تميّزت الأوضاع في كل من سوريا ومصر قبل تاريخ الوحدة عام 1958 بالعديد من الأحداث التي كانت تدل على مدى التقارب في أفكار القادة بالدولتين.
عانت كل من سوريا ومصر من اضطرابات داخلية عنيفة، فضلًا عن عدة مصالح مشتركة، أدت إلى الوصول إلى صيغة لتأسيس “الجمهورية العربية المتحدة”، في 22 من شباط 1958.
وكانت الوحدة القصيرة الأجل قد أُعلنت بتوقيع ميثاق “الجمهورية المتحدة” من قبل الرئيسين، السوري شكري القوتلي، والمصري جمال عبد الناصر، واختير إثر ذلك الأخير رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة.
اقرأ أيضًا: لماذا يتذكر السوريون الخمسينيات
نضال من أجل الاستقلال
نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية، خضعت سوريا للانتداب الفرنسي، وفي عام 1940 أعلنت حكومة فيشي الموالية لألمانيا مندوبًا ساميًا لها في سوريا، وهو الجنرال دانتز.
حكومة فيشي هي التي حكمت فرنسا بعد سقوط باريس في الحرب بين عامي 1940 و1944، والتي ألفها المارشال بيتان، وكان نفوذها مقتصرًا على الأجزاء التي لم تخضع لحكومة فرنسا الحرة برئاسة الجنرال شارل ديغول، وكان مقرها مدينة فيشي، وسط فرنسا.
ولكن خلال فترة حكومة فيشي، اتحدت رغبة رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، مع رغبة ديغول لوضع نهاية لحكومة فيشي في سوريا ولبنان، ولأجل كسب قادة سوريا إلى جانبهم، أعلن الجنرال كاترو باسم الجنرال ديغول بيانًا اعترف فيه باستقلال سوريا ولبنان، وإلغاء الانتداب في 1941، وفق ما نشرته موقع “التاريخ السوري المعاصر“.
اقرأ أيضًا: ثمن استقلال سوريا من الفرنسيين دفعته في أيار.. حامية البرلمان
ومن أجل إعادة الهدوء والاستقرار إلى سوريا، قامت فرنسا بتعيين تاج الدين الحسني رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة عام 1943، وفازت في هذه الانتخابات “الكتلة الوطنية“.
وانتخب فارس الخوري حينها رئيسًا للمجلس النيابي، وانتخب المجلس شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية في 17 من آب 1943، ونُقلت جميع السلطات التشريعية والتنفيذية إلى الحكومة السورية، وشُكّلت وزارة برئاسة سعد الله الجابري.
وجاء جلاء القوات الفرنسية من سوريا بعدما قامت كل من بيروت ودمشق بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر أمرًا لفرنسا بإخراج جيشها من سوريا ولبنان مدعمًا من الاتحاد السوفييتي السابق وأمريكا، وقد كان جلاء آخر جندي فرنسي في 31 من كانون الأول 1946، فأعلنت سوريا استقلالها في 17 من نيسان 1946، كدولة وطنية ضمن حدود جغرافية جديدة.
اقرأ أيضًا: نصوحي البخاري.. رئيس وزراء سوري في أوقات مشحونة بالتوترات السياسية
اقرأ أيضًا: مهدت لأول انقلاب في سوريا.. ماذا تعرف عن اتفاقية “التابلاين”
الدخول في دوامة الانقلابات
خرجت سوريا من الانتداب الفرنسي ضمن حالة اقتصادية متردية، تسودها الروح العشائرية ومصالح عائلات الطبقة البرجوازية، وكان رجال الإقطاع وزعماء المدن والعشائر قد سيطروا على البلد، وجلّهم كانوا من أتباع الحكومة الفرنسية.
ورغم هذه التحديات، عاشت البلد فترة من الحكم التعددي والديمقراطي والانفتاح الاقتصادي، حتى دعيت سوريا حينها بـ”يابان الشرق” لتُعرف الفترة اللاحقة باسم “فترة الحكم الوطني”، الذي كان عماده الرئيس “الحزب الوطني” و”حزب الشعب”، المنبثقين عن “الكتلة الوطنية” التي قادت سوريا إلى الاستقلال.
اقرأ أيضًا: سامي الحناوي.. الرئيس السوري الذي قُتل ثأرًا
عكّر صفو تلك المرحلة تدخّل الانقلابات العسكرية، التي بدأت بانقلاب حسني الزعيم في 1949، الذي كان مدعومًا من المخابرات الأمريكية، من أجل قيام حكم دكتاتوري لمدة قصيرة من أجل مواجهة النفوذ الشيوعي، الذي كان يلعب دورًا للوصول إلى سوريا، عن طريق تأمين مد أنابيب البترول.
كانت هذه الفترة من أسوأ مراحل الحياة السياسية في سوريا، إلا أن هذا الانقلاب لقي مقاومة سياسية من بعض الأحزاب السورية، وفي 14 من آب 1949، قامت مجموعة من الضباط بقيادة سامي الحناوي وأديب الشيشكلي بمحاصرة بيت حسني الزعيم وإعدامه.
وحدة أم استعمار جديد؟
فشل انقلاب الزعيم، فجاء انقلاب سامي الحناوي في نفس العام، وقد كان هذا الانقلاب في إطار السعي نحو وحدة سوريا والعراق، وكانت المخاوف من هذه الوحدة هي أن تكون مشروعًا استعماريًا يهدف إلى نقل سوريا التي تحررت حديثًا من الاستعمار الفرنسي للخضوع تحت سيطرة الانتداب البريطاني بثوب هاشمي، وعارض كثيرون هذا المشروع خارج وداخل البلد.
وقام العقيد أديب الشيشكلي باعتقال سامي الحناوي وإنهاء هذه المرحلة، ووضع حد لمساعي الاتحاد بين سوريا والعراق.
اقرأ أيضًا: حسني الزعيم.. 137 يومًا من حكم سوريا
كان هذا الانقلاب العسكري الثالث الذي وقع أواخر عام 1949، بقيادة فوزي سلو الذي درس في الكلية الحربية بحمص، والعقيد أديب الشيشكلي، من أجل إبطال مشروع الاتحاد مع العراق.
واجتمعت الجمعية التأسيسية وتم انتخاب هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية، وشكّل ناظم القدسي الحكومة، وبعد عامين عدّل الشيشكلي الدستور وصار بموجبه رئيسًا للجمهورية، فضلًا عن انتخاب مجلس نيابي جديد، ولكن لم يدم حكم الشيشكلي طويلًا بسبب انقلاب عسكري أطاح بحكمه.
الانقلاب الذي أطاح بحكم الشيشكلي كان الرابع في تاريخ سوريا، فغادر الشيشكلي إلى الأرجنتين، حيث اغتيل بعد خمسة أعوام على يد شاب درزي اسمه نواف غزالة، بسبب ممارسات الشيشكلي العنيفة ضد أبناء الطائفة الدرزية في سوريا.
وعند هذا الحد، انتهت سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا قبل الوحدة مع مصر، بعودتها إلى سابق عهدها كما كانت قبل انقلاب الشيشكلي، وعاد هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية وناظم القدسي رئيسًا للوزراء، ثم استوفت الحياة الدستورية في البلد.
وانتُخب شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية في 16 من آب 1955، الذي شهد على قيام الوحدة بين سوريا ومصر، التي جاءت نتيجة تفاعلات سياسية بشكل متسارع بين البلدين، حيث كانت الأحزاب السياسية في سوريا متحمسة للوحدة مع مصر.
وتم وضع المبادئ العامة لـ”الجمهورية العربية المتحدة”، بأن يكون نظام الحكم فيها ديمقراطيًا ورئاسيًا.
–