الرياضة أخلاق
الرياضة أخلاق، العنوان الذي يغيب اليوم عن الملاعب الكروية، التي باتت تتحكم بها لغة المادة كغيرها من مجالات الحياة، مبتعدة عن الحاجة التي وجدت من أجلها: بناء الجسم، وترويض العضلات، والترويح عن النفس بين الحين والآخر. وغاصت في الاقتصاد والسياسة حتى أذنيها.
المنافسة داخل المستطيل تحصيل حاصل، اللعبة ليست على أرض الملعب فقط، وإنما في مكاتب السماسرة وأصحاب الأموال والسياسيين، وخاصة في الرياضات الجماهيرية التي غابت الهواية عنها، وأصبح البائع ناديًا والمشتري نادٍ آخر والسلعة هي اللاعب.
الاحتراف بالطبع هو في مصلحة اللاعب والنادي، العرض من اللاعب والطلب من النادي ويحقق منفعةً للطرفين، ولكن المنافسات المبالغ فيها والتزوير ودفع المبالغ الطائلة على شراء لاعب ربما يناسب الفريق ويقدم له الأداء المطلوب، وربما لا، وتذهب النقود أدراج الرياح.
ولم تتوقف التجارة عند هذا الحد، بل تعدته إلى التزوير والرشاوى والعنف للحصول على بطولة دوري أو كأس، أو لزيادة عدد من النقاط لتفادي الهبوط، وربما لعلوّ كعب مدينة على أخرى.
عقوبات طالت أندية عريقة
فضيحة الدوري الإيطالي
قضايا تكشف لاحقًا واللعبة ليست داخل المستطيل الأخضر فحسب، العنوان الأبرز لفضيحة الدوري الإيطالي، عندما كشف التحقيق وجود عدد كبير من المكالمات المسجلة حول التلاعب باختيار الحكام والمفضلين من قبل رؤساء الأندية الإيطالية، يوفنتوس وميلان ولاتسيو وأندية أخرى، وكانت إحدى أكبر قضايا الفساد في تاريخ الكرة.
عقوبات قاسية نالت كل من أثبتت محكمة نابولي تورطه بالجريمة، إسقاط يوفنتوس إلى دوري الدرجة الثانية، وسحب لقبي الدوري 2005 و2006 مع خصم 9 نقاط من رصيده، نادي ميلان الأوفر حظًا إذ خصم 8 نقاط من رصيده، وتعدت خصومات النقاط إلى كل من لاتسيو وفيورنتينا وريجينا وسيينا.
الأندية الإنكليزية محرومة 5 سنوات من البطولات الأوروبية
39 شخصًا فقدوا حياتهم خلال مباراة كرة قدم جمعت ليفربول الإنكليزي ويوفنتوس الإيطالي، في هيسل بلجيكا 1985.
اخترقت جماهير ليفربول السياج وتهجمت على جماهير يوفنتوس، بعد أن حاولت الابتعاد إلى أطراف الملعب، وتكتل عدد كبير منهم في منطقة واحدة، ما أدى إلى انهيار المدرجات.
العقوبة لحقت جميع الأندية الإنكليزية، وليس ليفربول وحسب، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي قرارًا بحرمان جميع الأندية الإنكليزية من المشاركة في أي بطولة أوروبية لمدة 5 أعوام.
روما ممنوع من إبرام أي صفقة لمدة 6 أشهر
روما الإيطالي حاول سرقة لاعب فرنسي صيف عام 2004، حين أتمّ صفقة انتداب المدافع فيليب ميكسيس من نادي أوكسير، وبعد أن قدّم اللاعب لوسائل الإعلام كشف مسؤولو النادي الفرنسي أوكسير بأنهم لم يوافقوا على بيعه.
وبعد التحقيق في المسألة تبين أن روما وميكسيس وقعا عقدًا من دون علم نادي أوكسير، وانتقل اللاعب دون أن يسمح له بذلك ما أدى إلى حرمانه من اللعب لمدة 6 أشهر، وحرمان النادي من إبرام أي صفقة لنفس المدة، وإجباره على دفع قيمة اللاعب للنادي الفرنسي.
حرمان تشيلسي من إتمام أي صفقة لمدة عام ونصف
محاولة إقناع لاعب بفسخ عقده مع ناديه غير مسموحة بحسب قوانين الاتحاد الأوروبي والفيفا، لكن إدارة تشيلسي الإنكليزي فعلت ذلك بالاتصال باللاعب الناشئ جايل كاكوتا، وإقناعه بفسخ عقده مع ناديه لانس في 2007 بغية التعاقد معه، وبعد التحقيق بالأمر تبين أن تشيلسي أرسل للاعب مبلغ مؤخر العقد، دون الحديث مع ناديه، ما ترتب على اللاعب الحرمان لمدة 4 أشهر في موسم 2009، بينما أوقف النادي من أي صفقة في سوق الانتقالات لمدة عام ونصف.
على المستوى الفردي
لم تكن العقوبات أقل قسوة؛ إذ لحقت عقوبات شديدة عددًا من النجوم العالميين في عالم المستديرة، ولم تمنحهم شعبيتهم العفو أمام القانون.
لويس سواريز
المهاجم الأورجواياني ملك الصولات والجولات داخل منطقة الجزاء، هو صاحب عقوبة قاسية في 2014، بعد عضّه للمدافع الإيطالي جورجو كيليني، خلال مباراة المنتخبين في المونديال.
الإيقاف 9 مباريات دولية وحرمانه من مزاولة أي نشاط كروي لمدة 4 أشهر، كان الحكم من الفيفا على سواريز، ثم رفضت استئنافه وحظرته من دخول الملاعب، كما لم يتمكن برشلونة من تقديمه للإعلام بعد شرائه، إلى أن سمحت له محكمة التحكيم الرياضية بالتدريب مع النادي حتى انتهاء فترة العقوبة.
الحارس روبرتو روخاس
الحارس التشيلي من أفضل حراس العالم في الثمانينيات، انتهى مشواره الكروي بعقوبة الإيقاف مدى الحياة عام 1989 لادعائه الإصابة بأحد الألعاب النارية في ملعب ماركانا، خلال مباراة تشيلي والبرازيل في تصفيات مونديال إيطاليا 90، إلى أن قرر الفيفا العفو عنه عام 2001.
الإسباني خوانتينو
الحكم “خط أحمر” أمرٌ غاب عن ذهن لاعب ريال مدريد الإسباني، عندما اعتدى على الحكم المساعد ودفع الحكم الأول خلال مباراة النادي وجراسهوبر زيورخ السويسري، الأمر الذي عرضه للإيقاف لمدة عامين.
عاد بعدها ليركل الألماني ماثر ماتيوس في ظهره ورأسه خلال مباراة أمام بايرن ميونخ، تسببت في إنهاء مشواره الكروي مع النادي الملكي عام 1987.
الفرنسي إريك كانتونا
أوقف الأسطورة الفرنسي إريك كانتونا، نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي السابق، 9 أشهر خلال عام 1995، عقب اعتدائه على أحد مشجعي فريق كريستال بالاس بركلة “كونغ فو“، كما تم إلزامه العمل شهرين في خدمة المجتمع والنشاطات المدنية.
الإنجليزي فيني جونز
جزار الملاعب الإنجليزية الأشهر فيني جونز، تعرض للإيقاف 6 أشهر عام 1992 بسبب فيديو أعده بنفسه، جمع فيه تدخلاته العنيفة في المباريات، حينما كان لاعبًا في فريق ويمبلدون، كما غرم بـ 20 ألف جنيه استرليني، ثم اتجه لاحقًا إلى التمثيل، واشتهر بأدوار رجل العصابات.
الإنجليزي جوي باترون
كان من أشهر اللاعبين الذين يتسمون بالعنف في إنجلترا، عوقب في 2012 حين كان لاعبًا في كوينز بارك رينجرز بالإيقاف 12 مباراة وتغريمه 72 ألف جنيه استرليني بعد توجيهه ضربة كوع للأرجنتيني كارلوس تيفيز حصل بسببها على بطاقة حمراء، لكن في طريقه للخارج اعتدى بالركبة على الأرجنتيني الآخر سرخيو أجويرو، ونطح برأسه البلجيكي فينسنت كومباني، متناسيًا أنه في مباراة كرة قدم.
الأسطورة مارادونا
العقوبة الأشهر كانت من نصيب الأرجنتيني دييغو مارادونا، وهي أطول عقوبة في التاريخ عندما أوقف 15 شهرًا بسبب تناوله المخدرات وعلاقته بالمافيا في إيطاليا.
على كل حال فالتجارة الرياضية مغامرة إما رابحة أو خاسرة، لكنها أبعدت الرياضة عن معانيها النبيلة، وأصبحت غايتها الربح المادي، والتسويق، والصراع بين الدول أو داخل الدولة الواحدة؛ والأحرى عند هذه الحالات أن ننسى الرياضة، ونخترع لها مسمىً جديدًا.