جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013
عمر الأسعد
يتبادر السؤال إلى ذهن المتابع للشأن السوري في زحمة المبادرات والتصريحات العجيبة عن حلول سياسية وعقلانية! للوضع في سوريا، والسؤال هو: ما الذي استطاع المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي تحقيقه بعد ما يقارب أربعة أشهر على استلامه مهامه؟
أتت زيارة الإبراهيمي الأخيرة إلى دمشق لتؤكد أنه لم يحقق شيئًا يذكر، ولم يستطع الديبلوماسي السبعيني أن يكسب أي قيمة مضافة لرصيده المهني، بل على العكس سلم مقترحاته لرأس النظام السوري الذي استمهله أيامًا ليرد له الجواب على مبادرته، وألهاه خلال هذه الأيام بلقاءات مع معارضين ونشطاء التقاهم في مقر إقامته في أحد فنادق دمشق.
لكن النظام السوري الذي استمهل الرجل ليدرس مبادرته، لم يتمهل في الدراسة كثيرًا على ما اتضح، فاكتشف الإبراهيمي أن نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد قفز من فوقه وذهب مباشرة إلى موسكو ليبلغها بالرد، على أن تعمل هي على تبليغه رد الأسد، فما كان من الدبلوماسي الجزائري العتيق الذي وصل إلى العاصمة الروسية لاحقًا إلّا أن ابتلع الرد وبدا يردده مهددًا الشعب السوري إما بالحل السياسي والتنازل أمام نظام البراميل المتفجرة أو الجحيم؟!
لكن ما المقصود بالجحيم وهل هناك جحيم أكثر من البراميل الحارقة وتفجير محطات الوقود وقصف طوابير الخبز وذبح الأطفال بالسكاكين وتقطيع الأوصال والتعذيب بالكهرباء واجتياح المدن والبلدات ودكها بالطيران الحربي؟! من ماذا يخيف الإبراهيمي السوريين؟ وهل يظن أن السوريين يعيشون في العسل خلال 22 شهرًا الماضية حتى يهددهم بالجحيم والصوملة اليوم؟
ألا يظن الإبراهيمي أن «رأس الصوملة» هي بقاء هذا النظام المتفجر يتحكم بالبلاد وبأرزاق الناس وحياتهم.
ببساطة يتطلب النجاح بالحلول «الدبلوماسية» موقفًا صارمًا أحيانًا، وهو خير من تبادل العبارات المنمقة والجارحة في برودها أمام فوران الدم السوري المراق في الشوارع، بهذا يبدو أن المبعوث السابق كوفي عنان كان أكثر شجاعة وأشد حساسية اتجاه عجز الدبلوماسية الدولية، إذ استطاع في لحظة استقالته وإقراره بفشله أن يكون صادقًا مع نفسه ومع السوريين، بعد أن لمس فتور الدعم الدبلوماسي والدولي لمهمته التي كان نجاحها يتطلب دعمًا كبيرًا لم يحظ عليه هو ولا استطاع خليفته الإبراهيمي الحصول عليه أيضًا.
الموقف الدولي يزداد برودًا وحذرًا في التعامل مع الثورة السورية أو بالأحرى يزداد ابتذالًا للموت اليومي والمجازر المنفلتة التي يرتكبها النظام في محاولة منه ليمهد لفكرة الإبراهيمي أنه لا حل سوى الحل السياسي والذي يراد من خلاله فرض تسوية مع القاتل.
خلف هذا المشهد لا يتحمل الرجل الذي أوفدته الأمم المتحدة والجامعة العربية ليعمل كوسيط في سوريا النتيجة وحده، إنما يتحملها من خلفه مجتمع دولي يبدو متجاهلاً لما يرتكب بحق السوريين من مجازر، حتى مجموعة الدول تلك التي تدعي «صداقة الشعب السوري» يبدو أنها لا تزال تجامل موسكو بمكان وتنتظر إشارات البيت الأبيض المنشغل بولاية أوباما الجديدة وتركيبتها بمكان آخر.
بين كل هذه الترتيبات لا يبدو أن الحل السياسي الذي أشار له الأخضر الإبراهيمي وأشارت له مواقف دبلوماسية عدة وارد، كما أنه لا يمكن انتظار توافقات نادي الكبار حتى نحل مشكلتنا التي نعرف حلها سلفًا وحددناه منذ 22 شهرًا وهو إسقاط النظام ومحاسبة القتلة، وفي ظل الغياب الدولي يجدر بدول عربية أكثر فاعلية في الملف السوري أن تقوم بدورها ومبادرتها في ما ذهبت إليه المعارضة السورية من رفض للحوار مع القاتل ودعم أكبر للشعب السوري بالتحديد في مجال ترسيخ موقف الرفض السياسي وعدم المساومة على دماء الشهداء، هذه المبادرة الداعمة تقع على عاتق العرب أولًا أليسوا هم الأولى بهذا؟ وهم من أشبعهم النظام تهديدًا ووعيدًا وزعزعة لاستقرارهم على مدى العقود الفائتة؟
الإبراهيمي إذا استمر بطريقته هذه لن ينجح، والمجتمع الدولي يتحرك مواربًا كالسلحفاة، والمعارضة السورية لا تملك عدة القوة اللازمة إلّا رصيدها الأخلاقي في مواجهة نظام بربري، لذلك على الدول العربية اليوم أن تدخل بمبادرة جديدة على خط النار خير من أن تترك المبادرة واقتراح الحلول للروس والإيرانيين.