رضوان زيادة
تحول نظام الأسد وخاصة مع بدء الثورة السورية في آذار 2011 وتدريجيًا إلى ميليشيا هائلة القوة تخوض قتالًا يائسًا ضد الشعب السوري مبددًا إمكانياته المادية والبشرية وثرواته، والأخطر من ذلك نسيجه الإجتماعي، عبر دفعه إلى اقتتال طائفي وأهلي بغيض، تحلل النظام أو الميليشيا من كل واجبات الحرب والسلم، فالثورة السلمية جوبهت برصاص حي حصد أرواح خيرة شباب سوريا وزينتها من غياث مطر إلى تامر الشرعي وحمزة الخطيب، لا قوانين للحرب انطبقت عليه أيضا فاستهداف المشافي يظهر وحوشا تمتلئ بالحقد تفرغه بكل أنواع الممارسات اللا أخلاقية واللا إنسانية، مقابل ذلك نجد الشعب السوري صامدًا على مدى عامين تقريبًا ليس ليحافظ فقط على مقاومته وصموده وإنما والأهم على تماسكه في ظل سياسية ترمي إلى كسره وتفتيته.
إن سوريا اليوم في منتصف المرحلة الإنتقالية، فأقسام كبيرة من أراضيها محررة لا يستطيع نظام الأسد الإقتراب منها، فالأسد تحول من رئيس لسوريا إلى محافظ لدمشق وبعض ضواحيها، لا يستطيع الخروج إلى أبعد من قصره قبل أن تسبقه مليشياته وعصابته، وخسارة الأسد لمعظم المعابر الحدودية مع تركيا والعراق يعني بالمعنى السياسي فقدان نظام الأسد لقدرته على بسط سيادته على المناطق الجغرافية ذات الأهمية الإستراتيجية، بكل تأكيد يستطيع الاسد أن يؤذيها، أن يقصفها، أن يحرقها لكنه لا يستطيع بكل بساطة أن يستعيدها، لكن هذه المناطق المحررة بنفس الوقت في معظمها لا صلة جغرافية بينها وسهولة استهدافها جوًا يمنعها من إعلان ذاتها مناطق آمنة، وإدراتها في ظل غياب سطلة مركزية تديرها تزداد صعوبة وتعقيدًا، وكلما طال بقاء الأسد في قصره كلما كانت المرحلة الانتقالية أكثر ألمًا.
وهنا تأتي أهمية مشاركة السوريين جميعًا في التوافق على إدارة المرحلة الإنتقالية، منعًا من دخول الفوضى ولضمان الإنتقال بشكل آمن، فالمناطق المحررة تتطلب سلطة مركزية تديرها سياسيًا، اقتصاديًا، إغاثيًا، قضائيًا، إجتماعيًا، قانونيًا، وهو ما يجب علينا التفكير فيه في المرجعية التي يحق لها تأسيس هذه السلطة في المناطق المحررة وهو ما يضع علينا مسوؤلية جسيمة في ضبط علمية الإنتقال.
ومع سقوط المعابر الحدودية الرئيسية بين تركيا وسوريا وخاصة معبر باب الهوى والسلامة وجرابلس ثم تل أبيض يكون قد سقط الكثير من نظام الأسد ، فسقوط المعابر يعني فقدان الأسد من الادعاء بالسيادة عبر فقدان القدرة على السيطرة على الحدود وهذا يمنح بكل تأكيد الجيش الحر ميزة هامة وهي طرق الإمداد أصبحت مفتوحة تمامًا ، ولذلك تستطيع المعارضة الآن وبكل سهولة العودة إلى المناطق المحررة دون أن يكون الأسد قادرًا على تهديدها أو الإجهاز عليها.
هناك الكثير من القوى السياسية السورية المعارضة ما زالت ترفض تشكيل حكومة مؤقتة بحجة أن الشروط الموضوعية لذلك لم تنضج، أنا برأيي أن العكس هو الصحيح تمامًا، فالشروط الموضوعية التي يتحدثون عنها لن تتحقق أبدًا، إذ من المفروض على الحكومة الانتقالية أو حكومة المنفى أن تحققها
هدف الحكومة الانتقالية تحقيق الأهداف التالية، وبرأيي أنها تستحق من أجلها أن نقوم بتشكيلها:
– أولًا بسط سلطة مركزية على المناطق المحررة لمنع الفوضى فلا المجلس الوطني ولا الائتلاف قادر على بناء هذه السلطة المركزية وكلما تأخرت وطالت الأمور زادت الفوضى وأصبح بسط السلطة المركزية أكثر صعوبة، ومساعدة المناطق المحررة على إدارة الشؤون الخدمية والقضائية والصحية والإغاثية بشكل أفضل.
– ثانيًا على المستوى القانوني عبر نزع الشرعية من نظام الأسد من خلال استلام السفارات التي لا تسلم إلى كيانات سياسية وإنما إلى حكومات تمثيلية وأخذ مواقع نظام الأسد في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
– ثالثًا بتشكيل الحكومة التي يجب أن تحصل على الاعتراف الدولي فإنها ستصادق على اتفاق روما الأساسي وبالتالي أصبحت الأمور مفتوحة لإحالة النظام المجرم إلى محكمة الجنايات الدولية.
– رابعًا بتشكيل الحكومة وعلى المستوى الإداري نتجاوز الخلافات العميقة في المجلس الوطني والائتلاف الذي كل خلافات أعضائه على المناصب والمواقع ولا يناقش أي أمور لها علاقة بالثورة السورية من مثل التسليح أو الدعم الأغاثي وبالتالي مع تشكيل الحكومة يتحدد وزير لكل هذه الأمور وتصبح الأمور الإدارية أكثر وضوحًا وأسهل تعاملًا مع المجتمع الدولي الذي يشكو باستمرار من خلافات المجلس الوطني قديمًا والائتلاف حديثًا دون أن يحسن في إدارة الأمور على المستوى التنظيمي.
خامسًا وأخيرًا هو سؤال من سيخلف الأسد؟ من سيدير المرحلة الانتقالية بعد سقوط الأسد، لن يستطيع المجلس الوطني أن يقوم بذلك، ولا الائثلاف بخلافاته الكثيرة قادر على القيام بذلك، لذا لابد من حكومة انتقالية قادرة على ضبط الأمور بشكل مؤقت إلى حين إجراء الانتخابات.
ولذلك أنا أصر أن الأولوية السياسية اليوم للمعارضة هي تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة في المنفى والمعنى القانوني يختلف لكل واحدة وذلك لن يتم سوى عبر مؤتمر وطني يعقد داخل الأراضي السورية ما أمكن ذلك تكون للمجالس المحلية والثورة والتنسيقيات والجيش الحر والكتائب المقاتلة النسبة الأكبر فيه وتكون مهمته تحديد هيكلية الحكومة وتشكيلها.