“بروباغندا داخلية”.. النظام السوري يستغل القضية الأوكرانية للعب “دور بطولة”

  • 2022/02/26
  • 6:30 م

رئيس النظام السوري بشار الأسد ووزير الدفاع في حكومة النظام علي أيوب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى سوريا عام 2020 (فرانس برس)

يحاول النظام السوري استغلال الغزو الروسي لأوكرانيا، لخلق “بروباغندا محلية” تمنحه حضورًا سياسيًا خارجيًا بنظر بعض السوريين، عبر اختلاق دور أكبر مما له في الواقع، من خلال تقديم نفسه كشريك للاعبين دوليين مؤثرين، وتمرير قرارات تمس بقضايا سياسية متفاعلة عالميًا.

أبرز محاولات الترويج لهذه “الدعاية الداخلية” في 24 من شباط الحالي، حين تطرقت “شبكة البعث ميديا”، وهي شبكة محلية تابعة لـ”دار البعث”، لزيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى سوريا، في 15 من شباط.

“الشبكة” نقلت عن مصادر “لم تسمها”، أن غرض الزيارة إعلام الأسد بالقرار النهائي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخياره بالذهاب نحو عمل عسكري ضد أوكرانيا.

وأضافت أن شويغو وضع الأسد بصورة الموقف الميداني على الجبهة مع أوكرانيا، وبالموعد المحتمل للعمل العسكري والأهداف الروسية من العملية على الأرض.

ولم تنشر وسائل الإعلام الرسمية أو حساب “رئاسة الجمهورية العربية السورية”، أو الصحف الرسمية، أو وكالة الأبناء السورية الرسمية “سانا”، معلومات من هذا النوع، بل اكتفت بنشرها عبر الشبكات المحلية، بما يمكن تفسيره كنوع من الدعاية الداخلية، حتى لا تصطدم بالرؤيا الروسية التي لا تخفيها موسكو وتقدمها من وقت لآخر عبر فيديوهات أو مواد تنشر عبر وسائل إعلام روسية، تحجّم دور الأسد خلالها.

وذكرت وزارة الدفاع الروسية حينها أن شويغو تفقّد سير مناورات البحرية الروسية في البحر المتوسط بعد وصول صواريخ “كينجال” (الخنجر) فرط الصوتية وقاذفات “TU-22M3” إلى قاعدة “حميميم” في اللاذقية، غربي سوريا، كما تفقد أيضًا التدريبات البحرية في ميناء طرطوس السوري، في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، واستمع إلى تقرير عن سير التدريبات على “دحر سفن العدو المفترض”.

انسياق خلف الموقف الروسي

في إطار تصعيد الموقف السياسي قبيل إعلان الغزو، اعترف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 21 من شباط الحالي، بـ”سيادة دونيتسك ولوغانسك”، الانفصاليتين المعلنتين بحكم ذاتي منذ عام 2014 والواقعتين في حوض “دونباس الشرقية” بشرقي أوكرانيا.

الاعتراف الروسي الذي أقر بالمنطقتين الأوكرانيتين باعتبارهما دولتين مستقلتين، تبعه تأييد النظام السوري، على لسان وزير الخارجية، فيصل المقداد، للقرار.

وبرر النظام سرعة استجابته للاعتراف باستقلال المنطقتين، بأنه أبدى استعداده قبل شهرين، للاعتراف باستقلال منطقة دونيتسك الانفصالية، حين استقبل الأسد وفدًا من مجلس “الدوما” الروسي في دمشق، بحضور ممثلين عن “جمهورية دونيتسك”، في 21 من كانون الأول 2021، وأن اللقاء تمخض عن اتفاق لبدء النظام علاقات مع “جمهورية دونيتسك”، وفق بيان صادر عن مكتب “رئاسة الجمهورية العربية السورية”، في 22 من شباط.

وبعد حديث السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن، في 21 من شباط، عن عواقب عالمية لتصرفات موسكو، ثم عقوبات أوروبية وأمريكية على الرئيس الروسي، أجرى الأسد في 25 من الشهر نفسه، مكالمة هاتفية مع بوتين، أعرب خلالها عن دعمه للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

كما اعتبر الغزو الروسي لأوكرانيا “تصحيحًا للتاريخ، وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي”، وأن ” الهستيريا الغربية تأتي من أجل إبقاء التاريخ في المكان الخاطئ لمصلحة الفوضى التي لا يسعى إليها إلا الخارجون عن القانون”.

من جانبه، أصدر “الكرملين” بيانًا عقب المكالمة الهاتفية، أعرب فيه بوتين عن شكره للأسد على موقفه المبدئي بشأن أوكرانيا، كما شاركه تقييمه للوضع.

وقال “الكرملين”، إن الأسد أبدى دعمه القوي للعملية العسكرية الخاصة التي تقوم بها روسيا لحماية السكان المدنيين في جمهوريات دونباس.

وكانت صحيفة “الوطن” المحلية، نقلت بالتزامن مع زيارة شويغو، عن مصادر وصفتها بـ”واسعة الإطلاع”، أن الزيارة تتصل بالتصعيد المتزايد على الجبهة الأوكرانية وربطها بالجبهة السورية.

وعن المصادر نفسها، نقلت الصحيفة أن قاعدة حميميم لم تعد “مجرد قاعدة لمحاربة الإرهاب”، وأن دورها تجاوز حدود الجغرافيا السورية، لتكون رأس حربة عسكريًا في حوض المتوسط والاشتباك الدولي الروسي الغربي.

ندّية أم تبعية؟

الصحفي السوري أحمد مراد يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام يحاول بث رسائل مفادها أن سوريا ذات سيادة، وما يربطها بروسيا هو علاقة شراكة استراتيجية لا تعني أن روسيا متحكمة بالقرار السوري، بل هناك تنسيق بين الجانبين على أعلى المستويات.

وحول أسباب عدم نشر وسائل الإعلام الرسمية للدعاية التي تناقلتها المنصات التابعة لها، يوضح مراد أن الأخبار المرتبطة بالرئاسة الروسية تحظى بحساسية الموقف والعلاقة، وهي إحدى توصيات الروسي للنظام، وفق ما يظنه الصحفي مراد، الذي أشار إلى توخي الإعلام الرسمي للدقة والحذر، عند نشر أخبار حول تتطرق للرئيس الروسي.

وعن جدوى بث “البروباغندا” للداخل، يؤكد مراد أن الشعب سئم “الأسطوانة المشروخة” التي يصر النظام على تكرارها، لكن لا حرية تعبير تثبت ذلك في سوريا، فاتجه للعب على وتر الموقف السلبي للرئيس الأوكراني من القضية الفلسطينية، لكن هناك حالة من الأزمات الداخلية تشغل الناس عن التفكير بقضايا ذات أبعاد، كالسيادة الوطنية وغيرها، وفق مراد.

وبالنظر لما نشرته منصات تابعة لوسائل إعلامية رسمية، حول زيارة شويغو لإطلاع الأسد على تفاصيل العملية الروسية، “نيابةً عن بوتين”، فإن تسجيًا مصورًا للأسد في 18 من حزيران عام 2016، يتنافى مع تلك الفكرة، ويبث التسجيل لحظة لقاء الأسد بوزير الدفاع الروسي، في سوريا، و”تفاجئه” من أن الزائر هو وزير الدفاع.

وقال الأسد لشويغو “مفاجأة سارة”، مضيفًا في بداية اللقاء “لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيًا”.

وليس هذا الموقف “المحرج” الوحيد الذي تسمح موسكو ببثه عبر وسائل إعلامها، سيما الناطقة بالعربية، لإيصال رسائل محددة بالتزامن ربما مع مواقف لا يتوافق بها النظام مع الرؤيا السياسية الروسية، وآخرها كان تمديد تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود في 2021.

وفي كانون الأول من عام 2017، وخلال استقبال الأسد لبوتين في قاعدة “حميميم”، تداول ناشطون تسجيلًا مصورًا يظهر ضابطًا روسيًا يمنع الأسد من اللحاق بالرئيس الروسي.

كما أن صورًا نشرها الإعلام الرسمي السوري عام 2020، للقاء بوتين والأسد، أظهرت وزير الدفاع السوري، علي أيوب، يجلس على كرسي منخفض، بينما جلس نظيره الروسي على كرسي مماثل لتلك التي جلس عليها كل من الأسد وبوتين.

المحلل السياسي محمود حمزة، وفي حديث إلى عنب بلدي، يؤكد أن موقف النظام السوري مما يجري في أوكرانيا هامشي ولا يضيف شيئًا على الأحداث وأن الروس في هذه النقطة بالذات يبحثون عن أي مسؤول مهما كان شأنه الدولي هزيلًا، ليقولوا أن هناك من اعترف بـ”الجمهوريتين الانفصاليتين”.

ويستشهد حمزة باعتراف “جماعة الحوثي” باستقلال المنطقتين الأوكرانيتين، قبل أيام، لافتًا إلى أن من اعترفوا باستقلال هذه المناطق منبوذون من المجتمع الدولي.

ولتحقيق وصول أكبر للرواية الرسمية يتجنب النظام طرحها عبر منابره الرسمية، فيتجه لمنصة تابعة لإعلامه، أو لوسيلة إعلام لبنانية ربما، لإعطاء الخبر أهمية من باب أن وسائل الإعلام تتناقله، بما فيها تلك غير التابعة رسميًا للنظام، وفق المحلل.

ويشدد حمزة على أن النظام يسعى لتوجيه أنظار الشعب إلى موضوع خارجي في ظل حالة تأزم داخلي لا يستطيع حلحلتها، فيتجه لاستغلال مشكلة أوكرانيا متناسيًا المشكلات الداخلية في سوريا.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا