“أبجدية الياسمين”.. هكذا يقول نزار قباني وداعًا
يعتبر ديوان “أبجدية الياسمين”، علامة شعرية فارقة في تاريخ الشاعر السوري نزار قباني، لا لأن الديوان جاء بعد أكثر من 50 عامًا شعريًا في مسيرة قباني فقط، بل لأنه ديوان الوداع، الديوان الأخير الذي ودّع به نزار قباني الساحة الشعرية، بعدما عاين بنفسه محبة الجمهور والتفافه حول القصيدة وقاصدها.
وعلى خلاف كل دواوين نزار السابقة، جاء “أبجدية الياسمين” كما تركه صاحبه تمامًا، بالملاحظات الجانبية، والمقاطع المشطوبة، والتحويلات النصية، فالديوان بخط يد نزار قباني، كما أراد أبناؤه، عمر وزينب وهدباء، ليكون هدية قباني إلى محبيه.
وما يعطي الديوان خصوصية أكبر أنه لم يُكتب خلف الطاولات وتحت مصابيح المكاتب، بل في المستشفى، وتحديدًا في الغرفة رقم 12 ضمن مستشفى “سان توماس”، في العاصمة البريطانية، لندن، بين عامي 1997 و1998، وهي الفترة التي أعلن بها جسد الشاعر تعبه، واحتجاجه على ما يحمله من تعب.
كما كتب نزار قباني قصيدة باسم “بدونك” على كيس بلاستيكي يحمل اسم إحدى الصيدليات، فالجسد لدى نزار يتداوى بالشعر أيضًا مقدار تداويه بالعقاقير.
في المشهد، لو شاء القارئ إعمال المخيلة لحشد جمعًا غفيرًا من الجمهور والورد والأزاهير تلون ممرات المستشفى وباحاته، وصلوات تُتلى علّها تشفع بإطالة عمر وانتزاع عافية أضنتها التجارب.
وحول مشهد الحب العارم الذي تحدّث عنه قباني في مقدمة الديوان، يرجع الشاعر علاقة الجمهور الوفية ليس بالقصيدة فقط، بل بحامل لوائها، إلى حالة التقارب التي خلقها مع الجمهور عن دراية منه.
يقول نزار قباني، “رفعت الكلفة بيني وبين الوطن، وجلست مع الناس على بساط المحبة والديمقراطية، وتقاسمت معهم لغة شعرية لا تختلف في بساطتها عن حديثهم اليومي”.
كما أقام صالون “العشرين” الأدبي في لبنان حينها دعوة للشعراء والأدباء والعشاق للحضور إلى كنيسة “سيدة حريصا”، في 3 من تشرين الأول 1997، لإشعال الشموع والمشاركة في صلاة تضرع من أجل نجاة قباني.
وبالنظر إلى الأجواء التي رافقت ولادة القصيدة وموت شاعرها، فالقصائد جاءت قريبة من المناخ النفسي لرجل في عقده السابع لم يرجح جسده الكفة لمصلحة الحياة، فافتتح نزار بقصيدة حملت اسم “تعب الكلام من الكلام”.
وقال فيها، “لم يبقَ عندي ما أقولُ، يبست شرايين القصيدة، وانتهى عصر الصبابة والرتابة والصبابة، وانتهى العمر الجميل”.
وعلى مدار الديوان الذي تلخّص بنحو 13 قصيدة طويلة استرسل خلالها نزار قباني وأفلت من مصيدة القافية في مكان ليعود في مكان آخر ويمسك بناصية الشعر وشعور القارئ، مقدمًا قصائد لا ينطفئ تأثيرها بالتقادم، فيقول في آخر قصائد الديوان، التي حملت اسم “القصيدة الأخيرة بدون عنوان”، وهي قصيدة كتبها نزار في آذار 1998، أي قبل نحو شهر فقط من وفاته.
“أنزف الشعر منذ خمسين عامًا، ليس سهلًا أن يصير المرء شاعرًا”.
لا أغاني أو أناشيد لهذا الديوان، فطبيعة القصائد وخصوصية التجربة، أبعدت هذه القصائد حتى العام الحالي على الأقل عن متناول الموسيقا والنغم، ربما لتفسح المجال لغنائية الكلمة التي لا تخلو قصيدة لنزار قباني منها أيًا كان بحرها أو قالبها الشعري.
نزار قباني شاعر ودبلوماسي سوري ولد عام 1923، في حي مئذنة الشحم العريق بالعاصمة السورية دمشق، وهو حفيد “أبو خليل القباني”، أحد رواد المسرح السوري، ويقول أبناؤه تعليقًا على ولادته في 21 من آذار ورحيله في 30 من نيسان 1998، “ولد في الربيع ورحل في الربيع، الربيع كان قدره كما كان الشعر”.
وفي كتابه النثري “قصتي مع الشعر”، يقول نزار قباني، “الأرض وأمي حملتا في وقت واحد، ووضعتا في وقت واحد”.
36 ديوانًا من الشعر، و12 كتابًا في النثر، بما فيها كتاب يروي السيرة الذاتية لقباني حمل اسم “من أوراقي المجهولة”، إلى جانب مسرحية بعنوان “جمهورية جنونستان”، ومئات الأغنيات المطبوعة على شفاه كبار مطربي الأغنية العربية، مثل عبد الحليم حافظ وفيروز وكاظم الساهر وماجدة الرومي وأم كلثوم، كل ذلك كان إنتاج نزار قباني الذي تنوعت مواضيعه بين السياسة والحب والغضب والثورة والمرأة في البدء والخاتمة.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :