المظاهرات تحضر في السويداء وتغيب عن مدن “منهكة”
عنب بلدي- خالد الجرعتلي
دخلت الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء أسبوعها الثاني على التوالي، اعتراضًا على قرار حكومي برفع الدعم عن شرائح اجتماعية، وتوسعت لتطال شعاراتها عائلة الأسد الحاكمة في سوريا، والمطالبة بإسقاط النظام السوري.
وبينما تحولت مدن سورية كانت راعية للمظاهرات المناهضة للنظام السوري إلى شبه خالية من سكانها إثر عمليات تهجير منظّمة، لم تغب هذه المظاهرات عن الجنوب السوري مثل محافظتي السويداء ودرعا.
وشهدت محافظة السويداء في العام 2020 مظاهرات شعبية مناهضة للنظام السوري ومطالب بإسقاطه، في ظل ظروف معيشية صعبة تعيشها المحافظة وحالة من الفلتان الأمني لا تزالان مستمرتين حتى اليوم.
وكان لمحافظة درعا أيضًا دورها في استمرار التظاهر، خاصة مع الانتخابات الرئاسية في أيار 2021، التي “فاز” بشار الأسد فيها بولاية جديدة، إلا أنها واجهت عملية عسكرية شنتها قوات النظام على درعا البلد، أنهت بها حالة الاحتجاجات المستمرة التي نادت بشكل أسبوعي بإسقاطه.
أسباب أسهمت بغضب الشارع في السويداء
يعتبر تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتراجع مستوى الخدمات التي تقدمها حكومة النظام، الذي لا يزال يتمسك بأولوية فرض الأمن على حساب تقديم الخدمات وتحسين الظروف الاقتصادية، أحد أهم الأسباب التي أسهمت بغليان الشارع في المحافظة، بحسب دراسة أعدها مركز “جسور للدراسات“.
وبدأت وزارة الاتصالات في حكومة النظام، منذ مطلع شباط الحالي، بتطبيق إزالة “الدعم الحكومي” عن مجموعة من حاملي “البطاقة الذكية”، إذ وصل عدد البطاقات المزالة إلى حوالي 598 ألفًا.
وحتى 7 من شباط الحالي، بلغ عدد الاعتراضات على آلية الاستبعاد من الدعم حوالي 370 ألفًا، بنسبة تتجاوز نصف المُستبعدين، بحسب تصريح لوزارة الاتصالات.
ومن الأسباب التي أشعلت الاحتجاجات في السويداء، استمرار ضغوط روسيا والنظام لفرض التجنيد الإجباري على أبناء المحافظة، التي امتنع الآلاف من شبابها عن الالتحاق به، خوفًا من الزج بهم في مواجهة مع بقية مكوّنات الشعب.
آخر تلك الضغوط كان محاولة تشكيل قوة عسكرية كبيرة من أبناء المحافظة المتخلفين عن الخدمة الإلزامية بقيادة نجل العميد عصام زهر الدين، الذي قُتل في دير الزور سابقًا، رغم أن نطاق نشاطها الجنوب السوري فقط، بحسب الدراسة.
في حين عانت المحافظة من حالة فلتان أمني لسنوات طويلة، وسط غياب تام للأجهزة الأمنية التي وصفها سكان من المدينة ممن قابلتهم عنب بلدي بأن مهمتها في المحافظة تقتصر على التدخل عند وجود احتجاجات ضد النظام.
ومع نهاية كانون الثاني الماضي، اعتصم سكان بجانب القصر العدلي التابع لحكومة النظام، للمطالبة بمحاسبة الخارجين عن القانون إثر ارتفاع الجرائم وعمليات الخطف والسرقة، إلا أنها لم تستجب.
سكان مدينة صلخد، جنوبي السويداء، على سبيل المثال، بدؤوا بتسيير دوريات يومية خلال الليل في شوارع المدينة، وذلك نتيجة انقطاع الكهرباء عن المنازل، بعد أن طالت حالات السرقة كوابل ومحولات الكهرباء.
وكان مدنيون من أهالي قرية نمرة شهبا شمال شرقي السويداء، قرروا تسيير دوريات وحراسة لحماية المنشآت الحيوية من السرقة والعبث أيضًا، مقابل مبالغ رمزية تُدفع عن كل دفتر عائلة وتصل إلى 2000 ليرة سورية فقط على الأسرة الواحدة لثلاثة أشهر.
هل للسويداء خصوصية اجتماعية؟
رغم أن المظاهرات في محافظة السويداء لا تختلف عن مظاهرات طالب فيها السوريون بإسقاط النظام في محافظات ومدن عديدة على اتساع الجغرافيا السورية، لم تقابلها قوات النظام بأسلوبها الأمني المعهود الذي مارسته في مناطق أُخرى.
وعن ردود فعل النظام في السويداء بالتحديد، اعتبر الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، أن النظام حاول التعامل مع المحافظة على صعيدين مختلفين، أولهما “القوة الخشنة” التي اعتقل عبرها ناشطين معارضين له من المحافظة، والثانية “قوة ناعمة” حاول من خلالها التهدئة عبر وجهاء وشيوخ من السويداء لإقناع المتظاهرين، وهو ما حصل في مظاهرات عام 2020.
وقال الباحث الاجتماعي، إن خصوصية أبناء محافظة السويداء المذهبية، لم تغيّبهم عن المشاركة في المظاهرات منذ بدايتها عام 2011، ودعموا حراك السوريين فيها، مشيرًا إلى أجسام وحركات سياسية معارضة للنظام السوري موجودة قبل عام 2011.
واعتبر أن المدينة بتركيبتها الاجتماعية لم تكن يومًا بصف النظام السوري سواء قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011 أم بعدها، مشيرًا إلى أن ما تشهده السويداء اليوم هو “موجة جديدة من المظاهرات” لها أسباب عديدة من تردي الوضع المعيشي وغيره من الأسباب، لكنها ليست بحدث جديد على المحافظة.
المظاهرات غابت عن مدن “مُنهكة”
دعا ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى احتجاجات شعبية في حي جرمانا في العاصمة السورية دمشق، بالتزامن مع الاحتجاجات في محافظة السويداء.
كما أطلق آخرون مجموعة من المنشورات التي تُعبر عن رفضهم للنظام السوري، عبر صور التقطوها من مناطق متفرقة من المدن السورية مرفقة بعبارات مناهضة له.
لكن المُظاهرات اقتصرت إلى الآن على محافظة السويداء.
وعن عدم امتداد الاحتجاجات إلى مناطق كانت راعية لها في فترات زمنية سابقة، قال الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، إن مدنًا مثل حلب وحماة وحمص ودير الزور وغيرها صارت مدنًا “مُنهكة” من العنف الذي مارسه النظام، إضافة إلى حملات التهجير التي أفضت إليها العمليات العسكرية التي قادتها روسيا في عدة محافظة سورية، بدأت في محافظة حمص وانتهت في درعا والقنيطرة جنوبي سوريا.
إلا أن مصطفى لم يستبعد أن تمتد هذه المظاهرات إلى مناطق أخرى نتيجة الاحتقان الذي يعاني منه الشارع السوري.
حراك ليس جديدًا على السويداء
لا تعتبر الاحتجاجات التي تشهدها السويداء اليوم الأولى من نوعها، إذ شهدت المحافظة مظاهرات عديدة وفي مناطق مختلفة منها خلال فترات زمنية مختلفة.
في حزيران 2020، خرجت مظاهرات في مدينة السويداء جنوبي سوريا، نادت بسقوط النظام ورحيل بشار الأسد، واستمرت لعدة أيام على التوالي، ردّد خلالها المتظاهرون الذين تجمعوا أمام مبنى المحافظة، هتافات داعمة للمحافظات السورية، وتضمنت الهتافات: “السوري يرفع يده بشار لا نريده”، و”يا سوريا السويداء معاك حتى الموت”، وذلك قبل توجه المحتجين إلى سوق المدينة.
وفي كانون الثاني 2022، شهدت المدينة اعتصامًا لعشرات الأشخاص احتجاجًا على الفلتان الأمني الذي تعاني منه المحافظة منذ سنوات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :