يعد الحق في الحياة من أهم حقوق الإنسان على الإطلاق، ورغم أهميته، فهو من أكثر الحقوق عرضة للاعتداء والانتهاك، سواء على مستوى الفرد أم على مستوى الجماعة.
وُجدت المحاكم الدولية الخاصة بغرض تسوية المنازعات ما بين الدول وفي بعض الأحيان ما بين جهات دولية فاعلة أخرى، وهي تنشأ بقرار من مجلس الأمن الدولي، وتحاكم عدد محدود من الأشخاص المتورطين بجرائم دولية، كما أنها تحتاج إلى نظام أساسي خاص بها.
ويغلب على المشهد السياسي في البلدان العربية العنف السياسي المتمثل باستخدام القوة أو التهديد، وعند وجود مثل هذه الحالات، تظهر العديد من المحاولات على المستوى الدولي لإجراء محاكمات ذات صبغة دولية تتعلق بارتكاب الجرائم الدولية، لكونها جرائم ذات خطورة كبيرة، تشكل اعتداء على المصالح التي يحميها المجتمع الدولي، بحيث لا يكفي أن تنظر هذه الجرائم من المحاكم الوطنية فقط، وإنما يجب أن تنظر بها جهة قضائية جنائية دولية لتحقيق العدالة الجنائية الدولية.
ومن بين تلك المحاكم الدولية الخاصة في الدول العربية، هي المحكمة الجنائية الخاصة بلبنان، ودارفور.
اقرأ أيضًا: هل يُمكن تجنب “الفيتو” الروسي في “الجنائية الدولية” بسياق المحاسبة بسوريا؟
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
شُكلت المحكمة بناء على طلب من الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة، ضمن اتفاقية دخلت أحكامها حيز التنفيذ من خلال قرار مجلس الأمن رقم “1757“، في 29 من آذار 2006.
استجاب هذا القرار لطلب الحكومة اللبنانية إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من ثبتت مسؤوليتهم عن الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وآخرين.
وهي منظمة قضائية مستقلة تتألف من قضاة لبنانيين ودوليين. وليست محكمة تابعة للأمم المتحدة ولا جزءًا من النظام القضائي اللبناني. ومع ذلك، فهي تحاكم الأشخاص بموجب القانون الجنائي اللبناني.
المحكمة هي الأولى من نوعها التي تتعامل مع الإرهاب كجريمة منفصلة أدت لقتل وإصابة 270 شخصًا، وتضمنت أكثر من 170 ألف صفحة من الأدلة، و497 جلسة محاكمة.
والمتهمون الأربعة الذين جرت محاكمتهم أمام المحكمة الخاصة بلبنان فيما خص الاعتداء هم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا.
وقد أُسندت إليهم تهمة المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، وتهمة القتل عمدًا، وتهمة محاولة القتل عمدًا، وعدد من التهم الأخرى المرتبطة بذلك، وهم يحاكمون غيابيًا.
المحكمة الدولية الخاصة بدارفور
في 7 من حزبران 2005، وبعد يوم واحد من إعلان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية عن فتح تحقيق في أحداث دارفور، أقامت السلطات السودانية المحكمة الخاصة بدارفور، وذلك لإظهار قدرة الحكومة على تولي أمر تلك المحاكمات محليًا.
توقيت إنشاء هذه المحكمة، بقرار من مجلس الأمن حمل رقم “1593“، جاء بعد إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، والتي وقعت في إقليم دارفور غربي السودان، اضطر خلاله أكثر من مليوني شخص إلى الفرار من منازلهم نحو التشاد، ومقتل أكثر من 300 ألف فرد.
بدأ الصراع عام 2003، عندما هاجم “جيش تحرير السودان” و”حركة العدل والمساواة” أهدافًا حكومية بدعوى اضطهاد الخرطوم لذوي الأصول الأفريقية، خصوصًا من قبيلة “الفور” و”الزغاوة” و”المساليت”، ومحاباتها للقبائل من الأصول العربية، خصوصًا قبيلة “الجنجويد”.
المحكمة الدولية الخاصة من منظور سوريا
سبل العدالة الوطنية ليست متاحة في سوريا، فالقضاء السوري غير مستقل وغير نزيه ويخضع بشكل مباشر للسلطة التنفيذية وأفرعها الأمنية، لذلك توجه الحقوقيين السوريين إلى البحث في الخيارات الدولية للعدالة، التي يندرج في إطارها عدة جهات قضائية من بينها “المحكمة الجنائية الدولية”، و”محكمة العدل الدولية”، والمحاكم الدولية الخاصة والهجينة، والمحاكم الوطنية في دول أخرى تقبل الولاية القضائية العالمية.
وتعد المحاكم الجنائية الدولية الخاصة إحدى الأدوات الفاعلة لمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة.
لم تنجح محاولات إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب استخدام روسيا والصين حق “الفيتو” ضد الإحالة. كما أن تشكيل محكمة دولية خاصة بسوريا يتطلب شروطًا ليست متوفرة حاليًا، أبرزها وجود التوافق السياسي بقرار من مجلس الأمن على إنشائها وتحديد اختصاص ولايتها القضائية.