تتجه الأنظار إلى فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” المعروفة باسم “العمشات”، بعدما أعلنت لجنة ثلاثية تحقق بانتهاكات الفصيل، عزل قائده محمد الجاسم (أبو عمشة) عن جميع مهامه الموكلة إليه، ومنعه من تولي أي مناصب قيادية ذات صلة بالثورة السورية.
وأصدرت اللجنة قرارها، بحسب بيان نشرته، أمس الأربعاء، 16 من شباط، أوصت خلاله بعدم تسليم “أبو عمشة” شيئًا من مناصب الثورة لاحقًا، لما ثَبَت عليه من الدعاوى، تجنيبًا للمنطقة من “احتمالات الاقتتال والدماء والفتنة”.
وقررت اللجنة عزل عدة قيادات من فصيل “العمشات”، وشمل قرار العزل كلًا من أشقاء “أبو عمشة وليد ومالك الجاسم، إضافة إلى أحمد محمد خوجة، وعامر عذاب المحمد، وحسان خالد الصطوف الملقب بـ”أبو صخر”، لما ثبت عليهم من تهم موجهة إليهم.
الناطق الرسمي باسم “اللجنة المشتركة لرد الحقوق في مدينة عفرين وريفها” (لجنة رد المظالم والحقوق)، وسام القسوم، أكد لعنب بلدي صحة القرارات، موضحًا أن “اللجنة الثلاثية”، أخّرت صدور القرارات بسبب وجود “عراقيل”، كامتناع بعض الناس عن الشهادة، خوفًا من قادة “العمشات”.
ويتحكم فصيل “العمشات” بمفاصل حياة الناس في بلدة شيخ الحديد بريف مدينة عفرين شمالي حلب، وبحسب معلومات متقاطعة لعنب بلدي، فإن للقوات الأمنية التابعة للفصيل العديد من الانتهاكات أشهرها مداهمة خيمة عزاء في القرية واعتقال مدنيين بسبب خلاف حول أتاوة يدفعها مدنيو المنطقة لفصيل العمشات على العمل في زراعة وتجارة الزيتون.
ما فصيل “العمشات”
تعتبر فرقة “السلطان سليمان شاه” أحد أكبر الفصائل المُقاتلة في “الجيش الوطني”، وتملك كمية كبيرة من العتاد العسكري من مدرعات وأسلحة “فعالة”، بحسب معلومات متقاطعة حصلت عليها عنب بلدي من مطلعين على شؤون الفصيل.
وعلى مدار السنوات الماضية، أعلن الفصيل عن إعداده العديد من الدورات العسكرية التي ضم بموجبها آلاف المُقاتلين إلى قوامه، وكان أكبرها دورة “ذئاب الشمال” التي أضيف بموجبها 2000 مقاتل إلى فصيل “سليمان شاه” بعد تدريبات عسكرية.
وتبقى هذه الأرقام منقولة عن الفصيل لنفسه، دون تقديرات من مصدر مستقل.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع المتحدث العسكري باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، والذي قال إنه غير مطّلع على قوام الفصيل العسكري.
وعُرّفت الفرقة على أنها فصيل تركماني تتبع لملاك ”الجيش الوطني السوري”، على أساس أن قائدها وغالبية عناصرها ينحدرون من القومية التركمانية في سوريا.
إلا أن قائد الفصيل “أبو عمشة” من مواليد عام 1987، وينحدر من قرية جوصة التابعة لمنطقة حيالين بريف حماة الشمالي، عمل سائقًا لجرارات الحراثة (تركتور) والحصادات الزراعية قبل اندلاع الثورة السورية، وهو من قبائل البدو العربية.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من قيادي في “الجيش الوطني” فإن غالبية مقاتلي الفصيل هم من أبناء عشائر ريف حماه الشمالي، إضافة إلى قسم كبير منهم ينحدرون من ريف حلب الشمالي.
واعتبر القيادي الذي تحفظت عنب بلدي على اسمه لدواعي أمنية، أن المعلومات التي تتحدث عن كون الفصيل تركماني هي “تسويق للفصيل” من قبل القائمين عليه.
“أبو عمشة”.. خط النار”
ومع بداية تحول مسار الثورة إلى السلاح، شكّل “أبو عمشة” مجموعة ضمّت عددًا قليلًا من المقاتلين تحت اسم “مجموعة خط النار”، التي انضمت لاحقًا إلى “كتيبة شهداء حيالين”، والتي جعلت من اسم “أبو عمشة خط النار” متداولًا حتى اليوم من قبل عناصره والعاملين تحت إمرته.
واستمدت أحد الأغاني التي صنعها له عناصره اسم “أبو عمشة خط النار“، من اسم المجموعة.
وفي عام 2013، انفصلت عن الكتيبة التي انضمت إليها سابقًا، وبدأ مقاتلوها العمل ضمن صفوف “جبهة ثوار سوريا” التي كان يقودها جمال معروف في تلك الفترة، بحسب مصدر مقرب من “أبو عمشة”، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
وبعد الخلاف الذي نشب بين قائد “جبهة ثوار سوريا”، جمال معروف، و”جبهة النصرة”، التي كانت تنضوي تحت راية تنظيم “القاعدة” آنذاك، هرب “أبو عمشة” إلى شمالي حلب، وعمل هناك قائد مجموعة عسكرية تابعة لـ”الجبهة الشامية”.
ومع إعلان تركيا عن انطلاق معركة “غصن الزيتون” (في عفرين) عام 2018، انضم إلى “فرقة السطان مراد” كقائد مجموعة أيضًا، وبقي فيها حتى شكّل “لواء السلطان سليمان شاه” الذي انضم إلى “الجيش الوطني” لاحقًا.
وبعد سيطرة “الجيش الوطني” على مدن وقرى عديدة شمالي حلب وتوسع رقعة نفوذه، بدأ الجاسم يظهر بشكل مختلف، بسيارات مصفحة، ومرافقة مسلحة، وهوية مختلفة.
اقرأ أيضًا: رجل في الأخبار.. “أبو عمشة” العابر للقارات
بلدة شيخ الحديد “مُقاطعة داخل مُقاطعة”
يتخذ فصيل “العمشات” من بلدة شيخ الحديد التابعة لمنطقة عفرين في محافظة حلب في سوريا، مقرًا رئيسيًا لقيادتها وقواتها.
وبحسب ناشطين من سكان المنطقة ممن قابلتهم عنب بلدي، فإن البلدة تحولت إلى “مُقاطعة” داخل ريف حلب الشمالي، الذي يسيطر عليه “الجيش الوطني” شمالي حلب.
وتخضع البلدة لإجراءات أمنية مشددة “لم يسبق لها مثيل” في المناطق التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية خلال السنوات العشرة الماضية، إذ يُمنع الدخول والخروج منها إلا بإذن رسمي صادر عن المكتب الأمني في فصيل “العمشات”.
وبطبيعة الحال يشمل القرار سكان البلدة والتجار وحتى الزوار والعناصر العاملين في فصائل أُخرى تابعة لـ”الجيش الوطني” تحت حجة “الإجراءات الأمنية”.
وبحسب ناشط إعلامي زار البلدة، تحفظت عنب بلدي على اسمه لأسباب أمنية، فإن البلدة شهدت خلال سنوات سيطرة “العمشات” عليها تحسنًا ملحوظًا في الخدمات، إذ تنتشر فيها المقاهي والمطاعم ومراكز التسوق والمستشفيات.
إلا أن هذه الخدمات يدور حولها شكوك بأن أرباحها تعود لقائد الفصيل، إلى جانب الأرباح من تجارة الزيتون في المنطقة التي تشتهر بزراعتها.
وبحسب تقرير نشرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” فإن نسبة السكان الكرد المتبقين في البلدة إبان عملية “غصن الزيتون” لا تتجاوز 20%، إذ نُقلت مئات العائلات من محافظات أخرى إلى البلدة بعد السيطرة عليها في آذار 2018.
وأشار التقرير إلى أن معظم هذه العائلات “هُجّرت قسرًا” أو نزحت داخليًا من محافظات ريف دمشق وحمص وحماة وإدلب، وجرى إسكانها في البلدة، كما أن أبناء جزء كبير من هذه العائلات هم مقاتلون في صفوف “الجيش الوطني”.
وخلال النصف الثاني من عام 2019، وثقت المنظمة الحقوقية نفسها اعتقال 506 شخصًا في عموم منطقة عفرين، بينهم 64 شخصًا ينحدرون من بلدة شيخ الحديد ذاتها.
وفي مقابلة أجرتها وكالة “رووداو” مع مدير العلاقات العامة لفرقة “السلطان سليمان شاه”، رامي الحمد، الذي اعتبر أن ما جرى في مدينة عفرين لم يكن “تعريبًا” بل تهجيرًا قسريًا تعرّض له الشعب السوري في مناطق مختلفة بالبلاد دفع بهم إلى مناطق شمالي حلب.