قبل بدء محاكمة الطبيب علاء موسى في المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت غربي ألمانيا، عثرت الشرطة الفدرالية على اتصالات بين المتهم والسفارة السورية في العاصمة برلين، حيث وصف المتهم منتقدي النظام السوري في إحدى رسائله لها بالبريد الإلكتروني بأنهم “مخربون ضد الأمة وضد الوطن، هم صراصير”.
وبحسب ما نشره “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، في 17 من كانون الثاني الماضي، كان هناك تبادل للرأي بين موسى ومسؤول في السفارة حول المساعدة المحتمَلة من السفارة، حيث كان المتهم يأمل في “الحصول على دعم وتعاون مع السلطات السورية للحصول على بعض الوثائق الرسمية” التي سيقدمها للسلطات المحلية الألمانية لإثبات براءته.
وبالتزامن مع محاكمة موسى التي من المتوقع صدور الحكم النهائي فيها قبل نهاية عام 2022، بسبب قلة المدعين والشهود خلال إجراءات التقاضي الخاصة بها، يطرح حقوقيون سوريون أسئلة حول ارتدادات المحاكمة على عمل السفارة السورية الإداري في برلين، ومدى تورطها مع المتهم في مساعدته للهروب خارج ألمانيا وإفلاته من العقاب. كما طلب المتهم تزويده بأوراق مخالِفة للتي قدّمها سابقًا، كما تداولا الرأي حول مساعدته للخروج من ألمانيا.
نطاق عمل السفارة
في عام 2012 طردت برلين سفير النظام السوري المعتمد لديها، في سياق خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى الحد الأدنى بين الطرفين.
كما طردت وزارة الخارجية الألمانية في نفس العام، أربعة موظفين في السفارة، كونهم مارسوا نشاطات “لا تتفق مع الأعراف الدبلوماسية”.
ومنعت ألمانيا السفارة، عام 2021، من إقامة الانتخابات الرئاسية الماضية، ضمن قرار يتفق مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، فوفق بنود الاتفاقية، يحق للدولة المضيفة رفض السماح لدولة أخرى إجراء انتخابات في سفاراتها وقنصلياتها الواقعة على أراضيها.
ويقتصر عمل السفارة في برلين على النطاق الإداري، مثل منح الجوازات ووثائق السفر للسوريين، وكذلك المستندات اللازمة للأشخاص الذين يرغبون بالحصول عليها.
اقرأ أيضًا: ترجمة محاكمتي رسلان وموسى.. حق الضحية في فهم جلادها
ما تأثير السفارة بالقضية؟
إلى هذه اللحظة من مسار محاكمة الطبيب علاء موسى فإنه من “غير الواضح تأثير المحاكمة على السفارة السورية. نظريًا وقانونيًا السفارة السورية تلقت طلب من مواطن يرغب بالعودة لبلده وحاولت مساعدته العودة. إلى هنا لا يوجد أي مخالفة لطبيعة التمثيل الدبلوماسي”، وفق ما يراه مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي.
تدخل الوظائف هذه ضمن مهام السفارة الأساسية، بموجب اتفاقية فيينا، و”غير واضح ما إذا كانت المحادثة مع السفارة فيها أي شيء جرمي ضد السفارة. لكن إلى هذه اللحظة، بالإمكان استخدامها إلى حد ما ضد علاء باعتبار أنه حاول الهرب قبل بدء المحاكمة”، وفق العبد الله.
وبموجب اتفاقية فيينا، توجد حرمة خاصة بالموظفين القنصليين، إذ لا يمكن إخضاع الموظفين القنصليين للاعتقال أو الاحتجاز الاحتياطي بانتظار المحاكمة، إلا في حالة الجرم الخطير وعلى أثر قرار من السلطة القضائية المختصة.
وباستثناء هذه الحالة، فإن الموظفين القنصليين لا يمكن سجنهم ولا إخضاعهم لأي شكل آخر من القيد على حريتهم الشخصية إلا تنفيذًا لقرار قضائي نهائي.
كما لا يجوز انتهاك حرمة المراسلات الرسمية الخاصة بالسفارة، ويقصد بالمراسلات الرسمية، جميع المراسلات المتعلقة بمهام السفارة الرسمية ووظيفتها الموكلة إليها.
امتداد للدور الأمني
ورافقت ثقافة الخوف من الأجهزة الأمنية في سوريا جميع من اضطر إلى ترك البلد خلال الأعوام العشرة الماضية، إذ لم يقتصر الخوف على كيفية بناء الاستقرار في بلدان اللجوء، بل امتدت في بعض الأحيان إلى أبواب السفارات السورية عند إجراء معاملة ما.
“تعد السفارات السورية في الخارج امتدادًا للنظام الأمني في سوريا لمراقبة معارضيه”، وفق ما قاله مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، في حديث إلى عنب بلدي.
وبحسب ما يراه الحقوقي فضل عبد الغني، فإن “النظام السوري يهمه عدم إدانة علاء موسى، لأن وضعه يختلف عن وضع أنور رسلان، فالأخير يعد منشقًا عن النظام، لكن علاء هو من أحد أنصاره وخدم النظام إلى آخر فترة وجوده في سوريا”، من هذه الفكرة “يحاول النظام السوري إرسال رسالة إلى أنصاره بأنه لن يتخلى عنهم”.
وأقرت المحكمة 18 تهمة موجهة لموسى الذي عمل طبيبًا في سجن للمخابرات العسكرية بمدينة حمص عام 2011، في الفترة من 23 من تشرين الأول إلى 16 من تشرين الثاني 2011، وفي تلك الفترة، تعرّض أحد المعتقلين المحتجز لمشاركته في مظاهرة (يدعى محمود من مدينة حمص)، لجلسة تعذيب، ثم أُصيب بنوبة صرع، وطلب أحد زملائه المعتقلين من أحد الحراس إبلاغ الطبيب، وبعد وصوله قام موسى بضرب المعتقل بأنبوب بلاستيكي، واستمر في ضربه وركله على رأسه.
وفي اليوم التالي من تلك الواقعة، تدهورت صحة المحتجز، فطلب أحد المعتقلين الرعاية الطبية، وبدلًا من علاجه عاد موسى هذه المرة برفقة طبيب آخر من السجن، وضربا المحتجز المصاب بنوبة صرع بأنبوب بلاستيكي، ولم يعد يستطيع المشي، حتى فقد وعيه، ثم وضع عدة حراس المحتجز المصاب في بطانية ونقلوه بعيدًا حتى موته.