل الضاغطة على النظام ودفعه نحو المسار السياسي المتمثل بمؤتمر “جنيف” والتفاعل الإيجابي مع القرار الأممي رقم “2254”، وبالتالي يشكّل “قيصر” بهذا المعنى، مسارًا تفاوضيًا من قبل أمريكا للتعاطي مع النظام السوري.
–