“خلال كل يوم من سنوات الغياب هذه، هناك أشياء لم نفعلها معًا، أشياء لم نقلها، مشاوير لم نمشِها، أسفار لم نسافرها، حياة كاملة مفقودة. كشريك لسميرة”، بهذه الكلمات أعلن الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، زوج الناشطة سميرة الخليل، عن تأسيس “جمعية سميرة الخليل“، مطلع شباط الحالي، وهي “محاولة استحضار الغائبة بأدوات مغايرة، جماعية ومُمأسسة، تتعامل مع سميرة كقضية عامة، وجزء من قضية عامة أكبر، وتبرز بُعدًا نسويًا لهذه القضية، وتضعها بين أيدي شريكات وشركاء في نطاق أوسع”.
مرت أكثر من ثمانية أعوام على اختطاف الناشطة سميرة الخليل، حين كانت تعمل في مكتب “مركز توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا” بمدينة دوما في الغوطة الشرقية لمدينة دمشق، في العام 2013.
في 9 من كانون الأول من ذلك العام، اقتحمت مجموعة مسلحة مجهولة المكتب الذي تديره المحامية رزان زيتونة، واختطفت جميع أعضائه، وهم بالإضافة إلى رزان، زوجها الناشط وائل حمادة، والناشط ناظم حمّادي، وسميرة، واقتادتهم جميعًا إلى مكان مجهول.
وبحسب “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير“، كانت مدينة دوما في وقت واقعة الاختطاف خارج سيطرة حكومة النظام السوري، وضمن سيطرة فصيل “جيش الإسلام”، الذي أنكر باستمرار علاقته بالأمر، وامتنع عن فتح أي تحقيق.
يعد الاختفاء القسري واحدًا من الأفعال الإجرامية التي تنتهك العديد من حقوق الإنسان في وقت واحد، مثل حق الإنسان في الحرية، وحقه في الحياة، وحقه في السلامة الجسدية، وكما أنها تنتهك حقوق الفرد، يمتد هذا الانتهاك ليرتبط بحقوق أفراد عائلة الشخص المختفي قسرًا وأقاربه، بما لها من تأثير قاسٍ ومباشر على حالتهم النفسية والاجتماعية.
1/This Feb 2nd, we celebrated Samira's birthday, the publication of her Diaries in French, and the launch of our association.
It was moving and beautiful. Thank you. pic.twitter.com/gHVR0NvE5K— Samira al-Khalil Association (@SamiraAssociat1) February 4, 2022
دافعت سميرة الخليل باعتبارها ناشطة معارضة للسلطة في سوريا بلا تعب عن العدالة وحقوق الإنسان، وكانت قد اعتُقلت في العشرينيات من عمرها لانتمائها إلى حزب “العمل الشيوعي” المعارض لنظام حافظ الأسد، وقد تعرضت للتعذيب، وقضت في السجن أكثر من أربعة أعوام بين 1987 و1991.
ينقسم الموقع الرسمي لـ”جمعية سميرة الخليل” إلى عدة تبويبات، متاحة بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية، تتضمن قصة سميرة وحملات التضامن معها، والكتب التي وثّقت قضيتها.
في 25 من شباط الحالي، سيصدر كتاب “يوميات الحصار في دوما” من تأليف سميرة الخليل وتقديم ياسين الحاج صالح، وسيصبح الكتاب متاحًا في المكتبات الفرنسية، كما يمكن أن يُطلب إلكترونيًا.
اقرأ أيضًا: في ذكرى غيابهم.. ما مصير العدالة لضحايا مخطوفي دوما الأربعة؟
جائزة باسم سميرة
تتبنى الجمعية جائزة باسم “جائزة سميرة الخليل”، تُكافئ، مرة كل عام، امرأة تعزز ممارستها ومسارها الصراع من أجل وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات في المجالين العربي والمتوسطي.
وستُمنح الجائزة في يوم المرأة العالمي (8 من آذار)، في باريس، بدءًا من عام 2023، ويمكن للراغبات في التقديم (الضغط هنا).
وللترشح للجائزة، تدعو الجمعية كل عام إلى تقديم طلبات من حقل ثقافي أو حقوقي واحد: الفنون، الأدب، الدفاع عن حقوق الإنسان.
الترجمة والرسم والكتابة والنشاط السياسي والحقوقي والبحثي هي من الأنشطة المشمولة للترشح إلى الجائزة، التي يمكن أن تترشح إليها أي امرأة تبلغ من العمر 18 عامًا على الأقل.
وتقرر الفائزة لجنة تحكيم تتجدد كل عام وفقًا للحقل المقرر تكريمه ذلك العام، كما يمكن تقديم طلب ترشح واحد في العام.
ولا يحق لمن فازت بالجائزة مرة أن تترشح لها من جديد.
وسوف تحصل الفائزة على 5000 يورو، وستعمم أخبار الفوز على أوسع نطاق تستطيع الجمعية بلوغه.
اقرأ أيضًا: بقايا الحقيقة.. أرشيف سوريا أداة في خدمة المحاسبة
مناصرة محورها الإنسان
الفعاليات التي تتمحور حول الإنسان توصف بأنها أدوات منهجية تركّز على ضرورة وضع احتياجات أصحاب الحق وتوقعاتهم في صميم المناصرة وإدارة المشاريع.
ولهذه الأدوات أهمية خاصة في سوريا، حيث أدى النزاع المسلح القائم طوال السنوات الماضية إلى حرمان ملايين الأشخاص من حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن خلال التركيز على هذه الانتهاكات، تعمل منظمات وجمعيات المجتمع المدني على معالجة الأسباب الجذرية للانتهاكات بما يضمن عدم تكرارها، ولا تقتصر التدخلات فقط على الاعتراف بمعاناة الناجين أو تقديم الإغاثة المؤقتة لهم، وإنما تتصدى للتحديات المتعلقة بحقوق الإنسان، من أجل أن تكفل تحقيق تغيير عملي وتدريجي في التمتع بحقوق الإنسان على مستوى الأفراد.
اقرأ أيضًا: “البودكاست” السوري.. قصص لتوثيق الانتهاكات وتحقيق العدالة
تخليد الذكرى
تأسيس “جمعية سميرة الخليل” هو بمثابة احتفاء دائم بقضية الناشطة سميرة، بالإضافة إلى عمليات تخليد الأحداث التي مرت على مدينة دوما بشكل خاص، وسوريا عمومًا، من خلال مشاريع الفن للذاكرة، ومجموعات التاريخ الشفهية عبر الندوات الثقافية وكتابة الأرشيفات.
جميع تلك الفعاليات تستحضر الماضي، وتهدف بطريقة ما إلى ضمان استمرار الأفراد بالتذكر، وبصورة متزايدة، تعمل البلدان، والمنظمات الحقوقية، والمراكز الثقافية، والمجتمعات، عبر السياسات والممارسة، على إبراز أهمية تخليد الذكرى عبر تكريم ضحايا النزاع والناجين منه، والإسهام في إجراءات تقصّي وإخبار الحقائق، وتوفير سبل المعرفة، والعمل كمحفز لإشراك وتثقيف الجمهور العام.
–