برز اسم محافظ السويداء، نمير حبيب مخلوف، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها السويداء منذ مطلع شباط الحالي، إذ بدأ بلعب دور لإدارة الاحتجاجات وبتصريحات متوالية تعكس عقلية النظام السوري بالتعامل معها.
وفي 10 من شباط الحالي، استقبل المحافظ وفدًا روسيًا، بالتزامن مع وصول تعزيزات أمنية “غير مسبوقة” إلى المحافظة، بحسب شبكة “السويداء 24”.
وطمأن مخلوف الوفد الروسي حينها، بأن “السلطات على اطلاع جيد بما يجري، وتبقي الوضع تحت السيطرة”.
واعتبر أن “الإعانات والمزايا الملغاة” (رفع الدعم الحكومي) التي سببت الاحتجاجات، تنطبق فقط على “الشرائح الثرية” من السكان الذين يمتلكون أكثر من سيارة، ويملكون عقارات خارج المنطقة، وكذلك على المواطنين ذوي “الدخل المرتفع”، بحسب الشبكة المحلية.
من نمير مخلوف
أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أربعة مراسيم أنهى بموجبها وظيفة أربعة محافظين لكل من اللاذقية وإدلب ودرعا والسويداء، في تشرين الثاني 2021.
وكان أبرزها تعيين ابن خاله نمير مخلوف محافظًا للسويداء، خلفًا لهمام ديبات، التي تشهد حالة من الفلتان الأمني في ظل تعدد الفصائل العسكرية المحلية فيها.
وشغل مخلوف سابقًا منصب المدير العام لـ”الشركة السورية لنقل النفط” في مدينة بانياس، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
كما عمل مخلوف موظفًا في الإدارة العامة لمؤسسة معامل “الكونسروة”، التي أغلقها النظام عام 2006 بسبب قضايا فساد أفضت إلى إفلاس المؤسسة.
وعبر منصة تحمل اسم “مفكر حر“، قال الناشط زياد الصوفي، الذي ينحدر من محافظة اللاذقية، والمعروف بنشره معلومات بشكل دوري عن آل مخلوف والأسد في سوريا، إنه بعد إفلاس معمل “الكونسروة”، أوعز ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري لوزير النفط، إبراهيم حداد، لتعيين نمير مخلوف مديرًا عامًا لشركة النفط.
ومع رفض الوزير تعيين مخلوف في المنصب، بسبب اتهامه بقضايا فساد، أُقيل حداد من منصبه، واستبدل به الوزير سفيان علاو الذي عَيّن مخلوف مديرًا عامًا للشركة.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي، فإن نمير مخلوف شغل منصب مدير عام الشركة السورية لنقل النفط الخام، في حمص عام 2010.
وبحسب ما أكده فراس الأسد، ابن عم بشار الأسد، لعنب بلدي، فإن نمير مخلوف هو ابن خال رئيس النظام.
وأشار فراس الأسد إلى أن حبيب مخلوف، والد نمير، هو شقيق محمد مخلوف والد رامي، وصاحب إمبراطورية مخلوف الاقتصادية في سوريا.
ذاكرة درعا على مشارف السويداء
مع توليه منصب محافظ السويداء، أصدر نمير مخلوف أوامر لأحد قياديي المجموعات المحلية المسلحة في السويداء، تُبيح قتل المدنيين بذريعة “فرض هيبة السلطة”، بحسب تسجيلات صوتية نشرتها صفحة “السويداء ANS“ المحلية.
الأمر الذي أعاد إلى الأذهان بداية الحراك السلمي في درعا، جارة السويداء، الذي أسفر عن اعتقال أمن النظام عددًا من الأطفال فيها، وأوصى أهاليهم على لسان رئيس “الأمن السياسي” حينها، ابن خالته عاطف نجيب، بإنجاب غيرهم.
وأكد نجيب، حينها، أن رجاله في المخابرات يستطيعون مساعدة أهل درعا على إنجاب أطفال لهم، إن لم يكونوا قادرين على ذلك، وفق روايات سكان المحافظة عن الواقعة.
سبق أن قال محافظ السويداء، نمير مخلوف، لشيوخ عقل الطائفة الدرزية، في كانون الأول 2021، إن الملف الأمني في المحافظة له أهميته البالغة، مشيرًا إلى أن التعامل معه سيجري “بالود أولًا، وبالتفاهم والتعاون بين مكوّنات المجتمع، على رأسها رجال الدين والدولة والجهات المعنية”.
ومع التضامن الذي حققته الاحتجاجات بالسويداء في محافظات سورية عدة، والدعوات التي شهدتها محافظات أخرى للتظاهر جنبًا إلى جنب مع السويداء احتجاجًا على الأوضاع المعيشية المتردية والتي تزامنت مع رفع الدعم الحكومي عن شريحة كبيرة من السوريين، لم تشهد المنطقة تصعيدًا أو صدامًا بين المتظاهرين وقوات أمن النظام.
عوضًا عن ذلك، عمدت قوات النظام إلى استدعاء شبح تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يقف على مشارف السويداء لأكثر من عامين، إذ قُتل على أيدي التنظيم المئات من سكان السويداء في أثناء هجمات شنها شرقي المحافظة عام 2018.
قوى الأمن انتشرت في المنطقة الشرقية للسويداء بالتزامن مع الاحتجاجات، وأبلغت بعض وجهاء السويداء عن سبب تجولها في المنطقة، زاعمة وجود مخاوف من تجدد نشاط خلايا التنظيم في البادية، وسط إشارة إلى نشر نقاط عسكرية في المنطقة الشرقية، لـ“حماية السكان” من التنظيم، بحسب شبكة “السويداء 24” المحلية.
لماذا السويداء
في حزيران 2020، خرجت مظاهرات في مدينة السويداء جنوبي سوريا، نادت بسقوط النظام ورحيل بشار الأسد، واستمرت لعدة أيام على التوالي.
ردّد خلالها المتظاهرون الذين تجمعوا أمام مبنى المحافظة هتافات داعمة للمحافظات السورية، وتضمنت الهتافات: “السوري يرفع يده بشار لا نريده”، و”يا سوريا السويداء معاك حتى الموت”، وذلك قبل توجه المحتجين إلى سوق المدينة.
تبعها العديد من الاحتجاجات التي لم تتدخل بها قوات النظام بأسلوبها العنيف الذي اعتادته في مناطق أُخرى من سوريا، وحاولت التهدئة وتقديم الوعود في كثير الأحيان أو إدخال وجهاء ورجال دين المنطقة كوساطات لتهدئة غضب الشارع، أو اعتقال بعض الناشطين في بعض الحالات.
إلا أن أحدث عملية اعتقال لناشط معارض من أبناء المحافظة أفضت إلى مظاهرات جديدة قُتل خلالها مدني وجُرح ثلاثة آخرون إثر استهدافهم من قبل قوات النظام بالقرب من دوار “الباسل” وسط المحافظة، بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من مصدر طبي في مستشفى “السويداء الوطني”، منتصف تشرين الثاني 2021.
في حين عانت المحافظة من حالة فلتان أمني لسنوات طويلة، وسط غياب تام للأجهزة الأمنية التي وصفها سكان من المدينة، ممن قابلتهم عنب بلدي، بأن مهمتها في المحافظة تقتصر على التدخل عند وجود احتجاجات ضد النظام.
وفي كانون الثاني 2022، شهدت المدينة اعتصامًا لعشرات الأشخاص احتجاجًا على الفلتان الأمني الذي تعاني منه المحافظة منذ سنوات.
تتداخل قوى النفوذ المحلية في محافظة السويداء، وتنشط أفرع أمنية وجماعات مسلحة وعصابات في محاولة لفرض نفسها على الأرض، لتكون رقمًا فيما هو مقبل لمستقبل المحافظة.
ولا يسيطر النظام السوري عسكريًا على المحافظة، التي لم تشهد عمليات عسكرية فعلية منذ بداية الثورة السورية عام 2011، لكن للأفرع الأمنية سطوتها، عبر عصابات محلية ودعمها ميليشيا “الدفاع الوطني”.
ولم تُبعد دول مؤثرة في الملف السوري أعينها عن السويداء أيضًا، إذ دعمت تشكيل ميليشيات تدعمها، بينما حاولت بعض الدول استمالة مشايخ عقل الطائفة الدرزية الذين يحظون بمكانة اجتماعية كبيرة، ودور رئيس في حل أزمات المحافظة.
وبشكل متوازٍ، شُكّلت مجموعات مسلحة أخرى، قالت إن هدفها ردع هذه العصابات، والمحافظة على أمن السويداء وسلامة المدنيين، منها حركة “رجال الكرامة”، وفصيل “مكافحة الإرهاب”، ومجموعة “غيارى القريا”، وغيرها.
–