صالح ملص | مأمون البستاني | لجين مراد | ديانا رحيمة
صياغة دستور ما، واعتماده من سلطة حاكمة ضمن جغرافيا معيّنة، أيًا كان اسمها، والترويج له كـ”عقد اجتماعي”، تعتبر بمثابة تنظيم العلاقة بين مكوّنات المجتمع فيما بينها، والسلطة والمقيمين على الأراضي الخاضعة لسيطرتها سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا.
وفي مجتمع يعاني الانقسام السياسي ضمن نزاع مسلح غير دولي، مثل المجتمع السوري، قد تكون صياغة دستور دون الوطني، أكثر من مجرد قواعد تنظّم هيكل سلطات الأمر الواقع، التي تشكّلت نتيجة عمليات عسكرية عنيفة، بل بالإمكان وصفه بأنه فرصة لبناء شعور مشترك بالمسؤولية تجاه تسيير احتياجات السكان، وحل خلافاتهم داخل مناطق خرجت عن سيطرة قوات النظام السوري.
منذ سبع سنوات، تمارس “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) سلطتها الفعلية على شمال شرقي سوريا، بتقديم “الإدارة الذاتية”، التي أُسست عام 2014، كنموذج مدني للإشراف على المنطقة بمؤسساتها المختلفة، فأنشأت مجالس تحاكي الوزارات، ومحاكم قضائية، وقوة شرطية، وأمنية.
وفي مطلع شباط الحالي، اختتمت اللجنة الموسعة لصياغة “ميثاق العقد الاجتماعي” أعمالها في مدينة الرقة، التي تركزت على تعديل “الميثاق”، كمحاولة للاقتراب من “رؤية مشتركة تشاركية” تجمع مكوّنات المجتمع شمال شرقي البلد.
إلا أن هذه المحاولة، وما سبقها من محاولات منذ 2014 في تعديل “العقد الاجتماعي”، دائمًا ما تواجه انتقادات من أطراف سياسية في المنطقة ومنظمات حقوقية دولية.
تبحث عنب بلدي في هذا الملف، محاولة “الإدارة الذاتية” بناء دستور، دون الوطني، خاص بمناطق سيطرتها العسكرية، وجدوى هذا الدستور القانونية، ومدى فعاليته في تحسين الوضع المعيشي والأمني في المنطقة، وحقيقة استجابة التعديلات التي يجري العمل عليها لمخاوف ترسيخ سلطة الأكراد المتهمين بإلغاء بقية المكوّنات، وسلبهم حقوقهم في المشاركة الفعلية باتخاذ القرار وتقرير المصير.
بالإضافة إلى دوره في منح “الإدارة الذاتية” اعترافًا دوليًا، وأخذ مكانها كطرف في المسارات السياسية الخاصة بالملف السوري، أبرزها مفاوضات اللجنة الدستورية.
لا مبالاة مجتمعية بـ”الدستور”
ما الحقوق التي يحتاج إليها السكان
لا يدخل “العقد الاجتماعي” ضمن الأولويات الرئيسة بالنسبة للأفراد في مدينة الرقة، ضمن استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي حول توقع الأهالي من احتمالية أن يلبي تعديل “الميثاق” احتياجاتهم الأساسية.
أولويات الأفراد بالدرجة الأولى هي الحد من تدهور وضعهم المعيشي المتأزم، والذي لم تعالجه “الإدارة الذاتية” حتى الآن، وأظهر بعض الأفراد لا مبالاتهم بقضية وضع “دستور” في مدينتهم، معتبرين ما يحدث “مجرد شكليات”.
الحقوق التي يجب أن يكفلها “العقد الاجتماعي” بشكل أساسي، من وجهة نظر لؤي (37 عامًا)، هي حقوق العمّال والفقراء والمحتاجين، حقوق متساوية لجميع الناس بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو خلفيتهم الاجتماعية.
“أهالي مدينة الرقة غير معنيين بالتعديلات الجديدة على الدستور”، وفق ما قاله لؤي، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية.
يعمل لؤي موظفًا في محل تجاري لبيع الجوالات مقابل راتب شهري يبلغ 450 ألف ليرة سورية (حوالي 180 دولارًا)، همّه الأول هو تأمين “الإدارة” احتياجات العائلات الأساسية في المدينة، وتوفر المواد الغذائية التي كثرت الأزمات التي تحيط بشأن وفرتها.
بحسب تقييم مبادرة “REACH” الإنسانية، ضمن تقريرها الصادر في 5 من شباط الحالي، تعتمد 80% من عائلات المناطق في شمال شرقي سوريا في دخلها المادي على الأجور اليومية، ويعاني 92% من العائلات من البطالة التي تمثّل عائقًا مباشرًا أمام وصولهم لتأمين الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية.
وأشار التقرير إلى أن 79% من العائلات تعتبر أن ارتفاع الأسعار في المتاجر والمؤسسات الاستهلاكية، هو تحدٍّ مشترك أمامهم في تأمين أمنهم الغذائي.
اهتمام بميزانية الخدمات أكثر
تعد قضية محاربة “الإرهاب” في منطقة شرق الفرات من أبرز القضايا المتراكمة في المنطقة، خصوصًا مع زيادة نشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالإضافة إلى عوامل تزيد من تعقيد هذه القضية، منها الطبيعة العشائرية، والوضع الأمني والخدمي المتردي، وغيرها من آثار النزاع على المستوى الاجتماعي.
إلا أن ضرورة تحجيم الدور الأمني والعسكري في المنطقة، وتوجيه النفقات من القطاع العسكري نحو تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للسكان، كان مطلبًا للأهالي بشكل عام.
بحسب دراسة حملت اسم “الاقتصاد السياسي للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” أعدها الباحث السوري سنان حتاحت، صدرت عام 2020، فإن البيانات عن إيرادات الميزانية الخاصة بـ”الإدارة الذاتية” غائبة، كما يصعب تحديدًا تعقّب كيفية تحصيلها وإنفاقها، نظرًا إلى غياب الشفافية حول هذا الموضوع.
تتأثر بنود “العقد الاجتماعي” بشكل أساسي بمفهوم اللامركزية الاستقلالية، ورغم أن “الإدارة الذاتية” تروّج لهذا المفهوم اجتماعيًا وسياسيًا، فإنها تحافظ على قدر كبير من السيطرة على قطاعات اقتصادية رئيسة.
وفقًا لمفهوم اللامركزية، بحسب دراسة الباحث حتاحت، لا بد من تحول الملكية الخاصة إلى الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني، إلا أن عدد التعاونيات المنشأة قليل، وتأثيرها بقي ضئيلًا وهامشيًا، في حين صار رجال الأعمال المحليون ركيزة من ركائز النظام الاقتصادي الجديد في المنطقة.
تتشابك مالية “الإدارة” بشكل وثيق مع بقية المناطق السورية، كون “الإدارة” فشلت في إرساء اقتصاد مجتمعي مستقل كما ينص عليه “العقد الاجتماعي”، وتمارس سيطرة موسعة على قطاعات اقتصادية حيوية، الأمر الذي يدفع أغلبية السكان ضمن مناطقها إلى الشعور بأنهم منفصلون، ومحرومون من أي إسهام مجدٍ في مجال صنع القرار أو المحاسبة، بحسب ما نشرته في الدراسة.
توازن في تمثيل المكوّنات
تشرف “الإدارة” على سياسات شمال شرقي سوريا، في حين تتولى “الكومونات”، من البلديات وصولًا إلى “الكانتونات”، إدارة السياسات والممارسات اليومية في المجتمع المحلي، وتتمتع هذه “الكومونات”، في المبدأ، بحق تطبيق قراراتها وسياساتها الخاصة في الشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية كافة.
ومسؤولية “الكومونات” تشمل الخدمات مثل التخطيط الحضري، وإنشاء التعاونيات الاقتصادية وإدارتها، وتوزيع الأراضي.
ووفقًا لـ”العقد الاجتماعي“، تتألف بنية “الإدارة” من مجلس تنفيذي، ومجلس تشريعي، ومجلس قضائي، ومفوضية عليا للانتخابات، ومحكمة دستورية عليا، ومجالس محلية.
وعلى المستوى المركزي، يتولى المجلس التنفيذي إصدار السياسات الموحدة وتطبيقها بالتشاور مع الإدارات المحلية، وهي سياسات تشمل توحيد رسوم الجمارك، وأسعار الوقود، ورخص السفر، وقوانين العمل، والتعديلات القضائية.
كما يتحكم المجلس التنفيذي بعدد من المكاتب الفنية التي تخضع لإشرافه المباشر، مثل مكتب النفط والثروات الباطنية، الذي يتولى متابعة عمل حقول النفط والغاز، وتوزيع عائداتها، وإدارة شبكة الكهرباء، وتوزيع المياه، ومكتب التنمية والتخطيط الذي يضع الخطط الحضرية للمدن والمناطق، ومكتب الشؤون الإنسانية الذي يُعنى بإصدار التراخيص للمنظمات العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، ومراقبة عملها وتقييمه.
ولا تزال سيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردستاني” الذي تتبع هيكلية “الإدارة الذاتية” إليه، واضحة في أدوات حكمه وإدارته الاقتصادية، إذ تقوم قوات الأمن وأنصار “الاتحاد الديمقراطي” بقيادة الهيكليات التنفيذية والتنظيمية المحلية، وهي ممارسات تشكّل عائقًا أمام تشكُّل لامركزية موثوقة كما ينص عليه “العقد الاجتماعي”.
أُسس “الاتحاد الديمقراطي” كفرع لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا عام 2003، ويدعو إلى الحكم الذاتي الديمقراطي.
“تعتمد (الإدارة) في حكمها على التمييز الحزبي والأيديولوجي، إذ تضع القبضة الأمنية والسياسة بيد عناصر حزب (العمال الكردستاني)، وهذا ما ينعكس على الشارع ويظهر رفضًا مجتمعيًا من قبل الأكراد والعرب في المنطقة”، وفق ما قاله الباحث في الشأن الكردي بدر ملا رشيد، لعنب بلدي.
واعتبر الباحث أن الاعتراض في المنطقة بالدرجة الأولى، يكمن بإدارة أشخاص من خارج المنطقة ومجتمعها للمنطقة بأكملها.
وبحسب دراسة صادرة عن مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، اتبعت “الإدارة” سياسة تتجاوز حدود القوميات والأديان، تبنّت خلالها نظرية “الأمة الديمقراطية” العائدة لزعيم حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان.
يرافق مشروع بناء “ميثاق” من قبل “الإدارة الذاتية”، التي تسعى إلى تشكيل مظلة سياسية تمكّنها من الحصول على “الشرعية”، مجموعة من الإشكاليات، أبرزها محاولاتها في الحصول على قبول مجتمعي بمناطق مختلفة بتنوعها البشري، والعرقي، والثقافي، والديني، واعتراف سياسي بمشروعها من قبل أطراف النزاع في سوريا.
وإمكانية تغيير واقع “الإدارة” في المنطقة يتطلب شفافية حقيقية، وآلية محاسبة وقضاء حقيقي، وفق الباحث، معتبرًا هذه السمات بعيدة عن المشهد الحالي للمنطقة، حتى بعد تعديل صياغة “العقد الاجتماعي”.
ويرى الباحث أن جدوى “الميثاق” ترتبط بشكل أساسي بمدى التزام “الإدارة” بتطبيق قوانينه، في حال استطاعت الوصول إلى قوانين مرضية محليًا ودوليًا.
ما “الكومونات” و”الكانتونات”
هي مصطلحات تعتمدها “الإدارة الذاتية” في سياسة حكمها. – “الكومونات“: : هي مجتمع فيه مجموعة من الأفراد يعيشون مع بعضهم، لهم اهتمامات وثيقة، مثل اللغة والدين، يتشاركون في الملكية والموارد والثروات والمسؤوليات، ينظم هذه التشاركية اقتصاد جماعي لتطوير مستوى التنمية والقدرة الإنتاجية. غالبًا ما تتم إعادة ترتيبها أو دمجها أو تقسيمها حسب التغيير الديموغرافي بمرور الوقت. ويحكمها مجلس محلي. – “الكانتونات“: على عكس “الكومونات”، تبقى على حالها منذ إنشائها، هي تقسيم إداري، تكون ضمن أنظمة الحكم الفيدرالية، مساحتها صغيرة، ولكل “كانتون” دستوره المستقل وسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية المستقلة، أي نظام دولة قائمة بذاتها ولكن باتحاد مع عدد من “الكانتونات” الأخرى. |
استطلاع
أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي وموقعها الإلكتروني، سألت الجمهور فيه ما إذا كان “الميثاق” يلبي حاجات الناس الأساسية في شمال شرقي سوريا أم لا.
يرى 77% من المصوّتين أن وجود “الميثاق” لم يلبِّ تطلّعات المكونات المجتمعية في المنطقة، بينما 23% من المصوّتين يعتقدون أن هناك احتمالية بتلبية بنود “الميثاق” حاجات الناس الأساسية.
ثمانية أعوام على “العقد الاجتماعي”
المزيد من إعادة الصياغة والانتقادات
مرّت صياغة “العقد الاجتماعي” في مناطق “الإدارة الذاتية” منذ عام 2014 بمراحل عدة، وفي كل مرحلة كانت هناك انتقادات ومآخذ عليها، لتتواصل عمليات إعادة الصياغة، وإجراء التعديلات على “العقد”، منذ حوالي ثمانية أعوام.
يُعرّف “ميثاق العقد الاجتماعي” وفق “الإدارة الذاتية”، بأنه مجموعة من القوانين والقواعد التنظيمية والمرجعيات الإدارية، يجب على المؤسسات اتباعها في تعاملها مع السكان ليحدد “العقد” العلاقة بين الفرد والمسؤول.
ويعتبر “الميثاق” المعمول به حاليًا في مناطق “الإدارة”، نتيجة لتوافقات بين الأحزاب الكردية في المنطقة، وشكلًا من أشكال الاتفاق على إدارة المناطق، بعد أن انسحب منها النظام السوري في 2012.
في حزيران 2021، أعلنت “الإدارة الذاتية” عن تشكيل لجنة لإعادة صياغة “ميثاق العقد الاجتماعي”، مكوّنة من 157 عضوًا، لتعلن “الإدارة” لاحقًا اختزالها بـ30 عضوًا فقط.
وجاءت هذه المبادرة وسط انتقادات وُجهت لـ”العقد الاجتماعي” الذي كُتب عند صدوره أول مرة على عجل، ولم يشارك في صياغته ممثلون عن المناطق كافة، كما أنه أغفل عدة مبادئ حقوقية أساسية، مثل حظر الاعتقال التعسفي، والحق في المراجعة القضائية دون إبطاء، والحق في محامٍ خلال الإجراءات الجنائية، وفق تقرير لـ“هيومن رايتش ووتش”، بالإضافة إلى عدة إشكاليات أساسية ضمن ديباجة “الميثاق”.
في 16 من شباط الحالي، نشرت وكالة أنباء “هاوار” المقرّبة من “الإدارة الذاتية” تقريرًا قالت فيه، إن “الإدارة” تتوجه نحو إقرار “عقد اجتماعي بمثابة دستور”، تخوّله مواده الـ93 المدونة في المسودة التي لا تزال تُصاغ، لعب دور رئيس في التحول الديمقراطي في سوريا والشرق الأوسط، عبر نظام ديمقراطي يلبي تطلعات المكوّنات، وحل القضايا العالقة.
وجاء في التقرير أنه في شمال شرقي سوريا، ورغم وجود “العقد الاجتماعي”، فإن “الإدارة” تبحث اليوم في تعديل صياغته وإقراره من جديد لجميع مناطقها.
وبرّرت “الإدارة” الحاجة لتعديل وإعادة صياغة “العقد الاجتماعي”، بتوسّع المناطق التي سيطرت عليها “قسد” بعد انسحاب “التنظيم”، و”رغبة أبناء المناطق المحررة بالاقتداء بنموذج (الإدارة الذاتية) في المقاطعات الثلاث، ومع ازدياد المجالس المدنية والإدارات في تلك الجغرافيا”، ولا سيما بعد عقد “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، المظلة السياسية لـ”قسد”، سلسلة اجتماعات جماهيرية موسّعة في شمال شرقي سوريا، بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أن ضرورة إعادة صياغة “العقد الاجتماعي”، كانت من أحد أهم مخرجات المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات الذي عقده “مسد” في 25 من تشرين الثاني 2020، بعد أن انتهى من ورشاته الحوارية واجتماعاته الموسعة في الداخل والخارج، مع ممثلين عن القوى والأحزاب السياسية، وشخصيات مستقلة، وشيوخ ووجهاء العشائر.
وتنفيذًا لمخرجات ذلك المؤتمر، قرر المجلس العام في “الإدارة” إعادة صياغة “العقد الاجتماعي”، وشكّل المجلس لجنة مصغرة مؤلفة من 30 شخصًا، في اجتماعه الذي عُقد في 15 من تموز 2021، لإعادة صياغته، ومناقشته وصياغته ضمن لجنة موسعة مؤلفة من 158 عضوًا، ليكون فيما بعد بمثابة ميثاق رئيس، ونقطة لبناء القوانين المستقبلية للمؤسسات، وفقًا لما جاء في التقرير.
الرئيسة المشتركة للمجلس العام لـ”الإدارة الذاتية”، سهام قريو، قالت، “كان من الضروري الخروج بهذا القرار، تلبية لمخرجات المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات، ولتفادي الأخطاء التي ظهرت في الميثاق الذي أُعد على عجالة في ظل ما كانت تمر به المنطقة لدى تأسيس (الإدارة الذاتية)”.
ويضم “العقد الاجتماعي” الذي تعاد صياغته، إلى جانب ديباجته، أربعة أبواب رئيسة هي: “المبادئ الأساسية، الحقوق والحريات، تنظيم المجتمع، الأحكام العامة”.
ويتفرع عن الأبواب الأربعة 93 مادة حول “شكل ونظام إدارة شمالي وشرقي سوريا، وهيكلية مؤسساتها، وآلية تنظيم المجتمع والانتخابات، ورؤيتها لمجتمع شمالي وشرقي سوريا بمختلف مكوّناته، وموقف شمالي وشرقي سوريا حيال مستقبل سوريا، ورؤيته للأحزاب والتنظيمات السياسية، واللغات المعتمدة، ورؤيته للمرأة، ورؤيته لحضارة وثقافة المنطقة، وللدفاع، وللبيئة والاقتصاد، والتربية والتعليم، والرقابة وآلية المعالجة”.
رصيد تاريخي مليء بالتعديلات
عام 2012، أعلن حزب “الاتحاد الديمقراطي” إنشاء “مجلس غرب كردستان”، الذي تطور إلى “الإدارة الذاتية” في 21 من كانون الثاني 2014، ثم “الفيدرالية الديمقراطية لروج آفا- شمالي سوريا” في العام 2015.
وبعد ذلك أعلن “الاتحاد الديمقراطي” من طرف واحد، في 2016، تغيير الاسم إلى “فيدرالية الشمال”، وعقب توسعها جغرافيًا، أطلق عليها اسم “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” في 2018.
ترافق ذلك مع العمل على إقرار “عقد اجتماعي” في مناطق “الإدارة”، وفي 6 من كانون الثاني 2014، تم التصديق عليه بإرادة منفردة من حزب “الاتحاد الديمقراطي”، بحسب تقرير تحليلي لـ”مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان”.
وفي 13 من كانون الأول 2020، فوّضت الإدارات الذاتية والمدنية في شمال شرقي سوريا رئاسة المجلس العام لـ”الإدارة الذاتية”، بتأسيس لجنة لإعادة صياغة “العقد الاجتماعي”.
وأعلنت الرئاسة المشتركة عن هيكلية لجنة إعادة صياغة “العقد الاجتماعي” في 10 من حزيران 2021.
وفي 15 من تموز 2021، اجتمعت اللجنة لأول مرة باسم “اللجنة التأسيسية” في مدينة الحسكة، وحددت مهمتها بإعادة صياغة “الميثاق”، مؤلفة من جميع الإدارات الذاتية والمدنية والقوى السياسية والحركة النسائية والشبيبة في شمال شرقي سوريا.
ومرت إعادة صياغة “العقد الاجتماعي” الأخيرة بمراحل عدة، وفقًا لما ذكرته وكالة “هاوار”، ففي المرحلة الأولى حُدد النطاق الزمني لعمل اللجنة المصغرة، وامتدت خمسة أشهر، منذ 15 من تموز 2021.
أما المرحلة الثانية فانتهت بعد انعقاد أربع جلسات خلال كانون الأول 2021، وكانون الثاني وشباط 2022، بفاصل زمني قُدّر بما يقارب الـ20 يومًا بين الجلسة والأخرى.
وتمخض عن المرحلة الثانية توافق المكوّنات في الدرجة الأولى، وموافقة المشاركين بالإجماع على الصيغة النهائية لـ”العقد” المعاد صياغته.
وفي المرحلة الثالثة دخلت إعادة صياغة “الميثاق” بنقاش اللجنة الموسعة المسودة المقدمة من اللجنة المصغرة.
وهناك مرحلة أخيرة غير محددة، أتت بعد طرح ومناقشة “الميثاق”، وستنتهي بالخروج بالصيغة النهائية مرفقة بالآراء والمقترحات إلى المجلس العام لـ”الإدارة الذاتية” للتصديق عليه.
ما دوافع “الإدارة الذاتية” لصياغة “الميثاق”
تهدف عمليات بناء الدساتير دون الوطنية غالبًا إلى تأكيد اختلاف سلطات الأمر الواقع خلال النزاع المسلح عن الدولة المركزية وسلطات الأمر الواقع الأخرى، كما هي الحال في الملف السوري.
وبحسب دراسة بحثية صدرت عن “المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات” عام 2021، فإن وجود دساتير دون الوطنية، لا يعني بالضرورة استقلالية أكبر لسلطات أمر واقع معيّنة، فدرجة الاستقلالية عن مؤسسات الدولة المركزية، تتوقف بشكل كبير على حجم الحيّز الدستوري الممنوح لهذه السلطات.
و”الحيّز الدستوري بدوره، هو المدى المعطى للكيانات دون الوطنية لتحديد أهدافها، وإنشاء مؤسسات وإجراءات حكم خاصة بها (…) وقد تحدده أحيانًا اتفاقيات السلام أو الترتيبات السياسية الانتقالية، كما أن الوضع القانوني للأطر الدستورية دون الوطنية يخضع للدستور المركزي للدولة”، وفق الدراسة التي حملت عنوان “الدساتير دون الوطنية في البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات”.
وتنشأ هذه الدساتير في البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات، غالبًا، نتيجة تسوية سياسية تنطوي على ضمانات بزيادة الحيّز الدستوري والاستقلالية للكيانات السياسية التي ظهرت خلال النزاع المسلح، وقد يكون من مصلحة الدولة المركزية استيعاب المجتمعات السياسية المختلفة ضمن الإطار الدستوري العام للدولة، من أجل ضمان عدم تكرار النزاع، أو قيام نزاعات جديدة وإدارتها من قبل تلك المكوّنات.
إلا أن الحديث عن الاعتراف الدستوري العام للدولة بهذه الدساتير دون الوطنية، ربما يعد مبكرًا بالنسبة للوضع السوري الذي لم يخرج إلى الآن من مرحلة النزاع المسلح غير الدولي، مع تقلص دائرة العمليات العسكرية في معظم المناطق السورية.
ولكن ملامح فكرة هذه النوع من الدساتير تتمثل بوضوح ضمن محاولة “الإدارة الذاتية” تبنّي “دستور” خاص بمناطق سيطرتها، والحكم ضمن بنوده.
ما الدستور دون الوطني؟الدساتير دون الوطنية هي “صكوك قانونية مكتوبة تحدد السلطات السياسية دون الوطنية، وتتميز بسموها على القوانين دون الوطنية الأخرى، وتهدف بشكل رئيس إلى تحديد نظام الحكم في الكيانات دون الوطنية، وإلى وضع الإطار القانوني لحقوق المواطنين داخل حدود هذه الكيانات في غالب الأحيان، كما تحدد الهوية السياسية للمجتمع المحلي، ويمكن تعريف الكيانات دون الوطنية على أنها كيانات محددة إقليميًا ومنشِئة لبلد أو دولة”. المصدر: “المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات” |
تعتبر “الإدارة الذاتية” هذا “الميثاق” بمثابة “وثيقة دستورية مؤقتة وليست إعلانًا دستوريًا، كونها مفصّلة أكثر”، وفق ما يراه مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، في حديث إلى عنب بلدي.
وبحسب الأحمد، تحاول “الإدارة الذاتية” بصياغة “الميثاق” القول، إن “الدولة السورية انكمشت” في شمال شرقي سوريا، و”نحن شعوب هذه المنطقة، وهم العرب والأكراد والآشوريون والسريان والتركمان وغيرهم، يلزمنا شيء مؤقت نستطيع من خلاله إدارة هذه المنطقة”، إلى حين الوصول إلى استقرار سياسي معيّن لسوريا بأكملها.
“هذا الأمر منطقي ومبرر”، بحسب ما يراه الأحمد، لأن مثل سلطات الأمر الواقع هذه، تعمل على إنشاء نشاط من الحوكمة لتدعيم ومراقبة عمل المؤسسات المدنية في مناطق سيطرتها، ومتابعة مستوى أداء القائمين عليها، “قد تكون حوكمة فاشلة جدًا وأسوأ من التي قبلها، وأحيانًا قد تكون هناك بعض الملاحظات عليها”، وفق الأحمد.
ولعبت المجالس المحلية دورًا رئيسًا في إدارة المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، منذ نشأتها التي رافقت انطلاق الثورة السورية عام 2011.
تولّت هذه المجالس مسؤولية تقديم الخدمات العامة للسكان في مناطقها، وواجهت، ولا تزال، الكثير من المشكلات والصعوبات التي تهدد وجودها وقدرتها على الاستمرار.
وتقييم أداء الحوكمة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام ربما “يخضع للانتماءات السياسية”، بحسب الحقوقي الأحمد.
وكل مكوّن مجتمعي لا يشعر أنه جزء من الدولة السورية، ضمن الحقوق المتساوية في الدستور السوري الصادر عام 2012، فمن حقه وفق الأحمد، إنشاء دستور خاص به ضمن مناطق النزاع المسلح، إذ لا توجد خطورة دستورية من هذه الممارسات.
تكمن الخطورة، وفق الأحمد، باستمرار وجود هذه الدساتير ما بعد انتهاء النزاع المسلح، وإنشاء كيانات تعتمد الدساتير شرعية لوجودها.
التحدي الذي تتعيّن مواجهته بصدد إنشاء الوثائق الدستورية السورية في المستقبل، هو المخاوف من إخراج مكوّن مجتمعي معيّن من دائرة النقاشات والمشاركة العامة في العملية الدستورية، وعدم احترام حقوق هذا المكوّن أو لغته أو دينه أو ثقافته، الأمر الذي ربما يسهم في تشكيل دساتير موازية للدستور السوري، ليتمكن هذا المكوّن من الحصول على حقوقه كاملة.
مكتسبات سياسية ضيقة
تعقدت وتشابكت المصالح السياسية في الملف السوري، خصوصًا شمال شرقي وشمال غربي سوريا، فبينما توجد أهداف تركية في المنطقة، تتحمس لاكتسابها في ظل غياب سياسة أمريكية فاعلة، يتجه الموقف الروسي دائمًا إلى الرغبة لإعادة جميع المناطق السورية إلى حكم النظام السوري.
عرقلت كل هذه الأمور مشاركة ممثلين عن شمال شرقي سوريا بكل المسارات الدولية الخاصة بالملف السوري، بحسب ما قاله أحد أعضاء لجنة صياغة “العقد الاجتماعي” في حديث إلى عنب بلدي.
وتابع العضو، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأنه لا يملك تصريحًا بالتحدث مع وسائل الإعلام، أن موقف المعارضة السورية من “الإدارة الذاتية” ومن “مسد” يتماشى كليًا مع الموقف التركي، ويتشابه مع موقف حكومة النظام في التعامل مع “قسد” على أنها جهة انفصالية، وليست إحدى القوى الرئيسة في سوريا، التي ولّدتها ظروف النزاع المسلح.
و”وجود دستور خاص بـ(الإدارة الذاتية)، لا يعني أنها عزلت نفسها عن سوريا، أو حتى عن الحرب الدائرة منذ أكثر من عشر سنوات”، وفق ما أوضحه العضو، معتبرًا أن “دستور (الإدارة) وجميع بياناتها هي ضمن الخارطة السورية وجزء من هذه الجغرافيا”.
وتبحث “الإدارة” عن المشاركة في صياغة دستور سوريا لتثبيت حقوقها في إدارة ذاتية لمناطق شمال شرقي سوريا التي عانت طوال سنوات حكم حزب “البعث”، منذ سبعينيات القرن الماضي، من التهميش وتردي واقع الخدمات الأساسية.
“الإدارة الذاتية” إذا ما دُعيت للمشاركة في محادثات اللجنة الدستورية بجنيف لن تمانع الحضور، بحسب ما قالته عضو في لجنة صياغة “الميثاق” لعنب بلدي.
“العقد الاجتماعي” الذي يتم العمل عليه، هو لـ”تسيير شؤون المنطقة ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي سوري يضمن حقوق جميع مكوّنات الشعب السوري”، وفق ما قالته العضو، التي تحفظت على ذكر اسمها كونها لا تملك تصريحًا بالتحدث مع وسائل الإعلام.
وترى العضو أنه إذا تم التوصل إلى حل سياسي سوري، فإن ما ورد في “العقد الاجتماعي” سيكون حجر الأساس للدستور السوري المستقبلي، الذي سيمنح جميع السوريين كل حقوقهم التي سُلبت من قبل النظام السوري.
اعتراف غير مباشر؟
تعد ديباجة “الميثاق” جزءًا لا يتجزأ منه، وتتجلى برفض الدولة الدينية والدولة القومية والعسكرية أيضًا، وتحترم سيادة الدولة السورية وحدودها الجغرافية.
قال مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، لعنب بلدي، إن هناك مكتسبات سياسية هائلة جدًا بوجود طرف سياسي مثل “(الإدارة الذاتية) المحارَبة بشكل كبير من قبل الدولة التركية والتي تعتبر دولة قوية جدًا، لديها أدوات ومجموعات داخل سوريا”.
ويصنف حزب “العمال الكردستاني”، الذي تتبع “الإدارة الذاتية” للفرع المنبثق منه في سوريا، وهو حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، على قوائم الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران وأستراليا، وعدد من الدول العربية.
ويرى الأحمد أن “الإدارة الذاتية” حققت مكتسبات بالمقارنة مع حجمها، لتعاونها مع عدد لا يستهان به من دول “التحالف الدولي” والقوات الأمريكية.
وفي نفس الوقت، فإن تصريحات “التحالف الدولي” ووزارة الدفاع الأمريكية تفيد بأنهم ليسوا بوارد اعتراف سياسي بـ”الإدارة الذاتية”، وإن كان ما يحدث على أرض الواقع هو نوع من أنواع الاعتراف السياسي من حيث الزيارات والتمويل.
لا يوجد في تصوّر السياسة الأمريكية أن “قسد” و”الإدارة الذاتية” هما جسم واحد، إذ إن كلتا الجهتين لها مهام مختلفة عن الأخرى، ضمن فترات زمنية مختلفة.
وأكد تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، صدر في 2020، ذلك التصور، لأن أغلبية العشائر العربية لديها آراء سلبية مرتبطة بـ”قسد” والمؤسسات المدنية المرتبطة بها.
وبسبب تلك الآراء السلبية، تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على تقليص دور قوات “قسد” في المنطقة، وتوجيهها نحو القتال ضد تنظيم “الدولة”، الذي لا يزال يحافظ على “مستوى منخفض” من عملياته داخل المنطقة الشرقية في سوريا، وقدرته على اتخاذ إجراءات دفاعية محدودة من حيث النطاق والمدة وعدد المقاتلين، وفق ما ذكره التقرير.
ويؤثر ذلك على “العقد الاجتماعي” بشكل إيجابي، إذ إن تعاملهم مع “الإدارة” دون الاعتراف بميثاقها، يضفي طبقة من الشرعية عليه دون قصد مباشر من “التحالف” أو أمريكا.
ويعتبر الأحمد أن استخدام محاربة التنظيم هو غطاء سياسي لترسيخ حكمها وسيطرتها، وليس لتبرير انتهاكاتها، لكن ضمن أجهزة الحكم التنفيذية بإمكانها أن ترتكب الانتهاكات، إذ إن “الإدارة” دائمًا ما تحاول أن تهتم بصورتها كحال بقية أطراف النزاع في سوريا.
ما يُعدّل ليس ذاته ما يُقر
هناك “جزء من الناس الموجودين في اللجنة المصغرة لإعادة صياغة (الميثاق)، يقولون إنهم يتفقون مع أفراد من (الإدارة الذاتية) على بنود، وبعد فترة يعودون ليجدوا أن (الإدارة) تعيد تعديل البنود كما تريد”، بحسب الأحمد.
و”يُستغل العديد من المشاركين في قضية إعادة تعديل العقد الاجتماعي باستخدامهم كواجهة فقط”، وفق ما قاله الأحمد، و”يعتقد جزء من أولئك أن هذا يدل على أن (الإدارة) غير مستعدة تمامًا لتغيير العقد الاجتماعي”.
و”يوجد إقصاء واضح للكرد بشكل عام، ولمكوّنات شمال شرقي سوريا ولـ(الإدارة الذاتية) بشكل خاص، و(اللجنة الدستورية) كانت ترجمة حرفية لهذا المنطق”، وفق ما يراه الأحمد.
“خطف الجغرافيا السورية”
يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع أن محاولة قوننة “سلطة أمر الواقع” التي يفرضها حزب “الاتحاد الديمقراطي” على المستوى الدولي لم تنجح.
ورغم عدم مشروعية “العقد الاجتماعي” المحلية، لم يسهم أيضًا في إدخال “الإدارة الذاتية” ضمن الفاعلين المحليين في العملية السياسية، ولم يدفع باتجاه بلورة علاقات دولية لـ”الإدارة” ككل، وفق ما قاله طلاع في حديث إلى عنب بلدي، وإنما بقيت في إطار الفردية الحزبية، أي بمعنى آخر ووفقًا لمنطق العلاقات الدولية، لا تزال “الإدارة” تُعرف ويُتعامل معها باعتبارها “فاعلًا ما دون الدولة”.
ويرى طلاع أن حزب “الاتحاد الديمقراطي”، يطمح إلى أن يكون من بين مؤشرات الضبط والتحكم المحلي في المنطقة، الذي يسهم “الميثاق” بمكان ما في جعله واقعًا، وهو بمثابة عنصر قوة يؤخذ بالحسبان من قبل الدول الفاعلة في الملف السوري.
إلا أن هذه النظرة تفتقد للموضوعية، بحسب طلاع، فلا يمكن تجاهل غياب الحياة المدنية والسياسية المحلية في شمال شرقي سوريا، كما لا يمكن تجاهل مؤثرات حزب “العمال الكردستاني” على مراكز صنع القرار.
هذه المعطيات تجعل كل فكرة “الميثاق”، التي تستمد منظومتها الفلسفية والفكرية من معتقدات عبد الله أوجلان، بمثابة “خطف الجغرافيا السورية لمصلحة شبكة من المصالح الحزبوية لـ(العمال الكردستاني) واستخدامها في معادلاته الأمنية والإقليمية”، بحسب طلاع.
“تعطّش للسلطة وتطويع للأيديولوجيا”
تحدثت دراسات سابقة لمركز “عمران” عن المآخذ والإشكاليات على ما تم طرحه في “العقد الاجتماعي” بخصوص الفيدرالية، والتي تبدأ بطريقة الإعلان من جهة واحدة دون أن يكون هذا الأمر نتاجًا لمناقشات وطنية، ويخلط هذا الطرح ما بين اللامركزية السياسية والكونفيدرالية.
كما أن الاستناد إلى التمترس الجغرافي لن يكون مبررًا لتحويل سلطة الأمر الواقع إلى سلطة مقوننة ضمن نظام سياسي جديد، بحسب طلاع.
وتدل الصيغ القانونية على أن “الإدارة” تنظر إلى نفسها كدولة كاملة السيادة، وهو عدم إدراك قانوني إشكالي من جهة، وفيه “مخيال” سياسي لما تطمح إليه “الإدارة” في التسوية السياسية من جهة أخرى، بحسب طلاع.
وبموجب “الميثاق”، تُمنح “الإدارة الذاتية” كامل الصلاحيات في توزيع الحقوق، بما فيها قبول حق اللجوء السياسي في المادة “46”، وتُمنح المكونات حق تقرير المصير في المادة “22”.
كما أن “الميثاق” أعاد تقسيم الحدود الإدارية، واعتبرها أقاليم في المادة “66”، ومنح كل إقليم إمكانية تطوير وتكريس العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الشعوب والبلدان المجاورة.
بالإضافة إلى المواد من “54” وحتى “84”، التي فنّدت في هيكلية مؤسسات الحكم، إنما هي تعزيز لفكرة الحزب القائد للدولة والمجتمع، وهذا تناقض صارخ عما ينادي به حزب “الاتحاد الديمقراطي” من شعارات، وفق طلاع، ويعبّر بنهاية المطاف عن تعطش للسلطة وتطويع للأيديولوجيا والشعارات في سبيل ذلك.
يبقى وجود دساتير أو قوانين سلطات الأمر الواقع في سوريا من عدمها في المستقبل مرتبطًا بالاتفاق على وثيقة دستورية لا تهدر حقوق السوريين، على اختلاف انتمائهم السياسي أو خلفيتهم القومية أو الاجتماعية والثقافية.
وكي يصار إلى إنشاء مرجعية دستورية حقيقية تمثّل جميع السوريين وترسم ملامح آمنة لمستقبلهم، وتكفل لهم مقومات التعافي اللازمة من عقد كامل من المأساة والانتهاكات، يجب أولًا إزالة جميع العقبات التي تحول دون تحقيق ذلك، أبرزها وجود نظام سياسي في دمشق أفقد الدستور الأساسي للبلد وظيفته بالتعبير عن حقوق المجتمع وهوية الدولة.