عنب بلدي – ديانا رحيمة
رغم الترويج الرسمي لاتفاقيات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وأثرها على تحسين الواقع الاقتصادي في سوريا، تدور الشكوك حول مدى انعكاس هذه الاتفاقيات على واقع التيار الكهربائي في سوريا، إذ يحصره مسؤولون بإنهاء مشكلة الحماية الترددية (فصل التيار وعودته أكثر من مرة خلال فترة وصل الكهرباء).
وكان وزراء الطاقة في لبنان والأردن وسوريا وقّعوا اتفاقيتين لتزويد لبنان بالكهرباء، في مبنى وزارة الطاقة ببيروت، واحدة لشراء الكهرباء بين الأردن ولبنان، والثانية لعبور الكهرباء بين الدول الثلاث.
وتنص الاتفاقية على تزويد لبنان بحوالي 150 ميغاواط كهرباء من منتصف الليل وحتى السادسة صباحًا، و250 ميغاواطًا خلال بقية الأوقات، بينما ستحصل سوريا عبر الاتفاقية على نسبة 8% من كمية الكهرباء.
حصة النظام
المدير العام لـ”المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء”، فواز الظاهر، كان أوضح في حديث إلى إذاعة “نينار إف إم” المحلية، في 1 من تشرين الثاني 2021، أن سوريا ستحصل على نسبة ثابتة تقدر بـ8% من كمية الكهرباء الموردة إلى لبنان مهما بلغت كميتها.
واعتبر الظاهر أن هذه النسبة المحددة لا تعتبر “إضافة كبيرة” إلى الطاقة الكهربائية الموجودة في سوريا، موضحًا أن الفائدة الأهم لهذا المشروع هي “تحسّن وضع الشبكة من ناحية الحماية الترددية”، و”زيادة وثوقية التغذية الكهربائية”، نتيجة الربط مع الشبكة الكهربائية “القوية” المصرية والأردنية.
ولن يهبط التردد إلى القيم التي تؤدي إلى فصل الحماية الترددية، كون الشبكة ستصبح كبيرة جدًا باستطاعة عالية، وبالتالي تحافظ على التردد وتمتص الصدمات.
وتعاني معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام من تقنين كهربائي صعب، يصل في أسوأ أحواله إلى ساعة وصل واحدة تتخللها عدة انقطاعات، مقابل 23 ساعة قطع خلال ساعات اليوم الواحد.
وتتراوح كمية توليد الكهرباء في مناطق سيطرة النظام بين ألف و900 ميغاواط وألفين و200 ميغاواط، وفقًا لكميات المشتقات النفطية المتوفرة من جهة، ولجاهزية المحطات التي تعمل على توليد الكهرباء في سوريا من جهة أخرى.
بينما تقدّر الحاجة الفعلية من الكهرباء خلال فصل الشتاء بحوالي سبعة آلاف ميغاواط.
وفي تشرين الثاني 2021، رفعت وزارة الكهرباء الأسعار بنسب تصل إلى خمسة أضعاف في بعض الشرائح، إذ تراوحت نسب الرفع بين 100% و800%.
ما قبل الثورة
قبل اندلاع الثورة في العام 2011، كانت البنية التحتية للكهرباء في سوريا بالكاد تفي بالغرض، إذ سجّل القطاع خسائر كبيرة في الإنتاج والنقل جرّاء الانقطاع المتكرّر بسبب الأحمال الزائدة على شبكة الكهرباء، ولا سيما خلال الصيف.
وبلغت نسبة الطاقة المفقودة حوالي 26%، في حين وصل انقطاع التيار الكهربائي إلى 43 يومًا في السنة، مع العلم أن التعرفة كانت منخفضة بسبب الدعم الحكومي الكبير، بحسب تقييم لمركز “مسارات الشرق الأوسط للسياسات الاستشارية والاستراتيجية”، نُشر في أيلول 2021.
واليوم، صار نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء ما يعادل 15% ممّا كان عليه في العام 2010، إذ وصلت ساعات التقنين في حلب على سبيل المثال، في النصف الأول من العام 2021، إلى عشر ساعات لكل ساعة أو نصف ساعة من الكهرباء.
وتعرّضت أربع من محطّات توليد الطاقة الـ14 لأضرار جسيمة، أي ما يصل نسبته إلى 18% من الاستطاعة الاسمية في سوريا كلها ما قبل الحرب.
إصلاحات لن تُنفّذ
يحتاج تنفيذ الاتفاقيات التي تُعقد حاليًا بين دول المنطقة إلى إصلاح الشبكات ورفع كفاءتها في المناطق التي تمر منها، بحسب ما قاله رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، في حديث إلى عنب بلدي.
وعن انتهاء العقد الموقع مع الأردن، فيما يتعلق بالحماية الترددية، والذي تحافظ الخدمة المتوفرة فيه على التردد وامتصاص الصدمات وتأمين استقرار الشبكة، لفت الدكتور أسامة القاضي إلى أن اتفاقيات الكهرباء التي وقّعها النظام السوري مع إيران وروسيا، لم تُنفّذ فعليًا، وكان تبرير النظام منذ أكثر من خمس سنوات وإلى الآن أن الشبكات أو المحطات تضررت في أثناء الحرب وخرجت عن الخدمة.
ويعود سبب عدم التنفيذ إلى قلة التمويل وعدم وجود إرادة في إصلاح الأعطال.
ولا يعتقد القاضي أن الطاقة التي قد تصل من اتفاقيات الطاقة ستساعد كثيرًا، إلا بالتقليل أو التخفيف من عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي، بشكل بسيط جدًا وربما بالكاد تخصص به دمشق وريفها.
تتعدد الأسباب والتقنين واحد
تتعدد الروايات التي تتبناها الحكومة لأسباب انقطاع الكهرباء، بينما يبقى تقنين الكهرباء مستمرًا في مختلف المحافظات السورية، سواء في المناطق المدمرة، أو في المناطق التي لم تشهد معارك عسكرية.
وقالت وزارة الكهرباء عام 2019، إن ازدياد ساعات التقنين وتراجع الواقع الكهربائي في الفترة الأخيرة هو بسبب العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على سوريا، وخاصة على قطاع الطاقة، والتي أدت إلى تراجع كميات الفيول الواردة إلى البلاد، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
بينما قال وزير الكهرباء، غسان الزامل، خلال لقاء له مع “التلفزيون السوري“، إن أسباب عدم توفر الكهرباء تعود بالمقام الأول إلى ما وصفه بـ“استهداف (الإرهابيين) محطات توليد الكهرباء وطرق تغذيتها بشكل ممنهج ومقصود”.
ونقلت وكالة “سانا” عام 2020، تقريرًا عن أسباب انقطاع الكهرباء في سوريا، وأرجعت الوزارة أسباب انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر إلى ارتفاع درجات الحرارة، معتبرة أن حوامل الطاقة اللازمة لتشغيل المولدات لا تزال محدودة.
وكانت وزارة الكهرباء أصدرت تقريرًا عن حجم الضرر الذي أصاب المنظومة الكهربائية بعد عقد من الحرب، والذي قدره التقرير بـ3000 مليار ليرة سورية (نحو 857 مليون دولار).
وتبلغ احتياجات قطّاع الكهرباء في مجال التوليد حوالي 200 مليون يورو، وتبلغ في مجال النقل والتوزيع حوالي 200 مليار ليرة سورية.
بينما تقدر استطاعات مجموعات التوليد التي دُمرت أو أُلحقت بها أضرار كبيرة في المحطات المختلفة بحوالي 50% من إجمالي استطاعات مجموعات التوليد المركبة في الشبكة السورية عامة.
وأوضح التقرير أن معظم محطات التوليد، وأهمها محطة توليد دير الزور التي تبلغ استطاعتها 90 ميغاواطًا، تلقت أضرارًا جسيمة، وعملت الوزارة على إعادة تأهيل مجموعتي توليد للخدمة، وتزويدها بالكوادر الفنية والإمكانات المحلية بتكلفة تقدر بسبعة ملايين يورو.
هل يستفيد السوريون؟
يرى الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في مركز “السياسات وبحوث العمليات” كرم شعار، أن الاتفاقيات مع دول الجوار لا تزال غير مؤكدة، في ظل الشروط التي وضعها البنك الدولي والتي وصفها الباحث بـ”صعبة التحقق”، إلى جانب تناقض اتفاقيات الطاقة مع القانون الأمريكي، فقانون “قيصر” (الذي يجري الحديث عن ضمانات لدول المنطقة بعدم التعرض له) هو جزء من التشريع وليس كبقية العقوبات السابقة (أوامر تنفيذية).
وأضاف شعار أن المشكلة في سوريا ليست مشكلة مقدرة على إنتاج الكهرباء بقدر ما هي مقدرة على توليد الكهرباء، فمن دون الوقود لا يتوفر الغاز، وفي المقابل، 70% من الكهرباء المنتَجة في سوريا حاليًا تنتَج على الغاز.
وبحسب دراسة مركز “مسارات الشرق الأوسط للسياسات الاستشارية والاستراتيجية”، فإن اعتماد سوريا على الغاز لتوليد الكهرباء ازداد منذ أوائل العقد الأول من القرن الماضي، لعدة أسباب، منها انخفاض إنتاج النفط المحلي، وازدياد استخدام المحطات ذات الدورة المركبة لتوليد الطاقة الكهربائية نظرًا إلى كفاءتها المعززة، وتحسن الوصول إلى الغاز محليًا ودوليًا.
كما كان للأسباب اللوجستية المتعلقة بالنقل دور في اعتماد الغاز، فالنفط يمكن نقله بالناقلات، بينما يتطلب الغاز بناء محطات تسييل وأنابيب قبل نقله، ومن هنا صدّرت حكومة النظام فائض المخزون الكلي من النفط واستهلكت كل الغاز المنتَج محليًا.
وأوضح الباحث كرم شعار أن الكهرباء التي ستصل من الأردن وستستفيد سوريا منها ستكون بحدود 5% من احتياجات مناطق النظام كاملة، وستحسّن من اعتمادية الشبكة، ومن مقدرتها على التعامل مع الاختلافات بالحمولات أو التعامل مع مشكلات الانقطاع لكونها ستصبح شبكة أكبر، وبالتالي تصبح اعتماديتها أعلى.
وسيستفيد الشعب السوري بالمحصلة، كون الكهرباء ستستخدم في النهاية من خلال الشركة العامة للكهرباء.
لكن يوجد توزيع غير عادل بشكل عام للكهرباء في الوقت الحالي، وسينعكس هذا التوزيع على الكهرباء المضافة، فهنالك مدن سورية تأخذ حصة أكبر من مدن أخرى، وأحياء تحصل على حصة أكبر من أحياء أخرى.
ولا يرتبط توزيع حصص الكهرباء دائمًا بالاعتبارات المرتبطة بالولاء للنظام، فالأحياء الأفقر هي دائمًا أكثر عرضة للانقطاع بشكل عام حتى من قبل الثورة.
بينما يرى الخبير والمحلل الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الحصة الواصلة إلى سوريا والتي تصل إلى 8% من إجمالي250 ميغاواطًا، أي حوالي 18%، لا تكفي سوى قرية صغيرة تغطي عددًا قليلًا من المنازل.
ويرى الخبير تركاوي، أن باستطاعة النظام سحب كمية الكهرباء التي يحتاج إليها كونها تمر في أراضيه، وفي حال مساءلته سيقول إن هنالك عطلًا في الشبكة، ويحتاج إلى إصلاح، وفي الحالتين يكسب صيانة الشبكة والكميات التي يحصل عليها.
ما الذي يعود على النظام؟
سيستفيد النظام عمليًا بشكل مباشر من اتفاقيات الطاقة، فهي ستغطي 5% من احتياجات السوريين، وستقوم بتحسين وصول الكهرباء إلى الناس، ما سيقلل من السخط الشعبي، بحسب شعار.
ولكن الفائدة غير المباشرة هي الرسائل للمستثمرين وللدول في المنطقة وحول العالم، بأن التوجه حاليًا هو توجه نحو التطبيع، وأن المجتمع الدولي ليست لديه مشكلات مع النظام، وبالتالي يمكنهم الاستثمار والتطبيع معه.
وقد حرّك ملف الغاز المصري عبر سوريا عجلة الركود السياسي، ودفع للعديد من اللقاءات على مستوى قادة ومسؤولي الدول المعنية بمرور الغاز عبر سوريا والأردن نحو لبنان.
وفي تموز 2021، بعد أربعة أيام فقط من حديث رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، عن وساطة أردنية لدى واشنطن في ملف الغاز، التقى الملك الأردني، عبد الله الثاني، بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البيت الأبيض، لمناقشة العديد من القضايا التي كانت سوريا حاضرة بينها.
ثم شجع اتصال الملك الأردني، في 3 من تشرين الأول 2021، برئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي كان الأول من نوعه منذ عام 2011، الدول العربية المترددة في إعادة علاقاتها مع الأسد.
وزار وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الأسد في دمشق، في 9 من تشرين الثاني 2021، لتتسارع وتيرة التطبيع العربي مع النظام.
كما قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في 10 من الشهر ذاته، إن بلاده، التي ستحتضن قمة جامعة الدول العربية المقبلة، تبحث عن توافق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة.