الربيع العراقي

  • 2013/01/06
  • 11:00 م

جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي وتسرب الرعب إلى قصور الحكام بفعل حناجر الشعوب المتطلعة إلى الأفضل، كان ساسة العراق يحسبون أنهم في مأمن من امتداد هذا الربيع إلى بلاد الرافدين؛ على اعتبار أن هذا الربيع – برأيهم- قد بدأ في الوطن العربي مع تحرر العراق وسقوط نظام صدام حسين وتأسيس دولة الديمقراطية في العراق. إلا أن الديمقراطية ودولة القانون وكل الشعارات التي أطلقها ساسة العراق منذ توليهم زمام الحكم لم تكن كافية لكمّ أفواه العراقيين الذين ضاقوا ذرعًا بسياسة التهميش، وتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية في دولة النفط والثروات.

محافظة الأنبار التي كان من المخطط لها -إيرانيًا ومالكيًا- أن تكون متنفسًا لنظام الأسد ومعبرًا لإمداد قواته بالأسلحة والتعزيزات من طهران، خالفت التوقعات وقلبت الطاولة على كل المخططين، وسجلت موعدًا مع المجد لتنطلق منها الثورة ضد الظلم الطائفي الذي يعيشه شعب العراق منذ تمكين الحكومة «الإيرانية» من السيطرة على أرض الرافدين، ليصبح أرضًا للظلم والقهر والتنكيل بأهل السنة. وأصبحت دعاوى الإرهاب والارتباط بالنظام السابق مطية لاعتقال وإعدام كل من يعارض سياسة الولي الفقيه ورجالاته في الحكومة العراقية حتى طال ذلك نائب الرئيس العراقي وصدر بحقه أكثر من ثلاثة أحكام بالإعدام.

الثورة العراقية في بدايتها، ولكي تسير في الطريق الصحيح من المهم جدًا ألّا تنزلق طائفيًا، ولا تستسلم للطائفية التي زرعتها إيران. هذا الطريق -الطائفي-  الذي يُجهض أي حراك شعبي تجاه الانتصار للحق، فليس السنة وحدهم من يعانون من جرائم نظام المالكي، بل حتى المحافظات الشيعية لم تسلم من هذا الظلم.

إيران اليوم في موقف لا تُحسد عليه، فبعد أن كانت تحاول جاهدة الحفاظ على خطوطها الأمامية في الوطن العربي المتمثلة بسيطرة الأسد على سوريا، أصبحت اليوم مجبرة على النظر إلى الخلف، فقبضتها الحديدية على العراق بدأت تتفلت؛ وهو ما قد يعني تقهقرها إلى الخلف والقبول بخسارة الجبهة السورية مقابل الحفاظ على العراق الذي يعتبر وفق حكام إيران موطئ القدم الأول للامتداد الفارسي في الوطن العربي، وبدونه لا يستقيم مشروعها في بسط نفوذها على المنطقة العربية.

الاختيار بين سوريا والعراق لم يكن أبدًا اختيارًا سهلًا ومرغوبًا به  بالنسبة لإيران ومخططاتها الفارسية، إلّا أنّ صمود الشعب السوري والنجاحات التي يحققها الجيش السوري الحر كل يوم، وتضييق الخناق على بشار الأسد أجبر إيران على هذا الاختيار. وكما أجبر السوريون إيران على هذا الاختيار، ستكون ثورة العراقيين وصمودهم من يجبر إيران على الانكفاء والاختيار بين النفوذ في العراق وبين نفوذها في الأراضي الإيرانية نفسها.

الثوار في سوريا ينظرون بترقب وبحماس شديد إلى الداخل العراقي، ويستبشرون بالحراك الثوري الذي تضج به عدة محافظات عراقية، ذلك أن السوريين على دراية كاملة بما لحق من ظلم بإخوتهم في العراق منذ نظام حكم العائلة إلى حكم دولة اللاقانون الإيراني، إضافة إلى أن المواقف الدولية لابد وأن تتغير إيجابًا تجاه القضية السورية، بعد أن أصبح العراق عنصرًا أساسيًا ومهمًا في المعادلة، من أمريكا التي لايغيب عن ذهن أحد مدى عمق مصالحها في العراق، والتي مازالت في حقيقة الأمر تنأى بنفسها عن تقديم الدعم الحقيقي للمعارضة السورية، مرورًا بروسيا المتعثرة في بلدان الربيع العربي والتي تبحث عن مخرج يحافظ على كبرياءها، بعد أن استشعرت ولمست قرب انتصار الثوار في سوريا، وصولًا إلى إيران التي تحبس أنفاسها قُبيل انهيار الأسد، وتبعات ذلك على مصالحها في المنطقة كلها.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا