أعادت التسريبات المصرفية لبنك “Credit Suisse” السويسري قبل أيام، قضية النظام المصرفي السويسري إلى الواجهة، بعد أن صارت المصارف السويسرية ملاذًا آمنًا للمجرمين والسياسيين الفاسدين وأصحاب الثروات المشبوهة.
وكشفت التسريبات التي سمّيت بـ”Suisse Secrets” حسابات لأكثر من 30 ألف عميل في بنك “Credit Suisse”، منهم شخصيات عربية بارزة تحوم الشبهات حول طريقة جمعها لهذه الأموال.
ويأتي في مقدمة هذه الشخصيات، النائب السابق للرئيس السوري، عبد الحليم خدام، والرئيس الجزائري الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، وعلاء وجمال مبارك نجلا الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك.
وبعد التسريبات، دعا التجمع السياسي الرئيس في البرلمان الأوروبي إلى مراجعة الممارسات المصرفية في سويسرا، وإدراجها المحتمل في قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء لـ”الأموال القذرة”، وهي قائمة الدول التي تشكّل مخاطر مالية على الاتحاد الأوروبي، بسبب القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
الأكثر سرية
تعدّ “السرية المصرفية” التي ضمنها القانون السويسري، وتوفّرها البنوك السويسرية لعملائها، أبرز الميزات التي تجعلها وجهة لكثير من أثرياء العالم، لا سيما أولئك الذين تدور الشبهات حول مصادر أموالهم.
وتمثّل سويسرا المركز المالي الأكثر سرية في العالم، وفقا لـ”شبكة العدالة الضريبية”، وهي منظمة غير حكومية يتمثل هدفها الأساسي في المطالبة بمزيد من الشفافية.
وفقًا لموقع “Super Money“، فإن من غير القانوني في سويسرا الكشف عن هوية أصحاب الحسابات البنكية، ولا يمكن للبنوك السويسرية أن تسلّم أسماء عملائها للمحققين أو الحكومات الأجنبية، فإذا فعلت ذلك، يمكن مقاضاتها من قبل الحكومة السويسرية.
وبموجب هذه السرية، لا تشارك البنوك أي معلومات عن العميل أو تعاملاته أو تحويلاته أو المبالغ التي أودعها، كما لا يحق لها إخبار أي جهة عن امتلاك هذا الشخص حسابًا لدى البنك أو عدمه.
وتُخرق هذه السرية في استثناءات معيّنة، كأن تُرفع دعوى قانونية على صاحب الحساب، تتعلق مثلًا بتهريب المخدرات أو الجريمة المنظمة، فحينها يجبر القانون السويسري النظام المصرفي على الإفراج عن المعلومات المحمية.
دولة محايدة وعملة مستقرة
تصف سويسرا نفسها بأنها محايدة منذ عام 1674. وفي مؤتمر “فيينا” عام 1815، اُعترف بالحياد السويسري بموجب القانون الدولي.
ومنح هذا الحياد سويسرا استقرارًا سياسيًا أهّلها لأن تكون مقرًا لكثير من المنظمات الدولية، وميزات اقتصادية جعلتها من أغنى دول العالم، ما جعل كثيرًا من السياسيين والقادة ورجال الأعمال يلجؤون إليها للحفاظ على ثرواتهم.
وتعد عملة سويسرا، وهي الفرنك السويسري، واحدة من أكثر العملات أمانًا في العالم، إذ لا يوجد تضخم تقريبًا لهذه العملة، كما أنها مدعومة بنسبة 40% على الأقل من احتياطيات الذهب في جميع الأوقات، ما يزيد من الأمان المالي التي يجب أن تقدمها الدولة.
وفي حال وقوع كارثة طبيعية، كحريق أو فيضان أو زلزال، فإنه وفقًا لـ”جمعية المصرفيين السويسريين”، يحصل صاحب الحساب على تعويض بالكامل عن أمواله المتضررة، وهذا مستوى من الحماية نادر وجوده في دول العالم الأخرى، بحسب موقع “Super Money”.
عصر “السرية المصرفية” إلى الزوال
على مدى عقود، تعرضت البنوك السويسرية لضغوط من دول، أبرزها الولايات المتحدة، للكشف عن تفاصيل أصحاب حساباتها.
ووفقًا لموقع “GQ India“، فإن الضغوط الأمريكية على البنوك السويسرية بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما حاولت الحكومة خنق تمويل عصابات المخدرات، لتزداد هذه الضغوط بعد “أحداث 11 أيلول”، حين طلبت الولايات المتحدة من البنوك الكشف عن حسابات مرتبطة بأنشطة إرهابية مشتبه بها.
وبحسب وكالة “رويترز“، انتهى “عصر السرية المصرفية السويسرية” اعتبارًا من تشرين الأول عام 2018، إذ قالت “إدارة الضرائب الفيدرالية” (FTA) حينها، إنها قامت للمرة الأولى بتبادل بيانات الحساب المالي وفقًا للمعايير العالمية التي تهدف إلى قمع الغش الضريبي.
وتتيح اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع كثير من الدول، مشاركة معلومات تتضمن اسم مالك الحساب وعنوانه وبلد إقامته ورقم التعريف الضريبي، بالإضافة إلى المؤسسة المبلغة ورصيد الحساب ودخل رأس المال، ويتيح ذلك للسلطات التحقق مما إذا كان دافعو الضرائب قد أعلنوا بشكل صحيح عن حساباتهم المالية خارج دولهم.
وشكّل هذا الإجراء تهديدًا للسرية المصرفية التي ضمنتها بنوك سويسرا لعملائها طوال عقود، لتأتي التسريبات الأخيرة كضربة قد تكون “القاضية” لهذه البنوك.
–