عنب بلدي – درعا
مرتديًا ثوبه الأبيض “الاستاتيكي” الخاص بتربية النحل، فتح جابر (40 عامًا) أول خلية في منحلته بريف درعا الغربي ولم يجد نحله فيها، استمر على هذه الحال حتى وجد معظم الخلايا فارغة.
من أصل 30 خلية، لم يجد جابر، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، سوى ثلاث خلايا تحتوي على النحل.
نظرًا إلى أهمية تربية ورعاية النحل كمنتج للعسل، بالإضافة إلى دورها في تشغيل الأيدي العاملة وتحسين المستوى المعيشي للفرد، تشهد محافظة درعا اهتمامًا ملحوظًا بهذا المجال، لكن منذ مطلع شباط الحالي، شهدت المحافظة ظاهرة هجرة جماعية للنحل، دون وجود أسباب مباشرة واضحة لهذه المشكلة.
وفي حال استمرت هذه الظاهرة دون وجود الحلول لمواجهتها، قد تهدد الثروة النحلية بالمحافظة، بالإضافة إلى خسارات مالية للمربين.
ظاهرة جديدة قد تتفاقم
يستخدم مربو النحل في سوريا الخلايا الحديثة في التربية، ويتفاوت إنتاج الخلية من العسل بين المحافظات، وكذلك بين المناطق.
يرجع هذا التفاوت في إنتاج الخلية إلى الاختلاف الواسع في الظروف البيئية والمناخية، وانتشار المراعي، وتنوعها وكثافتها، بالإضافة إلى اختلاف فترة فيض النباتات الرحيقية.
إلا أن ظاهرة هجرة النحل من مراعي درعا جديدة، وفق ما قاله المربي الأربعيني لعنب بلدي، إذ من المعتاد طرد النحل في موسم الربيع، “ينتظر المربون عملية التطريد لزيادة عدد الخلايا، وطرود النحل لا تبعد سوى مئات الأمتار من موقع الخلايا، بينما حاليًا في هذه الظاهرة لا أثر لوجود النحل”.
يستبعد المربي جابر أن يكون لانخفاض درجات الحرارة دور في هجرة النحل، فـ”البرد يؤدي لموت النحل مباشرة لا لهجرتها”. ومن الأسباب التي تؤثر على النحل بشكل رئيس، برأي جابر، المبيدات الحشرية، وقلة المراعي، وقلة الخبرة بالتعاطي مع الأدوية التي قد تضعف مناعة النحل.
تحتاج النحل السورية إلى المزيد من الدراسات والتجارب من قبل الجهات المعنية، خصوصًا أن العناية بالنحل لا ترقى للمستوى المطلوب، بحسب رأي المربي جابر.
ويتخوف جابر من خسارته للخلايا كاملة، فـ”رغم الخسارة الكبيرة التي لحقت بخلايا النحل، فإنني في موسم الربيع قد أعوّض بعض خسارتي، إن لم تستمر الهجرة لجميع الخلايا، وعندها سأشتري طرودًا جديدة”، بحسب ما قاله.
ووصل سعر الخلية بنحلها إلى 600 ألف ليرة سورية (166 دولارًا).
عوائق أمام ترحيل النحل
موسم الجفاف الذي لحق بمحافظة درعا عام 2021، والذي أدى إلى قلة مراعي الأزهار في المحافظة، أثّر سلبًا على تربية النحل، واعتمدت أغلبية مربي النحل على التغذية بمحلول السكر لتأمين الغذاء للنحل، وهذا النوع من التغذية يفقد العسل جودته.
وتأثر قطاع تربية النحل سلبًا في مدينة درعا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تراجعت إمكانية ترحيل الخلايا إلى المحافظات السورية، وكان النحالون يقصدون محافظة الرقة شمالي سوريا في موسم إزهار القطن، وريف دمشق الغربي لجني رحيق اليانسون، ويقصدون محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سوريا لجني رحيق الحمضيات.
وحتى داخل محافظة درعا، صارت حرية النقل شبه معدومة، ومكلفة بعد غلاء أجور السيارات.
ومن المعوقات في تربية النحل انتشار ظاهرة السرقة، وهو ما يدفع المربين لاستئجار ناطور، ما يزيد التكلفة على المربي.
ويحتل حوض وادي اليرموك بريف درعا الغربي المرتبة الأولى بإنتاج العسل في المحافظة، نظرًا إلى خصوبة أرضه، وتوفر الأجواء الملائمة للرعي، كالاعتدال في فصول العام وغيره.
عدم الخبرة ضمن الأسباب
قلة المراعي تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه تربية النحل في المنطقة الجنوبية لسوريا، تليها رش المبيدات التي تحول دون الاستفادة من بعض المساحات الرعوية، وتعرّض النحل لتسمم، بالإضافة إلى عدم الإلمام بالنباتات الرحيقية، ومواعيد إزهارها لدى بعض المربين.
وأعلنت مديرية الزراعة في درعا الأسباب “المحتملة” لظاهرة هجرة وموت بعض أنواع النحل بشكل مفاجئ في عدة مناطق من المحافظة، والتي رصدتها قبل حوالي أسبوعين.
وبحسب ما أوضحه مدير الزراعة في المحافظة، بسام الحشيش، في حديث إلى وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فإن اللجنة المشكّلة من وزارة الزراعة لبحث الأسباب، أرجعت أسباب هذه الظاهرة إلى عدم قدرة مربي النحل على ترحيل الطوائف خارج المحافظة، بالإضافة إلى الافتقار إلى تنوع مصادر حبوب الطلع، الأمر الذي انعكس سلبًا على مناعة نحل العسل (فردًا وجماعة).
وتحدث الحشيش عن وجود إصابة مرتفعة بمرض “أكاروس الفاروا”، كما أظهرت النتائج التغذية على “عجينة كاندي” الملوثة بأبواغ فطر “النوزيما”، فضلًا عن الاستخدام العشوائي للمبيدات تزامنًا مع التغيرات المناخية.
قال “أبو بلال” (35 عامًا)، وفضّل التعريف عنه بهذا اللقب لأسباب أمنية، وهو من مربي حوض اليرموك لعنب بلدي، إنه لم يخسر أيًا من خلايا نحله حتى هذه اللحظة.
يكمن سبب هجرة النحل من المنطقة، من وجهة نظر المربي الثلاثيني، في “إهمال المربين لنحلهم، خصوصًا خلال شهري أيلول وتشرين الأول من كل عام”.
يتفقد المربي نحله بشكل يومي، ويغذيها لضمان استمرارها بالوقت الحالي الذي لا زهر فيه، وقال، إن “عدم الخبرة في التعامل مع الأدوية والعلاج والإهمال بالكشف عن الخلايا، وقطع العسل كاملًا، جميعها أسباب من الممكن أن تؤدي إلى هجرة النحل”.
تعد إدارة المنحلة من أهم المهام التي تسهم في نجاح مشروع تربية النحل، وهي عملية تغيير الملكات فيها، ويجب إعطاؤها الأهمية القصوى، وبعض المربين لا يبدلون ملكاتهم نهائيًا، ويتركون الموضوع للنحل نفسها، وهذا الأمر يسهم بتراجع واضح لقوة النحل، فتموت أو تهاجر.
“البعض يعمل بالنحل بناء على تكهنات أو معلومات من الإنترنت قد تؤذي النحل، وهذا أمر خطير”، وفق ما نوّه إليه المربي.
كما أن جلب النحل المستوردة من مناطق إفريقيا، من الممكن أن يجلب بعض الأمراض المعدية للنحل المحلية.
وسوء الظروف المناخية، بداية بانخفاض الهطول المطري وعدم انتظامه، وصولًا إلى الصقيع في الشتاء، وقلة المراعي في الصيف والخريف، وإهمال بعض مربي النحل لمكافحة الآفات والأمراض، والسعي وراء المراعي بالوقت المناسب، جميع هذه الأسباب من الممكن أن تسهم في هجرة النحل.
وتقع مسؤولية معالجة هذه المشكلات على عاتق وزارة الزراعة، خصوصًا الإرشاد الزراعي والحراج، لتوعية النحالين ودعمهم، ومساعدتهم في تكوين مجموعات ترحيل تشاركية منظمة، تعالج مشكلة سرقة النحل عند الترحيل، وتخفف الأعباء والمصاريف وتزيد الإنتاجية، بالإضافة إلى إنشاء محميات طبيعية تُزرع فيها نباتات وأشجار رحيقية، مثل أشجار “الكينا”، التي تعتبر من أهم مراعي النحل من حيث تأقلمها مع الظروف المناخية للمحافظة، والرحيق الغزير التي تعطيه على فترات مختلفة من العام، كذلك غناها بحبوب الطلع.