لا تزال التساؤلات مطروحة حول قضية الصحفي السوري كنان وقاف، العامل في صحيفة “الوحدة” الحكومية، عن مصيره المجهول، وإمكانية اعتقاله، بالتزامن مع حملات مناصرة ومطالبات بالإفراج عنه.
وأثار التسجيل المصوّر الذي نشره الصحفي كنان، في 6 من شباط الماضي، جدلًا واسعًا، بعد أن قال إن التسجيل بمنزلة “وصية” بأطفاله، بعد مداهمة منزله من قبل قوة أمنية كبيرة في غيابه، بهدف اعتقاله.
وتداول ناشطون وسم “#كلنا_كنان_وقاف”، للتضامن معه، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من حسابات شخصية معروفة الهوية أو مجهولة، أو من بعض الأشخاص المقربين منه.
مصير مجهول
مصير الصحفي لا يزال مجهولًا بعد تناقض المعلومات وتعددها، إذ نشر الصحفي محمود إبراهيم من مدينة طرطوس، عبر “فيس بوك“، أن قوة أمنية داهمت منزله في 8 من شباط الماضي، بحثًا عن زميله كنان وقاف.
من جهتها طالبت منظمة “مراسلون بلا حدود” بالإفراج عن كنان، وقالت مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في المنظمة، صابرين النوي، “إننا نطالب بالإفراج عن الصحفي كنان وقاف، مع وضع حد للمضايقات القضائية التي تطاله، ففي بلد حيث يمثّل الوضع الاقتصادي مصدر قلق كبيرًا للمواطنين، تقتضي المصلحة العامة إمكانية الإعلام والحصول على المعلومات بشأن هذه القضايا بحرية”.
رئيس “اتحاد الصحفيين” في سوريا، موسى عبد النور، ظهر في تسجيل مصور عبر موقع “قناة العالم سورية“(الإيرانية) في 19 من شباط الماضي، وقال إن الصحفي وقاف ليس موقوفًا لدى أي جهة من الجهات المختصة.
“وصية” أم “استعطاف”
وقاف أوضح في التسجيل المصوّر الذي نشره على عجل حينها، والذي يُظهر بأنه غير معتقل، بأن قوة ضخمة بسلاح ميداني كامل، داهمت منزله دون إذن من النيابة، وكأنه “داعشي وليس صحفيًا”، حسب وصفه.
وأضاف أن “المسلحين” أرعبوا الأطفال، واعتبر التسجيل المصوّر “وصية” للاعتناء بأطفاله عقب التهديدات التي طالته، في حال تم اعتقاله.
موسى عبد النور شكك في صحة كلام وقاف والمعلومات الواردة في تسجيله المصور، وقال إن توقيف مواطن لا يحتاج إلى كل هذه الترتيبات من سلاح ميداني وقوة ضخمة، وقال “من هو أي مواطن في مقابل اتخاذ الدولة أي إجراء”، متسائلًا حول معرفة وقاف بعدم وجود إذن من النيابة.
رئيس “اتحاد الصحفيين” في سوريا، قال إن مثل هذه الحالات تحتاج إلى التدقيق قبل أن تكون حالة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان هناك قرار في توقيف الصحفي وقاف، “لا بد أن تتخذ الإجراءات الرسمية، وهي الإذن من النيابة العامة، والصحفي “يستعطف المشاهدين ويستغل الحالة بأن الوضع هكذا في سوريا”.
عبد النور: انتقاد السلطة ليس سببًا للاعتقال
أوضح عبد النور في حديثه، أن الصحفي لا يتم توقيفه إلا بناءً على ادعاء شخصي، وهذا ما مر به الاتحاد في مرة سابقة، وتوجد مئات وآلاف الصفحات تنتقد عمل السلطات، ولم يتم توقيف أي شخص سواء صحفي أو غيره، بحسب عبد النور.
ورجّح رئيس “اتحاد الصحفيين” في سوريا أن وقاف قد يكون مطلوبًا لقضية ليس لها علاقة بما كتبه على صفحته الشخصية، لأنه سبق وأن حصلت مع الاتحاد إحدى حالات التوقيف، ونقلت وسائل الاعلام أن الشخص اعتُقل لأنه انتقد أداء الحكومة وعملها.
وعندما يكون هناك تعرض للمسألة الوطنية، أو تواصل مع جهات أخرى أو ما شابه، تكون سببًا للتوقيف وليس الكتابة، بحسب عبد النور، الذي دعا إلى التدقيق أكثر في المعلومة إن كان موقوفًا أو لا، أو في سبب التوقيف.
ويُعرف عن الصحفي كنان كثرة انتقاداته للفساد والوضع المعيشي، وتعقيبه على ما تطرحه حكومة النظام السوري من قرارات، من خلال منشورات عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”، وسط ما تعانيه مناطق سيطرة النظام من نقص في الخدمات، وسوء في الوضع الاقتصادي، وكانت آراؤه سببًا لاعتقاله أكثر من مرة.
واعتُقل الصحفي كنان وقاف في 7 من آذار 2021، بعد كتابته منشورًا عبر “فيس بوك”، تحدث فيه عن عملية خطف قام بها نجل محافظ الحسكة، اللواء غسان خليل، للحصول على مقابل مالي.
واعتُقل أيضًا، في أيلول 2020، وقال حينها قاضي التحقيق علي مرعوش، إن إيقافه حصل بسبب إعادة نشره، عبر حسابه في “فيس بوك”، تحقيقًا صحفيًا له نُشر على صحيفة “الوحدة” الحكومية.
عبد النور أكد أن كنان وقاف صحفي منتسب لاتحاد الصحفيين، وسبق أن دافع عنه الاتحاد في قضية كانت منشورة على وسيلة إعلامية ونشر على الفيس بوك، وهي قضية فساد.
وأضاف عبد النور أن ظهور وقاف في التسجيل بهذا الشكل يجب ألا نجعل منه حالة إعلامية، وحالة يمكن أن تمس حرية الصحافة، “نحن في دولة قانون نحن في دولة مؤسسات”.
الصحافة في قبضة الأجهزة الأمنية
مدير “المركز السوري للحريات الصحفية”، إبراهيم حسين، قال في حديث لعنب بلدي إن النظام السوري وعبر أذرعه الأمنية يسخّر الكثير من القوانين للتحكم في الحالة الإعلامية ضمن البلاد، ويسعى لإبقاء تلك القوانين سيفًا مسلطًا يطوعها كما يشاء ويفسرها تبعًا لهواه لمحاسبة أي صحفي يخرج عن الإطار المرسوم من قبل السلطة.
ومع أن الدستور الذي وضعه النظام نفسه يكفل حرية التعبير ويضمن الحريات الإعلامية في البلاد إلا أن نصوصه بقيت مجرد حبر على ورق، وبقي الصحفيون أسرى للخطوط الحمراء التي تتحكم بعملهم، بحسب مدير مركز الحريات التابع لـ رابطة الصحفيين السوريين (مقرها خارج سوريا).
وتعقيبًا على الكلام الصادر عن رئيس اتحاد الصحفيين، أوضح مدير “المركز السوري للحريات الصحفية” بأنه ليس غريبًا أن يخرج موسى عبد النور بتصريحات تحاول التغطية على القمع الممارس ضد الصحفيين، فهذه وظيفته باعتبار أن الاتحاد الذي يترأسه مستولى عليه من قبل السلطة والمناصب القيادية فيه توزع من قبل الأجهزة الأمنية.
وأضاف إبراهيم حسين أن “اتحاد الصحفيين الذي لم يستطع أن يدافع عن اعتقالات وإقالات طالت الصحفيين سابقًا، بالتأكيد سيعجز عن الدفاع عن غيرهم من الإعلاميين الذين قد يتجرؤون على تجاوز الخطوط الحمر”.
و”اتحاد الصحفيين في سوريا”، منظمة نقابية يُفترض أنها تدافع عن الصحفيين.
وذكر الاتحاد أنه قام بجهود بخصوص توقيف كنان وقاف في 2020، وأكّد رئيس الاتحاد حينها مع المحامي العام، أن توقيف الصحفي غير مبرر في القانون رقم “108” لعام 2011، لنشره مادة إعلامية، حتى لو نُشرت هذه المادة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن جهود الاتحاد لم تسفر عن نتائج، ولا يظهر أثرها في غالب الأحيان عند اعتقال أو تقييد حريات الصحفيين.
وصُنفت سوريا من بين الدول الأسوأ على صعيد حرية التعبير، إذ احتلت المركز 174 من 180 في التصنيف السنوي لحرية التعبير الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2021.
واعتبرت المنظمة أن الصحافة الحرة منعدمة في مناطق سيطرة النظام السوري، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام لا تنقل إلا الخطاب الرسمي الذي يوجهه النظام، كما تصدّرت سوريا تصنيف “لجنة حماية الصحفيين”، كأكثر البلدان فتكًا بالصحفيين عالميًا في تصنيفها عام 2019.