إدلب – هاديا منصور
تعرضت جمانة الحميدو (35 عامًا) لطلق ناري في أثناء مشاجرة بين أخيها وأحد الأشخاص، أُصيبت على إثره بضرر كبير في عمودها الفقري السفلي، وجرى استئصال إحدى كليتيها.
جمانة قالت لعنب بلدي، إنها كانت في زيارة لأهلها حين وقع الحادث باشتباك بين أخيها وأحد الأشخاص أواخر العام 2020، ولدى خروجها لرؤية ما يجري، تعرضت لإصابة بالغة، كادت أن تودي بحياتها، وجعلتها تعاني إلى الآن.
تحدثت جمانة عن آلام شديدة تعانيها، موضحة أنها خضعت لعمليات جراحية عدة لعلاج عمودها الفقري الذي تأذى بشكل كبير، “أشعر بآلام شديدة، ولم أعد أقوى على حمل أي وزن، حتى لو كان مجرد كيلوغرام واحد”.
ولم يعد غريبًا مشهد السلاح الفردي المنتشر في إدلب، مع مضي عشر سنوات على الحرب التي كانت كفيلة بإدخال تلك الأسلحة إلى معظم منازل المدنيين، وكثرة الحوادث بسببها.
كما انعكس هذا المشهد بشكل أو بآخر على زيادة وتيرة العنف التي تشكّل نساء إدلب جزءًا من ضحاياها.
لم تكن حادثة جمانة الوحيدة، بل تتكرر الحالات بشكل ملحوظ، إذ تسقط النساء كضحايا لانتشار السلاح في المنازل والأسواق، وحتى المنتزهات والمطاعم والمراكز التجارية.
أما رهام جدوع (27 عامًا)، ففقدت جنينها في الشهر الخامس، حيث شهدت شجارًا بالأسلحة الفردية وقع أمامها، خلال تجولها في سوق إدلب لشراء بعض الحاجيات في أيار من عام 2021.
وعن تفاصيل الحادث، قالت رهام إنها أُصيبت بالرعب والخوف الشديدين، حين أشهر أحد الأشخاص سلاحه وصوبه على شخص آخر، وراح يطلق الرصاص بشكل عشوائي، ما أدى إلى وقوع إصابات عدة، بينما شعرت بآلام مخاض، أجهضت على إثرها جنينها الذي لطالما انتظرت قدومه بعد خمس سنوات من الزواج.
كما تعرضت صفاء رحيم (24 عامًا) لطلقة طائشة من زوجها إثر شجاره مع أحد أقربائه، ما أدى إلى إصابتها بقدمها التي بُترت على إثرها، ولم يكتفِ الزوج بإعاقة زوجته مدى الحياة، وإنما عمد إلى تطليقها والتخلي عنها والزواج بأخرى، ضاربًا بمشاعر زوجته الضحية عرض الحائط دون اهتمام أو علاج ورعاية.
وقالت والدة صفاء المتأثرة لحال ابنتها، إن زوج ابنتها قضى على أحلامها وطموحاتها، وحرمها من متابعة حياتها بشكل طبيعي بعد تسببه في إعاقتها، وتركها تواجه مصيرها بمفردها.
ولم تتمكّن عائلة صفاء من تحصيل أي تعويض لابنتهم، بحجة عدم وجود نية مسبقة للزوج لإيذاء زوجته، وأن ما جرى كان “قضاء وقدرًا” وفقًا للقاضي المشرف على القضية.
وتتعرض النساء شمال غربي سوريا للتعنيف، وتسقط الكثيرات منهن ضحايا العنف الأسري، سواء من قبل الزوج أو الأخ أو الأب، دون رادع، وسط الفلتان الأمني، وغياب سيادة القانون، وانتشار السلاح، في ظل الموروثات الاجتماعية السائدة.
ولم يقتصر تأثير انتشار السلاح على إصابات وحوادث عدة، بل ارتُكبت جرائم القتل على إثر الخلافات العائلية، ما أودى بحياة الكثيرات بشكل ملحوظ.
السلاح ينمّي العنف الأسري
المرشدة الاجتماعية علا الخطيب (35 عامًا) علّقت على ظاهرة انتشار السلاح بين المدنيين بشكل كبير منذ انطلاق الحرب السورية، بأنه يشكّل خطرًا واضحًا في تنامي العنف الأسري.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أشارت الخطيب إلى أن الجو المشبع بالتوتر والضغوطات، وتدني مستوى المعيشة الناجم عن آثار الحرب، والنزوح، والعيش في مخيمات تفتقر لجميع مقومات المعيشة الأساسية، وتضاؤل وانعدام موارد الدخل، يسهم في زيادة العنف، وعادة ما تكون المرأة الضحية الأولى والمتضرر الأكبر من انتشار وحيازة الأسلحة.
ويشير تقرير “رابطة النساء الدولية للسلام والحرية” عن الأسلحة النارية الصغيرة، إلى أن وجود سلاح ناري في المنزل، يزيد من احتمالية تحوّل العنف الأسري إلى جريمة قتل بمقدار خمسة أضعاف.
كذلك تصل نسبة النساء اللواتي يُقتلن بسلاح ناري صغير إلى الثلث، وانتشار الأسلحة الفردية بشكل واسع، يزيد ويعزز من أشكال ومظاهر العنف القائم على النوع الاجتماعي، في مجتمع يضع المرأة في خانة الطرف الهش الضعيف، مقابل قوة السلاح، لا سيما في غياب أي شكل من أشكال المحاكمات العادلة والقضاء الحر.