نشرت صحيفة “واشنطن بوست“، الخميس 10 من شباط، تفاصيل جديدة عن عملية الإنزال التي نفذتها قوات أمريكية لاغتيال زعيم تنظيم “الدولة”، عبد الله قرداش المعروف بـ”أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” في إدلب.
ووفقًا لما ترجمته عنب بلدي عن الصحيفة، بدأت مراقبة “القرشي”، في الخريف الماضي، بطائرة تجسس أمريكية من دون طيار، كانت كاميرتها ترصد منزله الكائن على حافة بستان زيتون في إدلب.
ورافق الطائرة عناصر استخبارات موجودون على الأرض، قالت الصحيفة إنهم يعملون لمصلحة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وكانوا مزودين بكاميرات وأجهزة استشعار عن بعد.
ساق “القرشي” المبتورة ساعدت على كشفه
وقال مسؤولون أمريكيون، إن زعيم تنظيم “الدولة” كان يتخذ إجراءات أمنية مشددة للتهرب من ملاحقيه، فبالإضافة إلى حظر الهواتف المحمولة واتصالات الإنترنت، اعتمد “القرشي” على “السُعاة”، الذين ينقلون له الأخبار إلى منزله في أطمة.
وأسهم هذا التكتيك، وفق الصحيفة، في كثرة زيارة الغرباء إلى أطمة، ما عرّضهم وعرّض “القرشي” لنظرات مشبوهة من السكان، في المنطقة التي ليس فيها وجود علني لتنظيم “الدولة”.
كذلك، فإن الإعاقة الجسدية لـ”القرشي” الذي فقد ساقه اليمنى في غارة جوية عام 2015 وفقًا لما يعتقده محللو الاستخبارات الأمريكية، ساعدت المراقبين على التعرف على هويته، والتأكد من أنه يقطن في المنزل المستهدف.
ورُصِد زعيم تنظيم “الدولة”، وفقًا لما قاله مسؤولون أمريكيون، أولًا من قبل مُخبري “قسد” الموجودين على الأرض، والذين تتبعوا وصول ومغادرة رجال مسلحين للطابق العلوي من المنزل الذي يسكن فيه “القرشي”، لتؤكد المعلومة طائرات التجسس التي تراقب المكان.
استعدادات مبكرة
وبدأت فرق القوات الخاصة الأمريكية التدرب على الإنزال، منذ أواخر أيلول 2021، إذ اعتقد المخططون وجود أفخاخ ملغّمة مخصصة لوقف المهاجمين، وقال اثنان من كبار المسؤولين العسكريين المشاركين في العملية، إن التدريبات تضمنت نماذج مشابهة للمكان، بما فيها نموذج بالحجم الطبيعي له.
ووُسِّعت المراقبة، وفقًا للمسؤولين الأمريكيين، لتشمل بعضًا من أكثر الكاميرات وأجهزة الاستشعار تطورًا التي تملكها الحكومة الأمريكية، كما أسهم موظفو الاستخبارات في فهم طبيعة الأشخاص الموجودين في المبنى ونمط حياتهم.
وأسهم طول فترة المراقبة وكثافتها، وفقًا لمسؤول استخباراتي كبير، في تعقّب “السُعاة” ومراقبتهم في أثناء لقائهم بجهات اتصال في أجزاء أخرى من العراق وسوريا، كما زاد تدفق “السُعاة” إلى منزل “القرشي” بعد الهجوم الذي نفّذه تنظيم “الدولة” على سجن “غويران” في الحسكة، ما يدل على مشاركته في التخطيط له.
التنفيذ
بحلول 1 من شباط الحالي، قرر المخططون العسكريون أن ظروف إنزال “الكوماندوز” كانت شبه مثالية، وعُرضت الخطة على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي وافق عليها.
وساد التوتر غرفة العمليات، وفقًا للمسؤولين، بسبب كون العملية في منطقة “معادية” تسيطر عليها “جماعات متطرفة”، إضافة إلى كون قوات “الكوماندوز” تحلّق داخل وخارج المجال الجوي الذي يسيطر عليه الجيش الروسي، إذ اتخذ المسؤولون قرارًا بعدم تنبيه موسكو في وقت مبكر، والاعتماد على آلية تفادي التضارب التي تتفق عليها الدولتان لمنع حدوث المشكلات.
وفي الساعة الواحدة صباحًا، حلّقت طائرات هليكوبتر تحمل أكثر من 20 فردًا من “قوات النخبة” فوق المنزل في أطمة، بينما كان فريق من “دلتا” (إحدى وحدات القوات الخاصة الأمريكية) يستعد للنزول على الحبال، إضافة إلى مروحيات “أباتشي” وطائرات مقاتلة وطائرات “ريبر” المسلحة دون طيار التي جابت السماء لمراقبة التطورات.
أيقظ دويّ المروحيات الجيران، وتجمّع الناس، ليسمعوا صوتًا ينادي من مكبر صوت باللغة العربية، “من أراد أن يحفظ روحه فليخرج”.
وخرج بعدها من إحدى المروحيات مقاتلون يرتدون السترات الواقية من الرصاص، نزلوا على الحبال، وجمعوا الأسرة الموجودة في الطابق الأول (رجل وامرأة وعدة أطفال)، واقتادوهم بعيدًا.
ووفقًا الصحيفة، فإن روايات المحللين والشهود تدعم الرواية الرسمية، التي تقول إن “القرشي” ومعاونيه فخخوا المنزل بالمتفجرات لضمان عدم إمكانية أسره حيًّا.
ولم يتضح بعد من فجّر القنبلة في المكان، إذ يعتقد المسؤولون العسكريون أنه هو من فعل ذلك، من دون أن يستبعدوا أن يكون شخص آخر، كإحدى زوجاته، هو من فجرها.
ومسحت قوات “دلتا” بعد الانفجار بقايا الشقة، بواسطة مجسّ آلي أو طائرة دون طيار، لإمكانية وجود المزيد من الأفخاخ المتفجرة.
وتابعت الصحيفة أن قوات “الكوماندوز” تعرضت لإطلاق النار من قبل مرافق “القرشي” في الطابق الثاني، ثم من قبل زوجة المرافق، وقال مسؤولون إن كليهما قُتل في تبادل لإطلاق النار، وإن القوات الأمريكية أبعدت عددًا من الأطفال على الأرض، وسلّمتهم إلى أسرة أخرى قريبة، وفق روايتهم.
استمرت المهمة ساعتين، وفي ختامها جمع أعضاء من فريق “دلتا” الأوراق وغيرها من المعلومات الاستخباراتية من داخل المنزل، في حين أخذ آخرون بصمات أصابع من رفات “القرشي”، وحملوا عيّنة بيولوجية لاختبار الحمض النووي.
تُركت الجثة هناك وسط أنقاض المنزل الواقع على حافة حقل للزيتون، وبعد حوالي 12 ساعة من انتهاء الغارة، اكتملت الاختبارات، وأُكّدت هوية زعيم تنظيم “الدولة”، ليخرج بايدن ويتلو إعلان العملية رسميًا على الهواء مباشرة.
–