نبيل محمد
غير مفاجئ كمّ المشاهدات التي تحوزها مواد الفيديو التي تنشرها صفحة “نيو دوز” السورية، التي تأتي ضمن المراتب الأولى للصفحات السورية الأكثر متابعة على منصات التواصل الاجتماعي وخاصة “يوتيوب”، فعادة ما تكون المواد التي تعتمد على كاميرا تدور في الشوارع وتوجه للناس أسئلة خفيفة، ثم تنتقي الإجابات الأكثر عفوية، لنشرها بعناوين برّاقة نوعًا ما، مواد قادرة على الانتشار السريع على “السوشيال ميديا”، ولذلك أمثلة كثيرة من مختلف بلدان العالم.
من السهولة بمكان صناعة ما تصنعه “نيو دوز” طالما أن الرقيب راضٍ عمّا يُنشَر، فمن الواضح أنها تنال رضا المؤسسات الأمنية التي تتيح لكاميرا القناة التنقل في شوارع المدن السورية كما شاءت، حتى مع القيود الجديدة التي فُرضت على صنّاع المحتوى السوريين، ومن الواضح أيضًا أن دورًا مناسبًا للمرحلة تلعبه القناة بجولاتها في مواقع سياحية سورية، وإظهار الحياة في شوارع البلد المدمّر ماديًا ومعنويًا على أنها حياة طبيعية، من السهل فيها سرقة الضحكات من وجوه الناس وصناعة محتوى سوري منها.
أنتجت “نيو دوز” مؤخرًا ما سمّته “فيلمًا غنائيًا” بعنوان “حظي”، ونشرته على صفحاتها في منصات التواصل، ليحوز خلال فترة قصيرة أكثر من 350 ألف مشاهدة على “يوتيوب”، ولا يتجاوز كونه عبارة عن “فيديو كليب” بسيط، مستهلك الكلمات والمشاهد، بدائي لا يختلف عن أغلبية مواد المنصة.
المختلف في “الفيديو كليب” أن من أخرجه هو يزن نجدة أنزور، وهو ما قد يكون السبب الأساسي في عدم اعتباره “فيديو كليب”، بل منحه لقب “فيلم”، وتكرار التأكيد على هذا اللقب في ردود القناة على المعلقين، وفي مقاطع الفيديو والإعلانات التي سبقت نشره من قبل صفحات القناة المختلفة. إنه “فيلم غنائي” طالما أن مخرجه هو مخرج سينمائي شاب، تربى على يد واحد من أشهر المخرجين السوريين (نجدة أنزور)، ليس من المناسب له أن يقود دفة العمل في “فيديو كليب”، إنما سيمنحه توصيف “فيلم غنائي”، وكأن استخدام هذا التوصيف سيعطي الفيديو قيمة لا يمكن للتوصيف الطبيعي أن يعطيه إياها.
لا يستدعي “الفيلم الغنائي” أي تحليل أو نقد، هو مجرد مادة فيديو، يشابه أسلوب “نيو دوز” التي بدأت مؤخرًا تجد لها أماكن متقدمة على كونها مجرد قناة ترفيهية بسيطة، بعلاقات مع فنانين سوريين، يظهرون بين حين وآخر في فيديوهاتها، وبإعلانات لأعمال درامية قادمة مع أولئك الفنانين، الذين صار مقدّم الفقرات في القناة (فادي الخضراء) واحدًا منهم، مستغلًا شهرته عبر القناة، وناشرًا على صفحته الشخصية ما يظهره كفنان في الصف الأول، يتنقّل من عمل لآخر، متجولًا بين دمشق وبيروت ودبي، فيظهر تارة برحلة في جبال الساحل السوري مع مجموعة من أصدقائه، وتارة أخرى يركب “الرولزرويس” بدبي.
علّ القرارات الجديدة التي فرضتها لجنة صناعة السينما والتلفزيون على إنتاج المحتوى في قنوات “السوشيال ميديا” السورية، لن تشمل “السكيتشات” ومقاطع الفيديو التي ينشرها صنّاع المحتوى في “نيو دوز”، فكل ما يتم إنتاجه من الواضح أنه حائز على الموافقات المطلوبة، ويسير بخطى محمودة من قبل الأجهزة المعنية، إلا أن تلك القرارات المقيّدة لتحريك كاميرا “الموبايل” وتصوير المشاهد ونشرها على “يوتيوب” أو “فيس بوك”، لا بد ستحبط محاولات شتى لصناعة المحتوى في بلد هو الأفقر به في المنطقة، ليبقى القادرون على ذلك هم أصحاب الضحكات التي تطلَق دون مبرر، في فيديوهات تضمن مستوى كبيرًا من المتابعة أيًا كان مضمونها.
المستوى الرخيص في الأداء، والممثلون ذوو الدرجة المتدنية، و”السكيتشات” التي كلما حاولت أن تلامس قضايا جدية في الحياة العامة، ظهرت فارغة من محتواها، تشي بمزيد من الإنتاج والشهرة، ومزيد من تدني المستوى المرافق لهذا النوع من الشهرة، شهرة صارت متاحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للجميع، بمجرّد إنتاج محتوى قادر على الجذب، وهو أمر قد يبدو إيجابيًا، فللجمهور حق “الفلترة” واختيار الأفضل، لكن ضمن الشروط الرقابية المفروضة على المحتوى في سوريا، سيبدو كل شيء ممجوجًا، مقترنًا بالتفاهة وافتقاد النوعيّة، يحقق لصاحبه شهرة لا يمكن تحقيقها بشكل أفضل مما يحققه “فيلم غنائي” يخجل صنّاعه من أن يسمّوه “فيديو كليب”.