عنب بلدي – ريف دمشق
تعد قضية تلبية الطلب على الكهرباء في العاصمة دمشق بنحو يحقق الأمان الكهربائي لدى السكان، مصدر قلق رئيسًا لديهم، إذ يتجاوز الطلب القدرات المتاحة لدى محطات توليد الطاقة.
مشكلة الطاقة الكهربائية في دمشق وريفها ليست وليدة اليوم، فالمدينة تعاني من نقص حاد بالطاقة منذ سنوات، بسبب تهالك محطات توليد الطاقة الذي رافقته عمليات الدمار الذي لحق بخطوط الغاز، جراء العمليات العسكرية، وتزداد نتيجة لذلك ساعات انقطاع التيار الكهربائي، وتتفاقم المشكلة حين تحدث حالات قطع التيار الكهربائي غير المنتظم.
غسل الملابس يحتاج إلى ثلاثة أيام
توصف جودة الكهرباء في العاصمة بأنها “أكثر من سيئة”، وفق استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي في مدينة قدسيا بريف دمشق الغربي، فمن المعتاد أن تكون ساعات وصل الكهرباء هي ساعة واحدة مقابل ست ساعات قطع، إلا أن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر وغير المنتظم في المدينة، صار يتكرر خلال ساعة القطع الواحدة بمعدل خمس أو سبع مرات تقريبًا.
ضمن هذه الحالة المتردية للكهرباء، لا تتمكّن العائلات من إجراء أي نشاط يومي يتطلّب استخدام الطاقة الكهربائية إطلاقًا، فالقطع المتكرر وغير المنتظم خلال ساعة وصل الكهرباء، ينهك الأجهزة الكهربائية في المنازل.
على مستوى غسل الثياب، تتطلب الغسالة الكهربائية ساعة كاملة لإكمال “وجبة الغسيل” (دورة واحدة لغسل الملابس)، ولكن بوجود القطع العشوائي للكهرباء، تحتاج بعض السيدات إلى يومين أو ثلاثة أيام لإكمال الغسالة دورة واحدة من غسل الملابس.
فاقمت السنوات العشر الأخيرة الأوضاع الخدمية المرتبطة بالكهرباء إلى حد كبير في دمشق، حيث صار نصيب الفرد من استهلاك كهرباء الدولة 15% مما كان عليه في عام 2010، وفق ما ذكرته دراسة بحثية أعدها الباحثان سنان حتاحت وكرم شعار.
ووصل التقنين في التيار الكهربائي بدمشق خلال النصف الأول من عام 2021 إلى خمس ساعات من الانقطاع لكل ساعة من الكهرباء، وفق الدراسة الصادرة في أيلول عام 2021، وإن كان ممكنًا إصلاح الأضرار التي لحقت بالشبكة ومحطات التحويل الفرعية بأسعار معقولة بخبرة محلية، لا يمكن قول الأمر نفسه عن محطات توليد الطاقة، وفق الدراسة.
أدى النزاع المسلح إلى تعرّض أربع من محطات توليد الطاقة الـ14 لأضرار جسيمة، أي ما نسبته حوالي 18% من الاستطاعة الكهربائية في أرجاء سوريا كافة ما قبل 2011.
رسائل الغاز لا تصل
المدة الطويلة لوصول رسائل الغاز تسبب أزمة كبيرة في بيوت مدينة دمشق وريفها، حيث حددت “الشركة العامة لتوزيع المحروقات والمشتقات النفطية”، مخصصات كل عائلة من المحروقات على “البطاقة الذكية” بـ200 ليتر، تُوزع على أربع دفعات، وفي كل دفعة يُوزع 50 ليترًا، وتعتمد المديرية نموذج الرسائل النصية، عبر تفعيل “البطاقة الذكية”.
إلا أن معظم العائلات تتأخر في تسلّم حصتها من مادة الغاز، التي تعتمد عليها بدلًا من الكهرباء في التدفئة والطبخ.
وتنفذ شركة “تكامل” مشروع “البطاقة الذكية”، وتعود ملكيتها لمهند الدباغ، ابن خالة أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بحصة 30%، بينما يملك الحصة الكبرى فيها شقيق أسماء، فراس الأخرس.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ازداد اعتماد سوريا على الغاز لتوليد الكهرباء إلى حد كبير لعدة أسباب، وفق الدراسة البحثية، أبرزها تحسن الوصول إلى الغاز الطبيعي محليًا، فضلًا عن أن النفط يسهل نقله بالناقلات، في حين يتطلّب الغاز بناء أنابيب أو محطات تسييل قبل نقله، لذا صدّرت سوريا فائض مخزونها من النفط، واستهلكت غازها المنتج محليًا كله.
ولكن خلال النزاع المسلح، تضررت البنية التحتية لتوليد الكهرباء ونقلها، إذ عمدت الأطراف المتنازعة إلى قصف محطات توليد الطاقة الكهربائية مباشرة، وتدمير أجزاء من شبكة النقل، واستهداف أنابيب الغاز.
وقد طالت الهجمات محطة “تشرين” قرب دمشق، وبالإضافة إلى الصيانة غير المنتظمة والإهمال، فقدت أنابيب الغاز اتصالها بمحطات توليد الكهرباء.
وبحسب الدراسة البحثية، شهد عام 2014 ذروة هجمات قوات المعارضة المسلحة على خطوط أنابيب الغاز، مع تعليق تزويد العديد من محطات توليد الكهرباء بالغاز في البلد.
مع كل ما تشهده المناطق الخاضعة لسلطة حكومة النظام السوري من أزمات، على رأسها أزمة الطاقة المستفحلة منذ سنوات، تصدر تصريحات معاكسة، إذ قال معاون وزير النفط السوري، عبد الله خطاب، في 5 من كانون الأول 2021، إن “وضع المشتقات النفطية في سوريا بخير“، موضحًا توفر أكثر من 80% من حاجة سوريا من تلك المواد اليوم، في ظل استقرار خطوط استيراد المشتقات النفطية خلال الشهرين السابقين، وفقًا لمعاون الوزير.
وقال خطاب، إن توزيع المشتقات النفطية مرتبط بالكفاية وتوفر المادة، مشيرًا إلى أن أولويات الوزارة هي توزيع المشتقات النفطية للأفران والمستشفيات والقطاع العام، الأمر الذي يتم بنسبة 100%.
وقال مدير التخطيط في وزارة الكهرباء بحكومة النظام السوري، أدهم بلان، إن كانون الأول وكانون الثاني الماضيين كانا الأصعب من ناحية وصول التيار الكهربائي خلال موسم الشتاء، إلا أن ما شهدته الفترة اللاحقة منذ بداية شباط الحالي، تشير إلى أن الأمور ذاهبة للأسوأ.
وتحتاج المؤسسة العامة للكهرباء إلى 18 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لتشغيل التوربينات الغازية المسؤولة عن 70% من تغذية الكهرباء، وفق الدراسة البحثية، ولم تحصل المؤسسة العامة إلا على 8.2 مليون متر مكعب من الغاز.
ولخّصت الدراسة أسباب مشكلة نقص الكهرباء في سوريا بعدم تعافي شبكة النقل تعافيًا كافيًا في المناطق المدمرة، ونقص الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
وأشارت الدراسة إلى أن الداعمَين الرئيسَين لحكومة النظام، روسيا وإيران، لم يبديا رغبة تُذكر في متابعة الاتفاقيات المُوقّعة المرتبطة بالطاقة الكهربائية والغاز، “نظرًا إلى عجز حكومة النظام عن تأمين الأموال اللازمة”.