أين “الجولاني” من مقتل قائد تنظيم “الدولة” في مناطق نفوذ “تحرير الشام”
أثارت عملية الإنزال الجوي التي نفذتها مروحيات تابعة للقوات الأمريكية في بلدة أطمة شمالي إدلب، فجر الخميس 3 من شباط الحالي، حفيظة الجمهور العربي، والسوريين بشكل خاص، وطرحت العديد من التساؤلات حول مكان وجود القيادي المستهدف، في مناطق تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، وصمتها عن التعليق على العملية.
الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا هو تأخر تعليق “تحرير الشام” على العملية، لا سيما أنها ذات القبضة الأمنية الكبيرة في إدلب، وهي صاحبة النفوذ العسكري فيها، وفي جزء من أرياف حلب الغربية واللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة.
وتأخرت “الهيئة” في تعليقها على العملية، لتنشر معرفات مقربة منها بيان إدانة واستنكار لمقتل المدنيين في العملية، وتنفي “تحرير الشام” معرفتها بالعملية قبل حدوثها، أو معرفة القاطنين في المكان.
ونفّذ الجيش الأمريكي عملية الإنزال على منزل في قرية أطمة الحدودية، تبعها اشتباك استمر لنحو ساعتين بين القوات المهاجمة والمجموعة التي كانت في المنزل، لتسفر العملية عن مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”، عبد الله قرداش، الملقب بـ”أبو ابراهيم الهاشمي القرشي”، ومقتل 13 شخصًا على الأقل بينهم ستة أطفال وأربع نساء.
“الهيئة” تُضيّق على “الجهاديين”
نفّذت “الهيئة” العديد من العمليات الأمنية لملاحقة عناصر التنظيم، وعدد من “الجهاديين” بغض النظر عن تبعيتهم العسكرية، في المناطق التي تسيطر عليها، وكررت اعتقال “جهاديين” سواء من المجموعات المستقلة غير المنضوية ضمن تشكيلاتها، أو ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تضم “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” و”جيش العزة”، والمسؤولة عن العمليات العسكرية في مناطق نفوذها.
وشدّدت “تحرير الشام” منذ النصف الأول من عام 2020 تضييقها على الجماعات “الجهادية”، ولاحقت من انشق عنها وأسس فصائل مستقلة، كالقيادي السابق في صفوفها (أمير قطاع القلمون وريف دمشق) “أبو مالك التلي”، ولاحقت قيادات مطلوبة على المستوى الدولي وخاصة من قبل الروس، كـ”أبو صلاح الأوزبكي”، إذ اعتقلت بعضهم وأفرجت عنهم في وقت لاحق من عام 2021، وتراجع بعدها حضورهم على الساحة.
وجرت اشتباكات بين “تحرير الشام” وغرفة عمليات “فاثبتوا”، التي كانت تضم أبرز الفصائل “الجهادية” وعلى رأسها “حراس الدين” في حزيران 2020، موقعة قتلى من الطرفين، وانتهت بتوقيع اتفاق نصّ على منع نشر أي حواجز أو شنّ أي عمل عسكري ضد قوات النظام إلا بعد التنسيق مع غرفة عمليات “الفتح المبين”.
وشنّت “تحرير الشام”، في 25 من تشرين الأول 2021، حملة عسكرية على مقرات لفصائل “جهادية” أجنبية في ريف اللاذقية، يعتبر أكبرها فصيل “جنود الشام” بقيادة “مسلم الشيشاني”، الذي طالبته “الهيئة” سابقًا بمغادرة الأراضي السورية مع مقاتليه الأجانب.
في 7 من تشرين الثاني 2021، تحدّث مصدر مقرب من “تحرير الشام” أن “الهيئة” أجرت عملية “تسوية أمنية” لفصيل “أبو فاطمة التركي”، قضت بتسليم أسلحته الفردية لـ”الهيئة”، بعد اشتباكات استمرت لعدة أيام بين الطرفين، انتهت بخروج الفصيل “الجهادي” من منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية.
“القرشي” صيد ثمين لـ”الجولاني”
وجود تنظيمات وفصائل مسلحة بمختلف مسمياتها، يعوق عمل “الهيئة” ويقلل من فرص بسط نفوذها، وتنفيذ قراراتها في المنطقة.
لم تكن “الهيئة” الوحيدة التي عملت على تضييق وحلّ الفصائل، إذ ركّز التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، على استهداف “جهاديين” منضوين في تنظيم “حراس الدين” بشمال غربي سوريا، إضافة إلى آخرين مستقلين، بإطلاق صواريخ ذكية سواء من الطائرات المسيّرة أو الحربية، وعملية مقتل “القرشي” لم تكن الأولى للقوات الأمريكية في مناطق نفوذ “الهيئة”.
في تشرين الأول 2019، نفّذت القوات الأمريكية إنزالًا جويًا، بعملية “خاصة” استهدفت من خلالها القائد السابق للتنظيم، “أبو بكر البغدادي”، الذي قُتل في منطقة باريشا شمالي إدلب.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أن وجود قيادات للتنظيم في مناطق نفوذ “الهيئة”، يُشكّل خطرًا على استقرار سلطة قائدها “أبو محمد الجولاني”.
ومن جهة أخرى، بالنسبة إلى “الجولاني”، فوجود قيادات للتنظيم يمكن أن يمثّل هدية ثمينة للأمريكيين، لحماية نفسه والتقرب منهم لرفعه عن قائمة “الإرهاب”، بحسب الدكتور الحاج، الذي أكد أن لـ”الجولاني” دور رئيس في عملية الإنزال، ومن غير الممكن ألا يكون على علم به في منطقة مسيطر عليها تمامًا.
وظهرت اتهامات سابقة لقائد “تحرير الشام” بضلوعه في عملية مقتل “البغدادي”، وتعامله مع القوات الأمريكية، لأجل تحقيق مكاسب عديدة أهمها إزالة “الهيئة” من لائحة “الإرهاب”.
وكانت العملية التي قُتل فيها “البغدادي” أمنية استخباراتية بالدرجة الأولى، أسهمت فيها أطراف عدة، ولم يكشف الأمريكيون طبيعة مساهمة الأطراف فيها، فقد اكتفى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالتأكيد أن القوة التي نفذت العملية كانت أمريكية خالصة، ولكنه أثنى على دول وجهات أخرى قال إنها أسهمت بأدوار ما في نجاح العملية العسكرية.
“تحرير الشام” لا تعلّق على مقتل “القرشي” بشكل مباشر
حظيت عملية مقتل “القرشي” بصخب إعلامي واسع، وردود فعل من دول ومنظمات عديدة، إذ دائمًا ما تترافق عمليات قتل قيادات من تنظيمات “جهادية” بارزة بظهور إعلامي واسع، وكلمة للرؤساء الأمريكيين، بعد تنفيذ هذه العمليات التي وُصفت معظمها بـ”الخاصة والدقيقة”.
مقتل “القرشي” في أطمة، المنطقة التي تسيطر عليها “تحرير الشام”، أثار جدلًا واسعًا، وتساؤلات عن غياب أو تغاضي وتأخر “الهيئة” عن التعليق على العملية، وظهرت ردود فعل ساخرة، بحسب ما رصدته عنب بلدي من تعليقات في “فيس بوك” عن “صمت الهيئة”.
الدكتور عبد الرحمن الحاج، يوضح سببين لصمت “تحرير الشام”، الأول هو أن “الهيئة” لا تتورط عادة بالتعليق على قتل قياديين من “المجاهدين” الأجانب حتى تتجنب استخدامها من قبل خصومها “الجهاديين” ضدها، والسبب الثاني هو أن “تحرير الشام” ضالعة بالفعل، فأفضل شيء في هذا الوضع هو الصمت، بحسب الباحث.
في 15 من آذار 2020، نفت “الهيئة” في تصريح حصلت عليه عنب بلدي إلكترونيًا، ما تناقلته جهات إعلامية عن اعتقال قائد تنظيم “الدولة”، “أبو عبد الله القرشي”، في قرية باتبو شمالي مدينة إدلب، من قبل الجهاز الأمني لـ”الهيئة”، واقتياده إلى سجن شديد الحراسة تحت إشراف القيادي السابق في “الهيئة”، “أبو ماريا القحطاني”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :