عروة قنواتي
الحمد لله الذي جعلني بعيدًا عن حب وعشق وانتظار وعتاب هذا المنتخب، بل الحمد لله ألف مرة أنني لم أعد أشعر بأي رابط وبأي حنين وبأي رغبة في متابعة هؤلاء، أصحاب هوية الاتحاد الرياضي العام، “سيرك” النظام السوري بالمجال الرياضي، والمعتقل الذي قضى على إبداعات وشغف وتميّز كثير من الرياضيين.
يمكن القول اليوم، إن دمشق تحوي مستنقعًا للحركة الرياضية، حيث بلغ العفن كل مفاصل وأطراف الرياضة في بلادنا وخصوصًا كرة القدم، وفي كل يوم وكل وعد وعهد من تلك المجموعة بالوصول إلى “المونديال” أو إلى أعلى المنصات القارية والدولية، باسم نظام الأسد وجيشه، تخيب الآمال وتظهر جروح ممزوجة بقيح عمره 50 عامًا، لتؤكد نظرة من انفصل وابتعد عن تشجيع ومحبة هؤلاء بأن لا نجاح في هذه البلاد رياضيًا إلا بعاصفة لا تبقي ولا تذر، قد لا يبقى بعدها وقت للحساب، ولكن الأوراق التي ستظهر من ملفات المستنقع ستكفي القارئ والناظر والمتابع للتأكد بأنه لا أمل بعد أن صار العفن واقعًا والإصلاح من سابع المستحيلات.
ولكن، وعلى اعتبار أن الشارع عاد لينشغل بتصريحات تطال رؤوس المؤسسة الرياضية والكروية في دمشق، وما وُصف بـ”فشة قهر” عديد اللاعبين في جوقة منتخب النظام السوري، وعلى رأسهم حارس المرمى إبراهيم عالمة، بما يخص الإساءات التي تعرض لها المنتخب، والإهانات التي لحقت باللاعبين في التصفيات الأخيرة، وخصوصًا في الفترة التي تلت تعيين المدرب نزار محروس ورحيله، والروماني تيتا ورحيله، والخروج رسميًا من تصفيات كأس العالم 2022… سأعود إلى حكاية المنتخب والقائمين عليه سريعًا.
ما تحدث به عالمة صحيح، ويجري في أروقة المنتخبات الوطنية على الأقل منذ دورة المتوسط 1987 وحتى اليوم، وما أشار إليه المحترف إياز عثمان حول العنصرية في المنتخب، وتوصية البعض باللجوء إلى هذه الأفعال والتوصيفات صحيح، وقد سبق أن تم التعامل بهذا المستوى الهابط والأسلوب المقزز مئات المرات. وبالرغم من أن عثمان عاد ليعتذر عن تصريحاته على أمل أن يعود مجددًا إلى المنتخب برغبة المدرب، كان قرار اللجنة المؤقتة وبيانها بإبعاده فصل الخطاب في هذه القضية.
مبدأ الشحاذة من كوادر المنتخبات الشقيقة والصديقة ومن سفارات الدول الأجنبية ووفودها الدبلوماسية جارٍ أيضًا على قدم وساق، بل وصار نهجًا معتمدًا لا يلقى حسيبًا أو رقيبًا في هيكلية رياضية تتبع لحزب أوحد في البلاد، ولقيادة عسكرية أمنية، ولو قررت أن تزور مكاتبهم وأنت في مفصل رياضي أو عضو مجلس إدارة اتحاد أو نادٍ محلي مقتدر لقيل لك فورًا: “شو وين الشنتة يا حبيب؟ جيبولنا بيجاما يا غالي!”، ومن هذه “الكليشيهات” التي تبدأ عند التجار وأعضاء الأندية المقتدرين، وتنتهي في مطارات الدول التي تدخل إليها وفود سوريا الرياضية بعقلية: “دبر راسك”.
ولكن الصادم هذه الأيام أن هناك من ينتظر من عالمة وغيره أن يتحدث بالأسماء والتفاصيل والإشارات الواضحة للشخصيات الفاسدة، أو التي ركبت موجة منتخب الحلم الذي وعد بالوصول إلى كأس العالم للانتصار مع القيادة الرياضية والسياسية والجيش على المؤامرة الكونية!
هناك من ما زال يعتقد أن عدد الفاسدين قليل، وأن عالمة بريء ومن معه مظلوم يتعرض فقط للإقصاء و”للعتالة والإذلال”، غير أن السنوات الماضية كانت تحفل بتدخلات ووصاية أمثال عالمة على المنتخب وقراره، وحتى على آراء المدربين وقراراتهم، بدءًا من شارة الكابتن ولمن ستُعطى وصولًا إلى من سيدخل في التشكيلة الرئيسة ومن سيبقى حبيس الدكة، وليس انتهاء بتقارير “كعب الدست”، التي يكتبها الشاب الظريف أو الإداري العتيد أو القيادي الشرس بحق لاعب لا يصفق ولا يدبك ولا يرضى بفساد الكرة في البلاد… وفهمكم كفاية.
ستُطوى الصفحة كما قلنا سابقًا وكما تحدثنا مرارًا وتكرارًا، وسيعود من يتألم الآن من نتائج وأوضاع الرياضة في البلاد للتشجيع والانتظار وحياكة الآمال كما “كنزة” الصوف في المستقبل القريب، لأنه وكما يقال بالمثل الشعبي: “هيك مظبطة بدها هيك ختم”… وبسلامتكم!