جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013
كثيرًا ما ظهرت هذه الأيام على صفحات التواصل الاجتماعي آهات وأنات الشباب وحنينهم إلى أيام أمهاتهم وأحضانهن. فالشباب الذين لم يكونوا يبالون أو يهتمون بكيفية تأمين أهم مستلزماتهم وحاجياتهم اليومية من مأكل ومشرب وملبس، وجدوا أنفسهم أثناء الحملة على المدينة وحدهم المسؤولين عن تأمين كل ذلك، بالإضافة إلى مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه الثورة..
أحمد هو أحد الإعلاميين الشباب الذين بقوا في داريا تحت القصف والنار بعد أن نزح أهله جميعًا من المدينة، وهو يذكر أمه ويحن إليها كثيرًا، وقد حدثنا عندما التقينا به عن المعاناة التي يعانيها هو وأصدقاؤه في حياتهم اليومية وعن أسرار الاشتياق والحنين إلى الأم: «لا تسنح لنا الفرصة لنأكل أكثر من مرة واحدة في اليوم، وذلك بسبب الانشغال بالتصوير والمنتجة والنشر بالإضافة إلى مساعدة المصابين ودفن الشهداء وغيره من الأعمال، وغالبًا ما يقتصر طعامنا على المعلبات» فهو لم يعد يجد من يعد له الطعام كما اعتاد.
لكن يبدو أن أحمد يعاني من أمر آخر كان أشد صعوبة عليه، فالغسيل مشكلة أخرى يعاني منها، وفيها «تكمن المشكلة» بحسب تعبيره. فالملابس التي يغسلونها يدويًا بالماء البارد بسبب انقطاع التيار الكهربائي لا تجف في هذا الطقس البارد أيضًا، الأمر الذي يجعلهم يستهلكون الكثير من الملابس بدل التي تتسخ أثناء التجوال بين الدمار والركام كما يقول محمد (وهو ناشط آخر)، ويتابع: «لا نستطيع الاستحمام إلا عند وجود مولدة كهربائية من أجل تسخين المياه»، الأمر الذي جعل محمد يتذكر أمه هو الآخر ويعبر عن اشتياقه لها كلما غمس يديه في الماء البارد.
محمد يذكر أمه أيضًا كلما بدأ بتناول الطعام المُعلّب، فيتذكر طبخها والطعام اللذيذ الساخن الذي يخرج من تحت أيديها، فلا يسعه إلا أن يفتح صفحته على الفيس بوك ويعبر عن اشتياقه لها.
الأمهات لسن ببعيدات عن ذات الشعور، فهن أيضًا يشعرن بالحزن الشديد على أولادهن داخل المدينة، ويحملن همّ أبنائهم في قلوبهن، من يطبخ لهم، من يغسل لهم، من من من.. لكنهن في الوقت نفسه يعبرن عن سعادة خفية في صدورهم بأن عرف الأبناء أخيرًا قيمة أمهاتهم، كما تقول إحدى السيدات. فابنها الذي كان لا يعيرها اهتمامًا بسبب انشغاله بالثورة وهو الذي «أصبحت حياتهم هي أصدقاؤهم فقط، ونسوا أن لهم أهل وأمهات» أصبح يشعر بقيمتها بعد أن ابتعدت عنه ويستذكر الحنان الذي كانت تغمره به طيلة الوقت، كما يعبر مؤخرًا على صفحته.
محمد ينام بعد منتصف الليل منهكًا يحلم بخبز أمه وحضنها الدافئ، ليستيقظ صباحًا قاطعًا أحلامه على أصوات القصف والصواريخ، كما هي العادة كل يوم.