من “مكتوم” إلى “مجهول”.. لا خيار آخر لأطفال السوريات من أب “مهاجر”

  • 2022/02/20
  • 9:54 ص

إمرأة مع طفلها في مخيم الهول شمالي شرق سوريا - 2019 (AFP)

الرقة – حسام العمر

يلف الحزن نسيبة محمد (28 عامًا) من سكان مدينة الرقة، وهي تراقب طفليها (بشير البالغ من العمر خمسة أعوام، ومصطفى البالغ من العمر ستة أعوام)، وهما يلعبان أمام منزل العائلة بحي الجامع العتيق وسط المدينة.

أنجبت نسيبة محمد طفليها اللذين لا يزالان مكتومي القيد، بعد زواجها من أحد عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يحمل الجنسية التونسية، والذي قُتل لاحقًا في معركة “تحرير الرقة” التي خاضتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ضد التنظيم في العام 2017.

خلال فترة سيطرة التنظيم على مدينة الرقة، تزوجت فتيات من المدينة من عناصر التنظيم من حملة الجنسيات الأجنبية، وخلّف هذا الزواج أطفالًا ما زالوا مكتومي القيد، وغير مثبتين في السجلات الرسمية للأحوال المدنية لدى المؤسسات السورية الرسمية.

ويعرّف مكتوم القيد، حسب قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “26” لعام 2007، “من كان والده أو والداه مسجلين في القيود المدنية السورية، أو ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية، ولم يُسجل ضمن المدة المحددة للتسجيل في قيود السجل المدني”، أي خلال 30 يومًا من حدوث الواقعة.

فئة “مهاجر”

لم تتمكّن نسيبة محمد من تسجيل طفليها ضمن السجلات الرسمية التابعة للنظام السوري، أو حتى لـ”الإدارة الذاتية” التي تسيطر على الرقة منذ سنوات، والسبب وراء ذلك هو أن والد الأطفال من فئة “مهاجر”، أي أنه عنصر في تنظيم “الدولة” من جنسية أجنبية.

تتشارك نسيبة محمد القصة ذاتها مع نسوة أخريات في الرقة، لم تتمكّن عنب بلدي من الحصول على إحصائية رسمية عن عددهن أو عدد أطفالهن، لكن وفق ما ذكره سكان المنطقة، فإنها حالة اجتماعية موجودة تتفاقم كل يوم مع تقدم أولئك الأطفال في السن.

وبحسب استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي في المنطقة، فإن المهر المرتفع الذي كان يقدمه عناصر تنظيم “الدولة” من “المهاجرين” لذوي الفتاة أو ولي أمرها، أو حتى الخشية على الفتاة من سطوة عناصر “الحسبة”، هي من الأسباب التي دفعت العوائل لمثل تلك الزيجات.

و”الحسبة” هي إحدى مؤسسات التنظيم التي تتجول في الشوارع لضبط “المخالفات الشرعية” واعتقال مرتكبيها، وفق تعريف الأهالي.

مشكلة مكتومي القيد تظهر عندما تكون ناجمة عن ولادات نتيجة زيجات جرت خارج مناطق سيطرة النظام السوري، ولم تسجل في القيود المدنية، لأن المادة “28” من قانون الأحوال المدنية تشترط تسجيل الزواج قبل واقعة الولادة.

ويُعد تسجيل مكتوم القيد في سجلات الأحوال المدنية الخطوة الأولى للحفاظ على حقوقه المدنية، أبرزها حقه في العيش الكريم، والتعليم، والصحة، وإنجاز المعاملات الحكومية دون أي إشكال.

حلول يرفضها المجتمع

استطاعت فاطمة الفرحان (30 عامًا) تسجيل طفلها، البالغ من العمر ستة أعوام، على اسم زوجها الذي تزوجته قبل حوالي ثلاثة أعوام، بعد أن قُتل زوجها السابق الذي كان مقاتلًا في التنظيم ويحمل الجنسية الليبية.

قالت فاطمة الفرحان لعنب بلدي، إنها استطاعت إقناع زوجها الجديد بتسجيل الطفل على اسمه في السجلات الرسمية، رغم أن عائلتها وحتى عائلة زوجها كانوا يرفضون هذه الخطوة.

بعد سيطرة “الإدارة الذاتية” على مدينة الرقة، أواخر العام 2017، افتتحت الإدارة “السجل المدني” التابع لها في المدينة، وأتاحت للعائلات في المدينة إمكانية تثبيت زواجها، وتسجيل الأطفال.

ورغم ذلك، لجأت بعض العوائل في الرقة إلى المؤسسات التابعة للنظام السوري لتسجيل أطفالها، ويعود ذلك إلى عدم الاعتراف الرسمي بـ”الإدارة”، وأعدّت عنب بلدي تقريرًا حول هذا الموضوع في وقت سابق.

تمنح القوانين السورية الطفل المولود من أم سورية وأب أجنبي حق الحصول على الجنسية السورية، وبالتالي التسجيل في دوائر الأحوال الشخصية والسجلات المدنية، وفق ما قاله الحقوقي محمد أيوب لعنب بلدي.

وأشار الحقوقي إلى أن زيجة الأم السورية من أب “مهاجر” غير معترف بها، وفقًا للقوانين المعمول بها في سوريا، لأن الأب دخل الأراضي السورية بطريقة غير شرعية، وبالتالي لا يحق للأم تسجيل أطفالها في السجلات الرسمية ونسبهم للأب.

خيار مجهول النسب

أضاف الحقوقي أن أمام الأم خيارًا وحيدًا هو تسجيل الأطفال على اسمها، وفي هذه الحالة يصبح الطفل مجهول النسب، وأن استمرار كتم قيد الأطفال هو أمر خطير يجلب عواقب وخيمة، يتحمّل المجتمع السوري الجزء الأكبر من تبعاتها، لأن هؤلاء الأطفال موجودون في سوريا، ومن المؤكد أنهم سوف يكبرون على أراضيها.

ويحرم قانون الجنسية السوري الأم من إعطاء جنسيتها لأطفالها، إلا في حال عدم وجود صلة قانونية بالأب، كما نصت المادة “3/ب” من المرسوم التشريعي رقم “276” لعام 1969.

وتُمنح الجنسية للأطفال المولودين خارج إطار الزواج أو في جرائم الاغتصاب، لكن الاستناد إلى هذا النص نادر بسبب الوصمة والنبذ الاجتماعي.

كما أن وصاية الأم على أطفالها في قانون الأحوال الشخصية (المعدل)، لا تكون إلا حين يختارها الزوج وصية عليهم، كما ورد في المادة “167/2″، التي نصت على أن “الوصاية في أموال القاصرين بعد وفاة الأب، هي للوصي الذي اختاره الأب، وإن لم يكن قريبًا لهم”.

وتواجه كثير من العائلات السورية تحديات ترتبط بفقدان الوثائق الثبوتية، أو عدم قدرتها على تسجيل جميع الواقعات التي طرأت على سجلها المدني خلال النزوح أو التهجير القسري في السجلات الرسمية، وخروج العديد من المناطق عن سيطرة النظام، وتدمير أو إغلاق دوائر السجلات المدنية، وحصرها والمحاكم في حيّز نطاق سيطرة النظام.

هذه التحديات لا تتمثّل بتحسين ظروف الأطفال المكتومي القيد الآنية لتحصيلهم خدمة تعليمية أو صحية أو معيشية كريمة، وإنما تمتد لمشكلات تدخل في آلية حفظ حقهم في التملك ناقشتها عنب بلدي في ملف “بانتظار الولادة القانونية.. مكتومو القيد في سوريا لا يملكون أملاكهم“، وتعقيدات أخرى تحدد مصير مستقبلهم.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع