عنب بلدي – حسام العمر
حاول داوود الخضر (30 عامًا)، من سكان مزرعة بدر بريف الرقة الشرقي، تجاهل بعض الأسئلة في أثناء الإجابة عن استبانة شفهية قام بها أحد العاملين في المنظمات المحلية أمام منزله، طلب منه الإجابة عن نحو 30 سؤالًا تتمحور حول وضعه المعيشي والعائلي والاجتماعي.
أغاظت بعض الأسئلة الشاب، ورأى في أسئلة أخرى مخالفة لعادات مجتمعه وتقاليده المحافظة.
يرى سكان في مدينة الرقة وريفها أن بعض الاستبانات التي تقوم بها المنظمات المدنية العاملة في المنطقة “تنتهك” الأعراف والتقاليد، ووصفوها بأنها تجاوز للخدمة الإنسانية التي من واجب المنظمات أن تقوم بها.
أكثر “ما أغاظ” داوود، بحسب ما قاله لعنب بلدي، أسئلة تطرقت إلى إمكانية حدوث تحرش بأحد أفراد عائلته من الإناث، وماذا يتصرف في حال حدوثه، أو تقبله لميول جنسي غير طبيعي (شذوذ جنسي) قد يصادفه من أصدقائه أو ذويه.
كما تحدث داوود عن سؤال موظف المنظمة عن طبيعة الطعام الذي يأكله، ومتى آخر مرة اشترى فيها اللحوم، أو متى آخر مرة أقام مأدبة طعام لأصدقائه أو أقربائه.
صبغة عشائرية
يغلب على سكان مدينة الرقة وريفها الصبغة العشائرية، وتسكنها عدة عشائر عربية، تحول معظمها للمجتمع المدني منذ خمسينيات القرن الماضي.
كما شهدت مدينة الرقة سلسلة هجرات من سكان أرياف حمص وحماة وحلب وإدلب، وذلك خلال العقود الخمسة الأخيرة، ما غيّر كثيرًا من عادات السكان، مع الحفاظ على بعض الأعراف والتقاليد العشائرية، مثل عادات الصلح والعزاء والأفراح.
وقال أحد العاملين في المنظمات المدنية، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن الأسئلة التي تطرحها المنظمات، تندرج ضمن نظام عالمي للأسئلة يُطبّق في جميع الدول التي تشهد نزاعات أو حروبًا أو كوارث إنسانية.
وأشار إلى أن المعايير التي توضع عليها الأسئلة تسمى “معايير الضعف”، وتساعد في فرز الفئات التي قد تستفيد من الخدمات المقدمة من المنظمات المدنية بهدف الوصول إلى الأشخاص الذين يستحقون الدعم أو الإعانة، والتدخل المباشر والسريع في بعض الحالات.
وأقر موظف المنظمة بأن البعض يتهكمون بالأسئلة التي يطرحها العاملون في المنظمات، وهناك من يراها “سخيفة” أو مسيئة، لكن ذلك لا يتعارض مع أن الأسئلة التي تُطرح تحدد سلم درجات يتألف من عدة نقاط ترتبط بالخدمات التي سوف تقدمها المنظمة للمستفيدين.
شأن يخص المنظمات
في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، قال عضو بـ”لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل” في “مجلس الرقة المدني”، إن الأسئلة التي تُطرح من قبل المنظمات على السكان هي شأن يخص المنظمات، ونادرًا ما يتم التدخل بها، إلا في حالات ورد شكاوى لـ”مكتب شؤون المنظمات” في الرقة.
ويشرف “مكتب شؤون المنظمات” في “لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل” على عمل المنظمات العاملة في الرقة وريفها، وعلى المشاريع التي تنفذها، في حين وصل عددها إلى 200 منظمة وفق إحصائيات “مجلس الرقة المدني”.
وأضاف عضو “اللجنة” أن المنظمات العاملة في الرقة ومناطق من شمالي وشرقي سوريا، تعمل وفق مذكرة تفاهم تبيّن طبيعة عمل المنظمة ونظامها الداخلي ونوعية المشاريع التي ستنفذها، ويحق لـ”الإدارة الذاتية” إيقافها في حال خالفت شروط وبنود مذكرة التفاهم.
وتركز المنظمات المدنية العاملة في الرقة على المحاضرات التوعوية وجلسات الإرشاد النفسي وبعض الدورات المهنية، بينما تعيش العائلات في الرقة أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة.
وتسيطر “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا على الرقة منذ نهاية العام 2017، ويتجاوز عدد سكانها 800 ألف نسمة يعيش معظمهم ظروفًا معيشية صعبة، نتيجة الحرب التي مرت بها المدينة، والظروف الاقتصادية التي تعيشها أغلب المدن السورية.