مع استمرار معاناة اللاجئين وسط شتاء قاسٍ شهدته مناطق الشمال السوري، والعديد من المناطق السورية الأخرى، وشدة برودة الأجواء وتشكّل الصقيع والجليد والضباب، ظهرت العديد من حملات التبرع، التي أشرفت عليها جمعيات ومنظمات محلية مهتمة بالعمل الإنساني، إلى جانب استخدام بعض المؤثرين منابرهم لهذا الغرض.
ونشطت عمليات جمع التبرعات بوتيرة مرتفعة، سواء من الجمعيات والمنظمات، أو من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وطُرحت تساؤلات عديدة عن دور المؤثر في الحملات، وأُثير جدل حول اقتصار دوره على جمع التبرعات أو وجوب متابعة توزيعها.
الصحفي السوري المتخصص بالاتصال الجماهيري، ومدير التواصل في مركز “السياسات وبحوث العمليات”، محمد حداد، أوضح لعنب بلدي عدم وجود اختلاف جوهري بين من يجمعون التبرعات، نظرًا إلى أن الهدف واحد في الغالب، ألا وهو جمع تبرعات مالية أو عينية لمساعدة ومناصرة قضية ما، خصوصًا القضايا ذات البعد أو الطابع الإنساني.
الاختلاف الذي يمكن أن يتجلى بين الشريحتين، بحسب حداد، هو الوصول والتأثير، فعندما يكون المؤثرون جزءًا من تلك الحملات، فهي تصل أكثر.
رفع الوعي بالمشكلة والوصول
مع بداية ظهور المؤثرين، كان نشاطهم مقتصرًا إلى حد معيّن على تقديم محتوى ترفيهي، ومن خلاله يقومون بتسويق سلع تجارية لمتابعيهم مقابل المال، ولاحقًا بدأ نشاطهم بالتوسع، من خلال تقديم محتوى يتطرق لمختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بهدف الشهرة والمال.
وأدى توسع نشاط المؤثرين إلى ظهور منحى مختلف لتأثير المحتوى الذي يقدمونه، فبعد أن كان من أجل أهداف تسويقية أو للشهرة، صار التأثير يطال وعي المتلقي، وتكوين الرأي العام حول القضايا التي تهم الجمهور.
حداد يرى أن الدور الذي قد يلعبه المؤثرون، خصوصًا الذين يحظون بمتابعة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو دور بالغ الأهمية، فبالدرجة الأولى، يكون لهم دورهم في رفع الوعي بالقضية والمشكلة التي تنطلق منها الحملة، وتوضيح كيفية نشوء هذه القضية، والوضع الحالي للمتضررين فيها، ونوع التضامن الاجتماعي الذي يمكن للمتابعين تقديمه من أجل دعم تلك القضية.
وأكد مدير التواصل أن المؤثرين قادرون على الوصول إلى عدد أكبر من الناس، كونهم متابَعين من قبل جمهور واسع، ويحظون بحاضنة شعبية كبيرة، ولهم القدرة على التأثير في مواقف الأشخاص، وبالتالي سلوكهم تجاه حملة ما.
وكان “اليوتيوبر” ولاعب الفيديو الكويتي حسن سليمان، المعروف بـ”أبو فلة”، جمع أكثر من 11 مليون دولار، ضمن حملة “أجمل شتاء في العالم”، التي أطلقها في 7 من كانون الثاني 2022، لمساعدة اللاجئين.
واستطاع الشاب الكويتي الذي يتابعه أكثر من 24 مليون مشترك على قناته في “يوتيوب” جمع المبلغ، في 18 من الشهر نفسه، عبر بث مباشر لقناته، بعد أن حبس نفسه في غرفة زجاجية وسط مدينة دبي، واستغرق البث 12 يومًا، وتحدث كثيرًا خلال البث عن عدد العائلات المستفيدة، وأهمية تخفيف معاناة اللاجئين في العالم، وضرورة مساعدتهم.
وفي 28 من كانون الثاني الماضي، جمع فريق “ملهم التطوعي” مبلغ مليوني دولار، بعد خمسة أيام على إطلاق حملة متواصلة تحت اسم “حتى آخر خيمة”.
كما أطلق “اليوتيوبر” والناشط المقدسي صالح زغاري حملة “عطاؤك دفؤهم”، في كانون الأول 2021، وحققت غرضها بتأمين 350 ألف دولار، لدعم اللاجئين على الحدود السورية- التركية، وفي لبنان، وقطاع غزة، وفق ما قاله زغاري في حديث إلى عنب بلدي.
وأوضح زغاري أن حملته نشأت من فكرة شخصية، لكنه طلب مساعدة “مؤسسة الخير البريطانية” (إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية مقرها في بريطانيا ولها أفرع في عدة دول)، لأجل الشفافية والمصداقية، ولعدم جمع المال على حسابه البنكي الشخصي.
وأضاف زغاري أن وجود مؤسسة أو منظمة مع وجود حوالات رسمية وجداول التبرع المصروفات يزيل الشكوك، وكان شرط زغاري على المؤسسة وجود أكثر من فريق تصوير في الحملة لتوثيق وصول التبرعات إلى الناس.
متى ينتهي دور المؤثر؟
أثارت حملات التبرعات العديدة حفيظة الجمهور العربي الذي حمّل المؤثر نفسه وصاحب الحملة مسؤولية وصولها لمن يستحقها، ومنهم من شكّك بمصداقية المنظمات وشفافيتها لغياب التوضيحات عن آلية توزيع التبرعات.
يجب على المؤثرين وحتى المتبرعين متابعة أين وكيف تم توزيع التبرعات، وليس بالضرورة المتابعة الفعلية بشكل شخصي، وإنما مطالبة القائمين على الحملة والمنفذين لعمليات التوزيع بتقديم آليات شفافة وواضحة تشرح للمتبرعين أين وكيف ولمن تم صرف التبرعات، بحسب محمد حداد.
الإعلامي شعيب راشد، وفي تسجيل مصوّر تحدث فيه عن حملة “أبو فلة” مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و”شبكة بنوك الطعام الإقليمية”، طالب بنشر تقرير مالي علني عن كيفية صرف المبلغ، إضافة إلى تقرير مالي مدقق من شركات مستقلة، وهي ممارسة متعارَف عليها في سياق العمل الإنساني، على الأقل بين المانح والمنفذ للمشروع، بغية خلق قدر أكبر من الشفافية والحد من أي ممارسات قد تؤدي إلى فساد مالي.
وكان منشور للمفوضية السامية لحقوق اللاجئين أثار حفيظة الجمهور العربي، إذ تحدث عن قرار المفوضية توزيع نصف التبرعات التي جمعها “أبو فلة”، ضمن حملة “أجمل شتاء في العالم” لمساعدة اللاجئين، بعد أن اعتبر ناشطون أن نصف مبلغ الحملة سيذهب كرواتب شهرية للعاملين فيها وأجور تشغيلية لمشاريعها، لتوضح المفوضية لاحقًا أن أموال التبرعات البالغة قيمتها أكثر من 11 مليون دولار، ستذهب بالكامل لدعم العائلات المحتاجة، بحسب ما أوضحه المركز الإعلامي التابع للمفوضية لعنب بلدي.
مدير التواصل في مركز “السياسات وبحوث العمليات”، يرى أن مطالب التوضيح من المؤثرين والقائمين على الحملات، لا تعني أبدًا التشكيك بنزاهتهم، وإنما هي وسيلة لخلق ثقة أكبر بين المتبرعين والحملات التي يسهمون فيها، ما يعني استمرارية الإسهام في حملات لاحقة.
من جهته، أكد “اليوتيوبر” زغاري أن دور مطلق الحملة أو المؤثر لا ينتهي بجمع المال فقط، فمن الأفضل متابعة التبرعات التي أسهم فيها المتابعون والمتبرعون.
وأشار زغاري إلى أن الحملات عادت بفائدة أيضًا على المؤثر ومطلق الحملة، في زيادة عدد متابعيه وشهرته ووصول اسمه إلى عدد أكبر من الناس، فمن “حقهم رؤية أين ذهبت أموالهم”.
تأثير إيجابي للمشاهير
حملات التبرع لم تقتصر على ظهور المؤثرين عبر بث مباشر، إنما تخلل بعضها ظهور مشاهير من ممثلين وفنانين وأشخاص يتمتعون بحاضنة شعبية كبيرة، في نفس البث.
واستقطبت حملة فريق “ملهم التطوعي” العديد من المؤثرين السوريين، مثل محمد راتب النابلسي، وعمر الشغري، إلى جانب ممثلين معارضين، مثل مكسيم خليل، وسوسن أرشيد، وجهاد عبدو، الذين دعوا متابعيهم إلى المشاركة في الحملة، في سبيل إنهاء معاناة مئات العائلات بالشمال السوري.
ونشر المؤثرون تسجيلات مصوّرة من اشتراكهم في البث المباشر، يتحدثون فيها عن القضية، وتسهيل وصول المتابعين إلى الروابط الإلكترونية التي تمكّنهم من التبرع لتلك الحملات بشكل مباشر.
وقال حداد، إن ظهور “المشاهير” أسهم بتسريع وزيادة حجم التبرعات، لوصول الحملة إلى عدد أكبر من الناس والمتابعين، الأمر الذي جعل أكبر عدد من الناس على وعي بالمشكلة والقضية، وأصبحوا على معرفة بكيفية الإسهام، وخلق تغيير إيجابي في القضية المرتبطة بحملة التبرعات.
دخول الممثلين والفنانين مفيد، بحسب مدير التواصل، فإسهام المشاهير يتركز بالدرجة الأولى في تحقيق وصول للحملات ووعي بوجودها، وبالدرجة الثانية الثقة في القائمين عليها، ولكن بحد ذاته غير كافٍ لإلغاء التشكيك.
ونوّه حداد إلى أن ظهور “المشاهير” ومشاركتهم ودعواتهم في أثناء البث لا ينهي الشك المتعلق بعدم وصول المساعدات لمستحقيها عند الجماهير كافة، إلا بتطبيق آليات شفافية تمنع الفساد المالي، مؤكدًا أن الحل الأمثل لموضوع التشكيك في وصول المساعدات، هو تقديم وتطبيق آليات شفافية تمنع الفساد المالي في تلك الحملات.
ورغم ظهور العديد من دعوات وحملات التبرعات، يرى البعض أنها لا تلبي الاحتياجات، مع دعوات منظمات محلية ودولية إلى إيجاد حلول نهائية تُخلّص اللاجئين من خيامهم.
–