عنب بلدي – حسن إبراهيم
شهدت مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” شمال غربي سوريا، في الأيام الماضية، توترات أمنية أثارت جدلًا كبيرًا وفتحت الباب واسعًا أمام سيل من الاتهامات والانتقادات، بشأن انتهاكات “الهيئة” وعناصرها.
التوترات الأمنية والانتهاكات قابلتها وعود وتعهدات بإيجاد الحلول ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مع غياب تعليق “الهيئة” على بعضها، وسط استياء واستهجان للأهالي من سياستها.
“قضية ثأر” ووعود بالقصاص
شهدت مدينة إدلب توترًا أمنيًا، وتجمعات لأشخاص مدنيين ومسلحين من أهالي مدينة حماة، في 8 من شباط الحالي، للمطالبة بالثأر للشاب عدنان محمود حجازي، الذي وُجد مقتولًا في منزله بمدينة أريحا.
وتجمع الأشخاص في ساحة “السبع بحرات” بمدينة إدلب، بعد تحركهم من بلدة سرمدا ومحيطها، بهدف الوصول إلى مدينة أريحا بريف إدلب الجنوبي، وسط إطلاق نار كثيف بالهواء، ما أثار الرعب والذعر بين المدنيين.
جهاز “الأمن العام” الذي ينفي صلته بـ”الهيئة” وضع عدة حواجز في مدينتي إدلب وأريحا، ونشر قواته من أجل فضّ المشكلة بين ذوي القتيل الذين يريدون أخذ الثأر من عائلة في مدينة أريحا.
كما سعى بعض الوجهاء في إدلب لتفريق التجمع والاستماع إلى مطالب الأهالي، وأطلقوا وعودًا بمتابعة القضية مع الجهات المعنية حقنًا للدماء، وتعهدوا بالاقتصاص من الجاني.
ووُجد الشاب عدنان مقتولًا في منزله بمدينة أريحا على يد مجهولين مع آثار تمثيل واضحة على جثته، في 7 من شباط الحالي، وسط حديث عن خلاف عائلي، واتهامات أخرى لعناصر تابعين لـ”تحرير الشام”.
وزير الداخلية في حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”، محمد عبد الرحمن، تعهد بمتابعة حيثيات جريمة القتل التي وقعت في مدينة أريحا مع مسؤولين في إدارة المنطقة، وقال إنه اطلع على التحقيقات الجارية لكشف حيثيات الجريمة، مع تأكيدات من شرطة أريحا باستمرار التحقيقات والبحث حتى معرفة المجرم وتقديمه للقضاء.
إطلاق نار على سيدة يؤجج التوتر
التوتر الأمني في إدلب وأريحا تحوّل إلى اشتباك بالحجارة في قضية مختلفة، بين الأهالي في مخيمات “أطمة- دير بلوط” الحدودية مع تركيا وعناصر تابعين لـ“تحرير الشام”، بعد إطلاق العناصر النار على سيدة، وإصابتها في الرأس.
واندلعت مواجهات بين الأهالي وعناصر “الهيئة”، في 10 من شباط الحالي، بعد إطلاق النار على المرأة، بسبب نقلها الوقود من مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” في ريف حلب باتجاه إدلب، عن طريق معبر “دير بلوط”، وأدت إلى إصابة شاب من سكان مخيم “أطمة”.
تطور الاشتباكات استدعى تدخل قوات “مكافحة الشغب” في جهاز “الأمن العام”، إذ انتشر عناصره في محيط المعبر، وجرى توقيف بعض المدنيين من مخيمي “أم الشهداء” و”سفوهن”، بحجة “التحريض على أعمال الشغب”، ومن بينهم أحد الناشطين الإعلاميين، بحجة “نقل أخبار مغرضة”.
معبر “دير بلوط” تحدّث في بيان له عن إطلاق نار عشوائي من قبل حراس المعبر في أثناء ملاحقة مهربي المازوت بين أطمة ودير بلوط بقصد “تفريق المهربين”، مضيفًا أن إحدى الطلقات أصابت وعن طريق الخطأ السيدة فاطمة عبد الرحمن الحميد (28 عامًا)، من أهالي بلدة سفوهن، وأُسعفت المرأة إلى مستشفى “باب الهوى” لتلقي العلاج.
وذكر بيان المعبر أن أهالي “مهربي” المازوت هاجموا عناصر “الهيئة” قرب المعبر، وأحرقوا “كرفانة” وثلاث دراجات نارية، وأكد أن الجهات الحكومية ستشكّل لجنة للتحقيق بقضية إصابة المرأة وملابساتها، وستقدم الضالعين إلى القضاء.
بعد الاشتباكات، عُقدت جلسة صلح بين قيادة “الهيئة” وذوي السيدة التي أُصيبت من عناصر المعبر لتخفيف التوتر، وأصدرت “إدارة المناطق المحررة” بيانًا بأن القضاء يتابع وسيحاسب الضالعين، وجرى توقيف عناصر المعبر لعرضهم على القضاء، وقُدمت وعود بإقامة العدل ومحاسبة الجاني.
الحادثة أثارت غضبًا كبيرًا في الشمال السوري بسبب إطلاق الرصاص الحي على المدنيين، وتسمية الأهالي بالمهربين، وخرجت أصوات مناهضة بأن التهريب لأجل لقمة العيش ليس جريمة، ونالت قضية المرأة مناصرة واسعة على صفحات ومواقع في وسائل التواصل الاجتماعي.
دير حسان تثور بوجه “تحرير الشام”
شهدت قرية دير حسان في ريف إدلب الشمالي، خلال الأشهر الماضية، عدة مظاهرات رافضة لسياسة “تحرير الشام” ومناهضة لـ”الاعتقالات التعسفية” التي تمارسها، وتحولت نحو تصعيد أكبر.
بدأت المظاهرات بوقفات احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجون “الهيئة”، ورفض إجراءات “الهيئة” بمنع زيارة المعتقلين، وعدم توكيل محامين لهم، أو حتى الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم.
وأصدر “مجلس شورى تجمّع العوائل في دير حسان” عدة بيانات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، بالتزامن مع وقفات احتجاجية وبيانات صادرة عن نساء من دير حسان أيضًا، ثم تحولت الوقفات الاحتجاجية إلى مظاهرات تجوب شوارع القرية، مع رفع المتظاهرين لافتات تحمل شعارات مثل: “نهج الطغاة اعتقال الثائرين والتضييق عليهم”، و”أطلقوا سراح معتقلي الثورة”، و”طالبناكم بفتح الجبهات ففتحتم السجون”، واصفين سياسة “تحرير الشام” بـ”التعسفية والقمعية وتكميم الأفواه”.
في 21 من كانون الثاني الماضي، انطلق المتظاهرون في القرية من أمام الجامع الكبير إلى عدة شوارع في القرية، تبعت ذلك دعوات عديدة من “مجلس العوائل” إلى التظاهر من جديد وتصعيد حدة المظاهرات.
الراصد “أبو بكر حاس”، الذي يرصد حركة الطيران في شمال غربي سوريا، أحد المشاركين في المظاهرات، اعتُقل على أيدي مجهولين بسيارتين اعترضتا طريقه بعد انتهاء المظاهرة، وحمّل أهالي دير حسان “تحرير الشام” مسؤولية سلامته، متهمين إياها باعتقاله ومطالبين بإطلاق سراحه.
عنب بلدي حاولت التواصل مع “تحرير الشام”، لكن “الهيئة” لم تعلّق على قضايا المعتقلين بشكل عام، وعلى قضية معتقلي دير حسان بشكل خاص، سواء الراصد “أبو بكر” أو الشاب أحمد زكريا الضلع.
وبدأت المظاهرات تحمل عناوين كمظاهرة “جمعة الكرامة”، التي شهدتها القرية في 4 من شباط الحالي، وحملت نفس المطالب مع اتهام الأهالي لـ”الهيئة” بـ”الخيانة”، وسط تصعيد أكبر، دون الاستجابة للمطالب من قبل “تحرير الشام”.
رغم القبضة العسكرية التي تفرضها “تحرير الشام”، ورغم وجود الأجسام الأمنية التي تنضوي تحت عباءة سياسية مرتبطة بها، تشهد مناطق سيطرتها التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، توترات وتخبطات أمنية تزعزع أمن المنطقة وتهدد سلامة المواطنين.
خلّفت هذه التخبطات اتهامات وانتقادات عديدة طالت “الهيئة”، من رفض لسياستها العسكرية والاقتصادية، وغياب الشفافية عن سجونها، وإنكار صلتها وارتباطها بالعديد من القضايا، قابلها بعض المساعي من قبل “الهيئة” لحلها، وعدم التعليق على بعضها الآخر.
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثّقت انتهاكات “تحرير الشام” منذ الإعلان عن تأسيس “جبهة النصرة” في سوريا في كانون الثاني 2012 حتى نهاية عام 2021، وأحصت مقتل ما لا يقل عن 505 مدنيين على يد “الهيئة”، بينهم 71 طفلًا و77 سيدة، و28 قُتلوا تحت التعذيب، إضافة إلى ما لا يقل عن 2327 شخصًا لا يزالون قيد “الاحتجاز التعسفي” أو الاختفاء القسري في سجونها.