نشر معهد “الشرق الأوسط للأبحاث” استطلاع رأي، الثلاثاء 22 من شباط، لـ300 عائد إلى سوريا في جميع مناطق السيطرة الأربع، واتخذ المشروع مقاربة منهجية في تقييم النتائج مقابل 22 عتبة حماية للأمم المتحدة، “يجب الوفاء بها قبل بدء عمليات العودة الطوعية الجماعية”.
وأشرف على المشروع الباحث والمحلل السياسي السوري سامي عقيل، والمستشار السوري المستقل كرم شعار، بالإضافة إلى الباحثة الإنسانية من الولايات المتحدة آشلي جوردان.
وردًا على موجة التطبيع مع النظام السوري التي شهدها عام 2021، مع إجبار بعض الدول اللاجئين على العودة أو حرمانهم من اللجوء على الفور، أُصدرت سلسلة من التقارير من قبل مجموعات المناصرة، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش“، سلّطت الضوء على الانتهاكات التي قد يواجهها السوريون عند عودتهم.
وأشار البحث إلى أن الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب والابتزاز والاغتصاب، ما زال منتشرًا رغم انخفاض العمليات العسكرية.
واعتبر القائمون على البحث تقارير المناصرة بمثابة مساهمة قيّمة لبنك المعلومات المتاحة، وأن التركيز على الحوادث المعزولة داخل منطقة سيطرة النظام السوري، لا يعكس الاتجاهات الأكبر في سوريا.
ويقول القائمون على البحث، إنه نتيجة لذلك، يمكن تقديم ادعاء بأن أجزاء أخرى من البلاد، على سبيل المثال الشمال الشرقي، آمنة للعودة على أساس وجود مشاريع استقرار جارية، ووجود أمريكي، وعدد أقل من التوغلات العسكرية، ويجادل البعض بأن شمال غربي سوريا آمن لعودة اللاجئين من تركيا، نظرًا إلى سيطرة الأخيرة على المنطقة.
وبحسب المعهد، فإن هذه التقييمات ليست عادلة، بل تعكس كيف أن نقص المعلومات والشهادات من السوريين أنفسهم يضلل صانعي السياسات، ويؤدي إلى سياسات العودة المبنية على أسس معيبة.
ويضيف المعهد، أن الدافع وراء الافتراض بأن سوريا آمنة للعودة هو غالبًا النفعية السياسية والتكافؤ الخاطئ بين “السلامة” والعمليات العسكرية المخفضة في منطقة معيّنة، بدلًا من الفهم العميق للظروف على الأرض والتحديات التي يواجهها العائدون.
ومع قيام النظام السوري ووجهات فاعلة أخرى بعرقلة الأمم المتحدة عن تنفيذ آليات مراقبة مستقلة وقوية في جميع أنحاء سوريا، فإن البيانات المتعلقة بتكرار الانتهاكات التي يتعرض لها العائدون غير كاملة، كما تتم إعاقة مراقبة الحماية بشدة، ما يجعل من الصعب إثبات انتظام الانتهاكات ضد العائدين، في حين يرفض العديد من العائدين المشاركة في الاستبيانات، ولا يشعر البعض الآخر بالراحة في الإجابة عن بعض الأسئلة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يتمتع الباحثون والمراقبون بإمكانية الوصول إلى نظام السجون شديد التعقيد في سوريا، وهو أمر ضروري لتقييم الوضع وتقديم صورة واضحة لما يحدث في غياب التعاون الدولي، وبالتالي يضطر المجتمع المدني السوري إلى القيام بعملية مطولة ومضنية لجمع البيانات الصحيحة.
في محاولة “لسد الفجوة”، ومع زيادة الضغوط على العودة، قامت منظمة “أصوات لأجل المهجرين” (VDSF) ومركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC) بتنفيذ مشروع بحثي هو “الأول من نوعه”، لتحديد الحد الأدنى من التكرار والأنواع من الانتهاكات التي تعرض لها العائدون في جميع أنحاء سوريا، بناء على وجهات نظرهم وتجاربهم.
ويهدف التقرير إلى الحصول على فهم، على الأقل، للحد الأدنى من تكرار حدوث الانتهاكات، وهي “خطوة حاسمة” في المناقشات حول العودة، يمكّن هذا صانعي السياسات من اتخاذ قرارات أكثر استنارة حول العودة إلى سوريا.
ويفصل التقرير النهائي لمركز “السياسات” الانتهاكات على مستويات متعددة، بما في ذلك السلامة الجسدية والنفسية الاجتماعية والمادية والقانونية.
ووفقًا لمعهد “الشرق الأوسط”، يتميز المشروع نفسه عن الأبحاث السابقة من خلال تعريف العائدين ليس فقط على أنهم لاجئون عادوا إلى سوريا من الخارج، بل نازحون سوريون داخليًا عادوا إلى مناطقهم الأصلية من منطقة سيطرة مختلفة.
وتم تقسيم العينة بالتساوي بين العائدين من الخارج ومن داخل البلد، ما سمح للبحث بالتقاط قدر أكبر من الفوارق الدقيقة حول التحديات التي يواجهها العائدون الداخليون أيضًا.
وذكر المعهد أن العديد من السوريين الذين شملهم الاستطلاع لم يشعروا بالراحة في تقديم تفاصيل حول القضايا الحساسة التي قد تؤدي إلى استهدافهم، ما يعني أنه لا شك في أن تواتر الحوادث وخطورتها لا تُحسب.
يوضح التقرير أن الانتهاكات الموثقة سابقًا بعيدة كل البعد عن الحوادث المعزولة، ولا تقتصر على المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام، ما يعني أنه “لا يمكن ضمان سلامة العائدين”.
“يعمل التقرير أيضًا كمخطط أولي لمبادرات المراقبة المستقبلية، ومثال على كيفية اكتساب فهم أكثر دقة للتجارب الفردية التي يصعب فهمها”.
تجارب العودة
أفاد 41% من عينة العائدين بأنهم لم يعودوا إلى سوريا طواعية، في حين قال 42% إن عوامل الدفع لعبت دورًا أكبر في قرارهم، وتضمنت هذه العوامل سوء الأوضاع المعيشية في المناطق المضيفة، والوضع الأمني غير المستقر، وعدم القدرة على مواصلة الدراسة.
ويشير التقرير إلى أن جزءًا كبيرًا من الذين يبلغون بأنفسهم عن عودتهم على أنها طوعية، لا يزالون لا يستوفون تعريف الأمم المتحدة للعودة الطوعية، بعد أن تم دفعهم من خلال أشكال مختلفة من الإكراه أو القوة من مكان نزوحهم.
وذكر 24% من العائدين “عوامل الجذب” (بدلاً من الدفع)، كحافز أساسي لعودتهم، وكانت أغلبية هذه العينة من العائدين من الخارج، تم سحبهم من خلال لم شمل الأسرة، ويوضح هذا الأمر أن السياسات التقييدية حول لم شمل الأسرة في البلدان المضيفة، هي قوة رئيسة وراء قرار السوريين بالعودة، “وربما تكون بمثابة شكل من أشكال الإكراه”.
وانقسمت مشاعر الندم بشأن العودة، على مستوى سوريا بأكملها، وشعر 52% من العائدين بالثقة بشأن قرارهم، وأعرب 48% عن ندمهم تمامًا.
السلامة الجسدية في خطر
أفاد 17% أنهم تعرضوا، أو تعرض أحد أقربائهم، للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي على مستوى سوريا بأكملها خلال عام 2021 وحده.
وذكر 11% أنهم تعرضوا، أو تعرض أحد أفراد أسرتهم، للعنف الجسدي أو الأذى، و7% فضّلوا عدم الإجابة.
وبحسب المعهد، كانت المخاوف بشأن السلامة الجسدية أكثر تواترًا في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة النظام أكثر من أي مكان آخر، وخاصة بالنسبة إلى العائدين الداخليين.
وقال 46% من العائدين داخليًا في مناطق حكومة النظام، إنهم تعرضوا، أو تعرض أحد أفراد أسرتهم للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي خلال عام 2021، مقارنة بـ18% من الخارج، بينما أفاد 30% أنهم، أو أحد أحبائهم، تعرضوا للعنف الجسدي أو الأذى، مقارنة بـ18% من الخارج، ويسلّط هذا الأمر الضوء على أن هناك حاجة ملحة لآليات مراقبة الحماية، ليس فقط للاجئين العائدين من الخارج، ولكن أيضًا للعائدين داخليًا.
بالإضافة إلى أن 27% من العائدين في جميع مناطق السيطرة، تعرضوا، أو تعرض أحد المقربين منهم، للاضطهاد بسبب موطنهم الأصلي، أو تركهم سوريا بشكل غير قانوني، أو لتقديم طلب لجوء في الخارج.
العودة إلى أين؟
وجد الاستطلاع على مستوى سوريا بأكملها، أن 11% من العائدين الذين يمتلكون العقارات والأراضي في منطقتهم، لم يتمكنوا من استعادتها، و6% فضّل عدم الإجابة، إذ كانت الأسباب الرئيسة المذكورة هي تدمير المنزل أو احتلاله من قبل الجماعات المسلحة.
ويواجه النازحون صعوبة أكبر في استعادة ممتلكاتهم، بوتيرة أعلى بكثير من العائدين، ما يشكّل عقبة كبيرة أمام قدرتهم على العودة.
ويؤكد المعهد أن من غير المرجح أن تعكس البيانات الواردة هنا متوسط الوضع بالنسبة إلى معظم النازحين السوريين، إذ تضمّنت عينة البحث فقط السوريين الذين عادوا بالفعل (الذين لديهم منزل للعودة إليه)، ومن المرجح أن يكون معدل انتشار اللاجئين السوريين والنازحين داخليًا غير القادرين على استعادة السكن والأرض والملكية الخاصة بهم أعلى.
التوثيق والحماية
من حيث التوثيق، ذكر ما لا يقل عن 32% من العائدين، أنهم، أو أحد أفراد أسرتهم، واجهوا بعض الصعوبات على الأقل في الحصول على وثائق للأطفال المولودين خارج سوريا، أو الأزواج الأجانب، أو غيرهم.
وأفاد 21% من العائدين على مستوى سوريا بأكملها، أنهم كافحوا للحصول على جوازات سفر، ونسبة 21% في تسجيل الأطفال المولودين خارج سوريا، و16% في تسجيل الزواج.
وبحسب المعهد، ذكر ربع العائدين بالتفصيل، أنهم، أو أفراد عائلاتهم، فقدوا الوثائق الرسمية (الصادرة عن الحكومة السورية)، ما يعرضهم لخطر انعدام الجنسية، “وهي مشكلة يمكن أن تصبح كارثة كبيرة في المستقبل إذا تُركت دون معالجة”.
وأكد عدد قليل من العائدين وجود قنوات العدالة وإنفاذ القانون لمساعدتهم على معالجة الانتهاكات التي عانوا منها في مجتمعاتهم بشكل كافٍ، إذ صرح 27% من العائدين أن هذه القنوات غير موجودة على الإطلاق، بينما صرح 15% بوجودها.
من خلال التضييق في مناطق حكومة النظام، أفاد العائدون أن هذه القنوات لم تكن موجودة تقريبًا (3% فقط بشكل عام و0% في مدينة دمشق قالوا إنها موجودة).
وقارن المعهد هذا الرقم في “الحكومة السورية المؤقتة/ حكومة الإنقاذ السورية” (SIG /SSG)، إذ بلغ حوالي 20%.
“ومما يثير القلق أيضًا، أنه حتى في حالة وجود قنوات لإنفاذ القانون، فقد لا تكون هناك مستويات من الراحة والثقة، وأن العائدين في جميع أنحاء سوريا سيكون لديهم مستوى منخفض بشكل عام من الراحة في الاتصال بجهات إنفاذ القانون المحلية، إذا كانوا ضحايا لجريمة أو عنف جسدي”.
الصورة الكبيرة
تُعد عتبات الحماية الـ22 التي وضعتها الأمم المتحدة، المؤشرات الرئيسة المستخدمة لتبرير الانتقال إلى عمليات العودة على نطاق واسع.
وفقًا لتقييم المعهد، فإن 16 عتبة تعتبر حاليًا “غير مستوفاة”، بينما يمكن اعتبار أربع عتبات “مستوفاة جزئيًا”، واثنتين غير واضحتين للغاية لاتخاذ قرار مستنير، “ما يتطلب مزيدًا من البحث”.
ولم يعتبر المعهد أيًا من العتبات مستوفاة بشكل كافٍ، ويدل ذلك على أن الشروط غير مناسبة للسماح بالعودة الميسرة للاجئين والنازحين السوريين، وينطبق هذا على جميع مناطق سوريا، وبشكل خاص في مناطق سيطرة النظام السوري.
وبحسب المعهد، يجب على أصحاب المصلحة أن يحيطوا علمًا بأن السياسات الأخيرة حول عمليات العودة لا تستند إلى أدلة، ولكن في محاولة من قبل حكومة النظام وأطراف النزاع الأخرى لتعزيز الوهم الذي تم إنشاؤه بعناية بشأن السلامة والاستقرار في البلاد.
ويتعرض السوريون لأذى مضاعف، ليس فقط من قبل نظام يواصل ملاحقتهم من خلال وسائل قضائية وسياسية وأمنية غير إنسانية وسرية، ولكن أيضًا من خلال السياسات الدولية التي تمكن هذه الاتجاهات من الاستمرار من خلال إدامة وإضفاء الشرعية على النظام.
–