بعد مدة من اقتراح البنك المركزي الروسي فرض حظر شامل على تداول العملات المشفرة وتعدينها، في 20 من كانون الثاني الماضي، لاحتوائها على “مخاطر كبيرة على الاقتصاد والاستقرار المالي”، حسب تعبيره، عاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمناقشة عالم العملات الرقمية المعقد، مشيرًا إلى أن روسيا تتمتع بمزايا في تعدين العملات المشفرة، نظرًا إلى ثروتها الهائلة في مجال الطاقة، وخبرتها في هذا المجال.
وجاء في مقال نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، الثلاثاء 1 من آذار، للمتخصص بالتكنولوجيا دان ميلمو، أن بوتين أبقى الأمر بسيطًا، إذ أكد امتلاك بلاده مزايا تنافسية في مجال التعدين (عملية توليد عملات رقمية جديدة)، “وربما يفكر الرئيس الروسي الاستفادة من هذه المزايا، بعد تعرض روسيا لعقوبات مالية شديدة جراء غزوها لأوكرانيا”.
استهدف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا، احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية البالغة 640 مليار دولار (وهو احتياطي مالي للتعامل مع حالات الطوارئ وتوفير الاستقرار المالي)، من خلال الموافقة على منع البنك المركزي الروسي من نشر احتياطياته الدولية بطرق تقوّض تأثير العقوبات المفروضة من قبلهم، بحسب بيان مشترك صادر في 26 من شباط الماضي.
وأعلنت المجموعة نفسها عزمها عزل بنوك روسية عن نظام “سويفت” العالمي للتعاملات المصرفية.
نظام “سويفت”
“سويفت” اختصار لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهي منظمة تعاونية لا تهدف للربح، تقوم بتقديم خدمة المراسلات الخاصة بالمدفوعات المالية على مستوى عالٍ من الكفاءة، وبتكلفة مناسبة.
وتستخدم البنوك نظام “سويفت” لإرسال رسائل موحدة حول عمليات تحويل المبالغ فيما بينها، وتحويلات المبالغ للعملاء، وأوامر الشراء والبيع للأصول.
وفقًا لجمعية “روسيفت” الوطنية الروسية، تعد روسيا ثاني أكبر دولة بعد الولايات المتحدة من حيث عدد مستخدمي نظام “سويفت”، إذ تنتمي حوالى 300 مؤسسة مالية روسية إلى النظام، أي أن أكثر من نصف المؤسسات المالية الروسية أعضاء في “سويفت”.
“بلا حدود ومقاومة للرقابة”
يمكن للعملات المشفرة تجاوز النظام المصرفي الدولي الذي يعد مفتاحًا لفرض العقوبات كمنصة استماع للمعاملات المالية في جميع أنحاء العالم (سمة من سمات العملات المشفرة التي لا تحبها الهيئات الرقابية والبنوك المركزية)، من خلال تقديم طريقة بديلة لإجراء معاملات عبر الحدود.
ويؤكد ميلمو أن البنوك المركزية للدول القومية، لم تعد تسيطر بشكل مباشر على الأدوات المالية التي كانت تستخدم في السابق لفرض اللوائح العالمية، ومع وجود العملات المشفرة في مهدها، تفتقر هذه العملات اللامركزية إلى البنية التحتية اللازمة للقدرة على تنظيم مؤسسات كبيرة مثل روسيا.
“ومع ذلك، يجادل خبراء تشفير آخرون بأن الطبيعة الشفافة لسلسلة الكتل تجعل من الصعب على الكيانات الخاضعة للعقوبات استخدام العملات المشفرة لتجاوز العقوبات”.
إلا أن إيران التي تخضع لعقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة، لجأت إلى “البيتكوين” لامتلاكها احتياطيات كبيرة من الوقود الأحفوري، إذ تحول فعليًا طاقتها الزائدة إلى نقد عن طريق الحصول على عملات “البيتكوين” من مناجم “البيتكوين” (التي تعمل بالكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري)، واستخدام العملة لشراء الواردات.
ووفقًا لشركة “Blockchain Elliptic“، وهي شركة تحليل استشارية، تساعد العملاء على مكافحة الجرائم المتعلقة بالعملات المشفرة، تقوم إيران ببيع احتياطياتها من الطاقة بشكل فعال في الأسواق العالمية، وذلك باستخدام عملية “بيتكوين” لتجاوز الحظر التجاري، وحسب تقديرات الشركة، يمكن للحكومة الإيرانية أن تجني حوالي مليار دولار سنويًا من تعدين “البيتكوين”.
ويعتبر مدير السياسات والشؤون التنظيمية في شركة “Elliptic”، ديفيد كارلايل، تعدين العملات الرقمية “أحد أكثر الخيارات جدوى” لروسيا، التي تعد بالفعل ثالث أكبر دولة في مجال تعدين “البيتكوين”، وفقًا لبيانات من جامعة “كامبريدج”.
ويضيف كارلايل،”بمجرد امتلاك روسيا كميات كبيرة من عملة (بيتكوين) التي تم تعدينها، يمكنها بعد ذلك استخدام عملة (بيتكوين) تلك لدفع ثمن واردات السلع والخدمات التي قد تواجه صعوبة في الوصول إليها، بسبب القيود الأمريكية والأوروبية”.
ورغم أن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات على سوق العملات المشفرة في روسيا، بحسب ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأسبوع الماضي، فإنه لا تزال هناك مسارات أخرى يمكن أن يستخدمها الروس، بما في ذلك طريق كوريا الشمالية لاختراق منصات العملات المشفرة، التي جمعت 400 مليون دولار لولاية كيم جونغ أون العام الماضي وحده، وفقًا لـ”Chainalysis“.
ويقول كارلايل، إنه “إذا أرادت الحكومة الروسية أو الكيانات الروسية البحث عن طرق للتهرب من العقوبات باستخدام العملات المشفرة، فيمكنهم محاولة تطوير شبكة من خدمات التبادل المتواطئة لإخفاء ملكية العملة المشفرة، بالإضافة إلى وجود عملات مشفرة يصعب تتبعها، مثل “Monero” التي تركز على الخصوصية.
ويؤكد كارلايل أن العملة المشفرة وحدها لن تمكّن روسيا أبدًا من التحايل على القيود المالية بالحجم الذي تحتاج إليه للتخفيف من التأثير الكامل للقيود، إذ يبلغ إجمالي أصول القطاع المصرفي في روسيا 1.4 تريليون دولار، أي ما يقرب من حجم سوق التشفير بالكامل.
وبموجب العقوبات التي فُرضت على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية، سيرجي لافروف، وأعضاء آخرين في مجلس الأمن الروسي، في 25 من شباط الماضي، سيتم حظر جميع الممتلكات والمصالح للأفراد المعنيين في الولايات المتحدة أو يسيطر عليها أمريكيون.
وتطال العقوبات أي كيانات مملوكة بشكل مباشر أو غير مباشر، بنسبة 50% أو أكثر من قبل شخص واحد أو أكثر من الأشخاص المحظورين، بحسب ما ذكره موقع “الحرة” الأمريكي.
وتحظر العقوبات تقديم أي مساهمة، أو توفير أموال أو سلع أو خدمات من قبل أو لمصلحة أي شخص محظور، أو تسلّم أي مساهمة، أو توفير أموال أو سلع أو خدمات من أي شخص من هذا القبيل، كما اتفقت دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع، على تجميد أصول بوتين ووزير خارجيته لافروف في دول الاتحاد.
–