تعيش محافظة درعا حالة من الفوضى الأمنية وغياب الأمن، مع تزايد حالات الخطف، التي تهدف إلى ابتزاز السكان بمبالغ تصل إلى مئات الملايين.
ويخشى سكان درعا تفاقم وزيادة الحوادث التي كان أبرزها اختطاف الطفل فواز قطيفان من بلدة إبطع.
في 10 من شباط الحالي، عاد الطبيب حيدر الرفاعي إلى منزله في بلدة أم ولد، بعد اختفائه لما يقارب 20 يومًا، وانقطاع الاتصال معه في أثناء عودته من عيادته في الغارية الشرقية متوجهًا إلى بلدته أم ولد.
وقالت صفحة “خبرني عن أم ولد” المحلية، عبر “فيس بوك“، إن ذوي الدكتور حيدر دفعوا فدية بقيمة 30 ألف دولار أمريكي، مقابل إطلاق سراح ابنهم.
كما أُفرج عن الطبيب أحمد السكري، من سكان بلدة الكرك الشرقي، الذي خطفته مجموعة محلية يعتقد أنها تابعة لـ”الأمن العسكري” بقيادة “أبو علي الرفاعي” الملقب بـ”اللحام”، للضغط على سكان الكرك الشرقي من أجل الإفراج عن الدكتور حيدر الرفاعي.
وأكد سكان من ريف درعا الشرقي لعنب بلدي، حصول مقايضة أمس، الخميس، بين الطرفين، وهي طريقة تشبه المقايضات التي تحصل خلال عمليات الخطف بين محافظتي درعا والسويداء، إذ تلجأ الأطراف أحيانًا للخطف كوسيلة مقايضة.
النظام متواطئ؟
ولا يزال الطفل فواز قطيفان، الذي تحولت قضيته إلى شأن عام، مخطوفًا، رغم جمع المبلغ المطلوب واستعداد أهل الطفل لدفع الفدية.
ولم يتواصل الخاطفون، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، مع ذوي الطفل لتحديد موعد ومكان التسليم.
الناشط حبيب كسابرة المقيم في درعا، قال لعنب بلدي، إن معدل الخطف ازداد بوتيرة متسارعة بعد سيطرة النظام على المحافظة في تموز 2018، في حين يعكس الواقع سيطرة شكلية للنظام على المنطقة على خلاف ما تدعي الرواية الرسمية بفرض الأمن والأمان.
ولم يعطِ النظام أهمية لموضوع الخطف عند تقديم السكان بلاغات عن حالات الخطف، وظهر ذلك جليًا في تعامل الأجهزة الأمنية مع قضية الطفل فواز قطيفان في البداية، قبل تحولها إلى قضية رأي عام.
ولم يستبعد كسابرة أن تكون عمليات الخطف بالتنسيق مع رئيس “الأمن العسكري”، لؤي العلي، صاحب النفوذ حاليًا في المحافظة، وذلك لبث الفوضى والاستفادة من عوائد الأموال التي يتلقاها الخاطفون، كما أن الفوضى تدفع السكان للتفكير بالهجرة لإفراغ المنطقة من شبابها.
أحد وجهاء درعا (60 عامًا) قال لعنب بلدي، إن الاهتمام الكبير بقضية خطف الطفل فواز وتحويلها إلى قضية رأي عام انعكس في اهتمام ملحّ لأجهزة الدولة لتحفظ ماء وجهها، وهذا ما دفع الخاطفين للتخوف من التواصل مع أهله رغم “شبقهم” السابق للفدية.
وأقدم مجهولون على دراجة نارية على خطف الطفل البالغ من العمر ست سنوات، في أثناء ذهابه إلى المدرسة في 2 من تشرين الثاني 2021.
وطالبوا أهله بفدية مالية قدرها 500 مليون (140 ألف دولار أمريكي).
وقال أحد أقارب الطفل المخطوف، تتحفظ عنب بلدي على ذكر اسمه، إن العائلة المقربة من الطفل باعت ما لديها من أراضٍ وممتلكات، ولكن المبلغ لم يكتمل، ونقص عن المبلغ المطلوب 150 مليون ليرة سورية، ما دفع الخاطفين لبث فيديو، تعتذر عنب بلدي عن عدم نشره، يظهر فيه الطفل عاريًا وهو يتعرض للضرب، الأمر الذي لاقى تعاطفًا مع قضية الطفل.
ولا تزال الطفلة سلام الخلف ذات العشر سنوات من سكان بلدة الطيبة بريف درعا الشرقي مجهولة المصير، رغم مناشدة أهلها للبحث عنها، محددين مبلغ 20 مليون ليرة سورية لمن يدلي بأي معلومة عنها.
مرض اجتماعي
استطلعت عنب بلدي رأي سكان من محافظة درعا بهذه الظاهرة، واعتبرتها “أم بلال” (35 عامًا) مرضًا اجتماعيًا خطيرًا، وانعدامًا للضمير، وتخوفت من أن يتحول ما يجري إلى ظاهرة عامة بعد دفع المبلغ.
وتابعت أن الإمساك بالخاطفين ومعاقبتهم هو أكبر رادع، ومع ذلك لا يمكن لوم أهل الطفل على دفع المبلغ خوفًا على مصير ابنهم.
وقال علاء (28 عامًا) من سكان ريف درعا، إن الإدمان على المخدرات، وخاصة الأصناف الغالية الثمن، دفعت الشباب لتشكيل عصابات خطف، والقيام بالسرقات لتأمين مبالغ لهذه المخدرات.
النظام غائب والأحكام عشائرية
استطاع سكان بلدة سحم بريف درعا الغربي الإمساك بعصابة خطفت طفلًا من البلدة، وطالبت أهله بفدية مالية.
ولم يسلّم الخاطفون الطفل للنظام السوري، إنما شُكّلت محكمة من وجهاء عشائر في الريف الغربي، وحكمت بنفي الخاطفين إلى القنيطرة، وتغريمهم بمبلغ 20 مليون ليرة سورية، الأمر الذي دفع السكان للتعليق على هذا الأمر بأنه جائزة ترضية للخاطفين، وتركهم ليمارسوا هواية الخطف بمكان آخر.
وبعد سيطرة قوات النظام على محافظات ومناطق الجنوب السوري في تموز 2018، أقامت “تسويات” أمنية في المحافظة شملت الآلاف من سكان المحافظة، ومقاتلين سابقين بفصائل المعارضة.
الباحث والمحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن “تسوية” عام 2018 كسرت من حدة المقاومة الشعبية في المحافظة، إلا أنها لم تلغِها بالكامل، ما حوّل الحراك المناهض للنظام في المنطقة إلى عمليات اغتيال واستهداف بحق قواته وعناصره المنتشرين فيها، ولذلك لا يمكن القول إن “التسويات” الأمنية بسطت سيطرة النظام على المحافظة.
ثم تبعتها “تسوية” أيلول 2021، التي لم تبسط سيطرة النظام على الجنوب، نظرًا إلى الواقع الميداني وعمليات الاغتيال التي تشهدها المحافظة، بحسب الأسعد.
الواقع الذي لم يتغير في الجنوب السوري عقب عمليات “التسوية”، هو أن النظام لا يزال يخشى من سكان المنطقة، ويخشى دخول بعض المناطق، بحسب الأسعد، ويمكن القول إنه يخشى من “الأفراد” في درعا، ما أجبره على تسخير العملاء لتحويل ساحة الحرب في درعا إلى حرب اغتيالات أسفرت عن عمليات اغتيال متبادلة بين الجهتين لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهو ما يعتقد أنه من الممكن أن يعيد سيطرته على المحافظة.
وقال قيادي سابق لعنب بلدي، إن “السلطة غائبة الآن في درعا، إذ إن النظام عاجز عن إثبات سيطرته على أرض الواقع، وفصائل المعارضة فقدت السيطرة على الأرض بعد عام 2018، لذلك فالجهود الحالية في البحث عن المخطوفين هي جهود مجتمعية من دون قوة تنفيذية”.
وأشار القيادي إلى أن الفصائل استطاعت تحرير طفل في عام 2017 بالقوة العسكرية التي كانت تمتلكها في بلدة الجيزة بريف درعا الشرقي.
–