تمسك الكاتبة والشاعرة السورية الراحلة أمل جرّاح، عبر روايتها “الرواية الملعونة”، فأسًا لتحطيم الكثير من المحرمات والممنوعات، لا على صعيد الأدب فقط، بل وفي السياق الاجتماعي والأخلاقي المتفاوت بين المجتمعات.
كُتبت الرواية عام 1967، لتنال جائزة مجلة “الحسناء” عام 1968، ومع ذلك، فالرواية لم تبصر النور ورفوف المكتبات حتى عام 2010، أي بعد وفاة الكاتبة بست سنوات، حين قرر زوجها القاصّ السوري ياسين رفاعية نشرها، وفق ما ذكرته الشاعرة اللبنانية زينب عساف، في إطار تقديمها للرواية.
والقضية التي لم تتجرأ الكاتبة على نشرها في حياتها، تتمحور حول المناخ النفسي والعاطفي لطفلة يتيمة الأم، وعلاقتها بأبيها، ونظرتها إلى العالم خارج حدود منزلها.
وإذا كانت “كل فتاة بأبيها معجبة”، فما يرد في الرواية يفوق حدود الإعجاب الطبيعي على الأقل، وفق اعترافات بطلة الرواية.
ومع غياب الجدوى من معرفة ما إذا كانت الرواية سردًا لسيرة ذاتية، أم قصة متخيلة ومختلقة، فأمل جرّاح كتبت الرواية في شبابها، وحمّلت بطلتها شيئًا من ألمها، فجعلتها مثلها مصابة بمرض القلب.
وتتحدث الشاعرة زينب عساف في تقديم الرواية، حول حالة الرقابة التي فرضها العمر والتحولات الفكرية التي طرأت على الكاتبة خلال مسيرتها، فغيّرت كثيرًا من مصطلحات الرواية، وروّضتها لتتناسب مع آذان المجتمع الذي تعرّف منذ وقت قريب إلى أول رواية عربية تُكتب بقلم نسائي.
ولكن هل يمكن تهذيب اللغة، وتشذيبها أمام جموح الفكرة وجرأتها؟ هذا ما بدا صعبًا برأي زوج الكاتبة الراحلة الذي آثر نشر الرواية البكر، قبل التعديل والتغيير، وممارسة الرقابة الذاتية من قبل كاتبة طاعنة في التجربة على رواية كتبتها في شبابها.
الرواية تنتمي إلى أدب الممنوع، الأدب الذي يلامس إلى حد بعيد “تابوهات” المجتمع، ويحكي عن الموجود، والمسكوت عنه، فلا يتجاهل المشكلة، ولا يدافع عن الخطأ أو يقدمه تحت عباءة مبررات.
كما لا يسعى لتعميمه، وفق “الرواية الملعونة” على الأقل، فالكاتبة تعبّر عن نفور بطلتها من العالم الخارجي، وعدم الرغبة بمشاركته أي شيء، وبالتالي فلن تشاركه أفكارًا شخصية حد النخاع، من هذا النوع.
اللغة في “الرواية الملعونة” متأثرة إلى حد بعيد بالنفس الشعري لدى أمل جرّاح، فهي شاعرة أكثر منها روائية، ويبدو ذلك بوضوح من خلال غلبة الصورة وجمال بنية الجملة ورشاقتها، بما يقرّبها من الشعر مقدار ما يبعدها عن الحوار أو السرد المؤطر داخله.
أمل جرّاح شاعرة وروائية سورية، ولدت عام 1945، وتوفيت عام 2004، وفي رصيدها خمس مجموعات شعرية، كان آخرها “وبكاء كأنه البحر”، وصدرت بعد رحيلها بنحو شهرين.
–