مقاصد “بيدرسون” وفرص نجاح مقاربة “خطوة بخطوة” في سوريا

  • 2022/02/06
  • 9:04 ص
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، يلتقي بأعضاء اللجنة الوسطى الثالثة قبل افتتاح اللجنة الدستورية السورية في جنيف. 17 من تشرين الأول 2021 (فيولين مارتن)

مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير بيدرسن يلتقي بأعضاء اللجنة الوسطى الثالثة قبل افتتاح اللجنة الدستورية السورية في جنيف. 17 من تشرين الأول 2021 (فيولين مارتن)

عنب بلدي – ديانا رحيمة

يسعى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، لطرح مقاربته الجديدة “خطوة بخطوة” بشكل متكرر، وكأنها آخر الحلول في الملف السوري، بعد وصول محادثات اللجنة الدستورية إلى طريق مسدود، وتعرضه للعديد من خيبات الأمل المتلاحقة، إثر عدم توصل جهتي التفاوض من النظام والمعارضة إلى حل سياسي.

ويصوّر بيدرسون المقاربة التي يتحدث عنها، والتي تتجلى بوجود تقارب أمريكي- روسي بالملف السوري وهو حجر الأساس في مقاربته، بأنها لا تزال في مرحلة العصف الفكري، وأن هنالك جولات إضافية من المشاورات، ولكن خطوات التقارب بين الدولتين لم تبدأ الآن.

منذ صفقة الجنوب

تحقق جزء من التقارب بين الدولتين العظميين (روسيا وأمريكا) في سوريا فيما يسمى “صفقة الجنوب”، عندما تخلّت واشنطن عن المعارضة السورية في درعا، لتتمركز فيها الشرطة الروسية.

كانت واشنطن تدعم المعارضة في سوريا، سواء بشكل علني عبر تدريب المقاتلين لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في قاعدة “التنف” الأمريكية، أو عبر تدريب وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) لمقاتلي المعارضة في درعا بشكل سري، لحماية حلفاء واشنطن الإقليميين في المنطقة (إسرائيل والأردن)، ولكن مشاركة إيران في محادثات “أستانة” عام 2017، قلبت الموازين وأُجريت الصفقة مع روسيا.

في 28 من حزيران 2018، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية يدها عن فصائل “الجيش الحر” في درعا، بالتزامن مع مشاركة الطيران الروسي في معركة قوات النظام على المنطقة.

وحصلت عنب بلدي على رسالة وجهتها أمريكا للفصائل قبيل تخليها عنها، جاء فيها، “نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، ولا نزال ننصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا”.

وأوضحت أمريكا موقفها، “نفهم أن عليكم اتخاذ قراركم حسب مصالحكم ومصالح أهاليكم وفصيلكم كما ترونها، وينبغي ألا تسندوا قراركم إلى افتراض أو توقع بتدخل عسكري من قبلنا”.

وقالت، “يجب أن تتخذوا قراركم على أساس تقديركم لمصالحكم ومصالح أهاليكم، وهذا التقدير وهذا القرار في يدكم فحسب”. وتعتبر الرسالة انسحابًا من قبل أمريكا من ملف الجنوب السوري ومن دعم الفصائل العسكرية.

في 27 من حزيران 2018، نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر عربية مطّلعة، أن أمريكا عرضت على روسيا إطلاق المحور الأمريكي- الخليجي- الإسرائيلي في فلسطين، مقابل نفوذ خالص لموسكو في سوريا.

ووصفت المصادر العرض الأمريكي بـ“السخي”، كونه يتضمّن اعتراف واشنطن بالمصالح الروسية في دمشق، واعتبارها منطقة نفوذ روسية خالصة، مقابل تحجيم روسيا دور إيران أولًا، وتسهيل “صفقة القرن” ثانيًا.

صفقات غير معلَنة

لم تعترض روسيا كما اعتادت أن تفعل خلال السنوات الماضية على قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد التفويض الخاص بإيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا لمدة ستة أشهر أخرى، وذلك دون تصويت جديد في المجلس.

ونشر الباحث في معهد “الشرق الأوسط” تشارلز ليستر، عبر “تويتر”، تغريدة قال فيها، إن ثلاثة مصادر دبلوماسية أخبرته بشكل موثوق أن روسيا حاولت إفشال قرار التمديد، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أعطت تسهيلات للمنظمات غير الحكومية الدولية للعمل مع النظام السوري.

وتابع أن المقايضة هي منح المنظمات الدولية غير الحكومية صلاحيات للعمل مع نظام الأسد، والأمر الثاني السماح بعمل مساعدات الأمم المتحدة في “التعافي المبكر” في سوريا، والثالث هو دعم المزيد من المساعدات عبر الخطوط من دمشق، إضافة إلى تسهيل أشياء أخرى، مثل صفقة الغاز والكهرباء المارّة من سوريا إلى لبنان.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت عن دراسة تعديل العقوبات المفروضة على النظام السوري، لتستثني منظمات غير حكومية في سوريا.

وجاء في بيان  صادر عن الخزانة، في 24 من تشرين الثاني 2021، أن تعديل العقوبات المفروضة على النظام سيكون لتوسيع التفويض الحالي المتعلق بأنشطة معيّنة لمنظمات غير حكومية في سوريا.

وتساند منظمات غير حكومية النظام السوري، أبرزها “الأمانة السورية للتنمية”، المرتبطة بأسماء الأسد، وتحظى بتشبيك واسع مع منظمات محلية، إلى جانب “الهلال الأحمر السوري”، الذي يشرف على مشاريع متعلقة بالمساعدات، ويُتهم بالفساد وخدمة النظام السوري سياسيًا.

تغيير النظام أم سلوكه؟

في تشرين الأول 2021، كشفت صحيفة “الشرق الأوسط” مضمون ما أسمته “وثيقة سرية” مُقترحة من الأردن تعطي مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق.

وتضمّنت الوثيقة خطوات لـ”تغيير متدرّج لسلوك النظام، وانسحاب جميع القوات الأجنبية التي دخلت إلى سوريا بعد العام 2011، مع الاعتراف بالمصالح الشرعية لروسيا في سوريا”.

وصرّح مسؤول غربي رفيع المستوى اطلع على الوثيقة (لم تُفصح عنه الصحيفة)، أن الوثيقة نوقشت في الفترة الماضية بين قادة عرب بينهم العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والرئيسان، الأمريكي، جو بايدن، والروسي، فلاديمير بوتين، عام 2021.

وتتقارب مضامين الوثيقة مع اقتراح بيدرسون في مقاربة “خطوة بخطوة”، الذي اقترحه مجددًا كمحاولة لتحقيق المقاربة بين الموقفين الروسي والأمريكي في الملف السوري.

نقلت وزارة الخارجية الإيرانية تصريحًا قالت إن بيدرسون أدلى به في أثناء زيارته إلى طهران، في 16 من كانون الثاني الماضي.

ونقلت الوزارة حينها، على لسان بيدرسون بعد لقائه بوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قوله، “الوضع في سوريا مستقر”، مؤكدًا أنه في ظل الظروف الحالية “لا يتحدث أي طرف عن تغيير النظام في البلاد”.

وللتأكد من حقيقة هذا التصريح، تواصلت عنب بلدي مع مكتب التواصل الخاص بالمبعوث الأممي إلى سوريا، دون أن تتلقى أي رد حول هذا الموضوع حتى ساعة إعداد التقرير.

وتضمّن أحد مقترحات الوثيقة السرية، أن يؤدي الأردن “انخراطًا اختباريًا” مع النظام، قبل أن توسع الاتصالات مع كبار الموظفين القائمين على الوثيقة، لصوغ خريطة تنفيذية لمقاربة “خطوة بخطوة”، متضمنة ملفات كتغيير سلوك النظام إزاء العملية الدستورية، ودور إيران، وعودة اللاجئين، واستثناءات من العقوبات، وإعادة الإعمار.

أين تقف المعارضة من “تغيير سلوك النظام”

من جهته، قال رئيس اللجنة المشتركة لوفد المعارضة في أعمال اللجنة الدستورية، هادي البحرة، لعنب بلدي، إن قرار مجلس الأمن “2254” والقرار السابق “2118” الذي تبنّى بيان “جنيف”، في 30 من حزيران 2012، أوضح أن هدف العملية السياسية هو تحقيق الانتقال السياسي الجذري والشامل، وهو الحل الوحيد القابل لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، وليس تغيير سلوك النظام.

ويرى البحرة أن الإصلاحات التجميلية لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد معاناة الشعب السوري، واستمرار تدهور الحالة الاقتصادية، وتعريض الدولة السورية للمزيد من التفكك.

وأضاف أن استمرار إهمال المجتمع الدولي لهذه الحقائق، سيؤدي إلى عواقب وخيمة، وضياع مستقبل أجيال من السوريين، وتعزيز التطرف.

وتابع أن الحقيقة التي يعرفها المجتمع الدولي حق المعرفة، هي أنه “لا وجود لحل إنساني للأزمات الإنسانية”، لأن الأسباب الجذرية لهذه المأساة الإنسانية هي سياسية وحلها سياسي.

إن الحل الجاد والحقيقي يتعامل مع الأسباب الجذرية التي أدت إلى ثورة الشعب السوري، نتيجة لسياسات القمع والاستبداد والفساد والجرائم التي ارتُكبت بحقه، وبالتالي لا يمكن توقع أي حل مستدام يتعاطى مع الأعراض ويهمل مظلومية الشعب السوري وتطلّعاته للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية.

لذلك فإن أي طرح لخطط ومبادرات تقوم على مقايضة تنفيذ القضايا الإنسانية بتنازلات سياسية ودبلوماسية، لمصلحة إعادة تدوير نظام أمعن بالإجرام بحق شعبه، ودمّر بنى الوطن، يعتبر انتهاكًا واضحًا لكل القوانين والأعراف الدولية وانتهاكًا لأسس العدالة.

وأضاف البحرة أن أي جهد أو مبادرات لا تؤدي إلى التنفيذ الكامل والصارم لقرارات مجلس الأمن “2254” و”2118″ متضمنة بيان “جنيف”، تعتبر التفافًا على هذه القرارات، وانتهاكًا للحقوق المشروعة للشعب السوري.

من جهتها، قالت الباحثة والأكاديمية وعضو اللجنة الدستورية سميرة مبيض، إنه في ظل غياب أدوات فاعلة لتنفيذ هذه المقاربة، وعدم وجود تغيير جذري في آلية التفاوض السياسي التي أدت إلى فشل على جميع الأصعدة خلال العقد الماضي، فإن فرص نجاح هذه المقاربة لا تبدو كبيرة بحكم أنها تكرار للمكرر وفق ما تقدمت به، حيث تحتاج أي مقاربة إلى أدوات تنفيذية، وخطة عمل، وفترة زمنية، وتعريف واضح للهدف، وترى أن هذه العوامل لم تتوضح بعد في خطة المبعوث الدولي.

وتحدثت مبيض لعنب بلدي عن أن من أبرز معوقات المقاربة، أنها تعتمد على نفس الأطر السابقة المتمترسة في حالة استقطاب عسكري وتمسّك بالسلطة الناتجة عن الصراع المسلح، واستمرارية هذه الأطر تتطلب استمرارية الصراع، فهي لن تسعى لبناء السلام أو للتفاوض البنّاء، لأن ذلك ينهي مسببات وجودها.

ولا ترى المبيض، في ظل المعطيات التي قدمها المبعوث الدولي، أي منجز محتمل لهذه المقاربة إلا إطالة عمر قوى الأمر الواقع، وإطالة عمر معاناة السوريين.

لا حل سياسيًا دون تقارب سوري- سوري

فيما يخص الموقف الروسي، قال الدبلوماسي السابق، والمستشار لدى الخارجية الروسية، رامي الشاعر، لعنب بلدي، إن روسيا تؤيد مقاربة المبعوث الأممي، التي لا تسعى إلى أي هدف دون إيجاد حل سياسي.

ويرى أن السوريين طوال السنوات العشر الماضية لم يتخذوا سوى سياسة خطوة ضد خطوة تجاه بعضهم، سواء من جهة “القيادة في دمشق” أو المعارضة السورية، إذ إنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة أساسية، أو فهم أن المشكلة الأساسية التي تعرقل أي تقدم لحل الأزمة السورية وتخفيف معاناة الشعب السوري تكمن فيهم أنفسهم.

وخص الشاعر بالذكر “الرئيس بشار الأسد”، والفريق الذي حوله والقيادات في المعارضة السورية، كـ”الائتلاف” وممثلي الطرفين في اللجنة الدستورية الصغرى.

كما يرى أن تغيير السلوك يجب أن يتم عند جميع السوريين، وعند “القيادة في دمشق” بالدرجة الأولى، وأن أي طرح كالذي لجأ إليه بعض السياسيين في المعارضة، على أنه يجب تغيير النظام في دمشق، لا يخدم في التوصل إلى حل للأزمة السورية، بل على السوريين أن يلتزموا بأي خطوة تقدم من الأمم المتحدة.

ولا يمكن أن يحدث تغيير في سوريا دون توافق سوري- سوري، بحسب الشاعر.

ويعتقد بعض المقربين من “الرئيس الأسد” أن دول الخليج بدأت تتراجع وستنقذهم في الخروج من الأزمة، ولكن المطلوب فعلًا، هو أن يلتف الجميع حول الجهود التي تقوم بها الجزائر، وأن يفهم الجميع أن الهدف من هذه الجهود ليس تعويم النظام على وضعه الحالي، كما هو الآن في دمشق، بل لإنقاذ الشعب السوري بالدرجة الأولى، بحسب الشاعر.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا