دون تعويض ولا مساءلة..
ضحايا مدنيون في ذمة التحالف و”قسد”
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
مع عملية الإنزال الجوي للقوات الأمريكية على بلدة أطمة شمالي إدلب، التي قُتل خلالها زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”، عبد الله قرداش، في 3 من شباط الحالي، برزت التصريحات الدولية والحقوقية مجددًا للتنبيه والتنديد بوقوع ضحايا مدنيين جراء عمليات القوات الأمريكية في سوريا.
هذا النوع من المداهمات والإنزالات لا يعتبر الأول من نوعه في سوريا، إلا أنه من أشهرها كونه أفضى إلى مقتل أحد أبرز المطلوبين دوليًا بتهم وقضايا إرهاب.
وأدت العملية الأمنية الأمريكية، بحسب “الدفاع المدني السوري“، إلى قتل 13 شخصًا، بينهم ستة أطفال وأربع نساء.
وفي محافظات سورية مثل دير الزور، والرقة، والحسكة، نفذت قوات التحالف الدولي العديد من العمليات الأمنية التي بدأت بإنزال جوي لإلقاء القبض على أحد المطلوبين، وانتهت بمقتل مدنيين، لتعود بعدها القوات الأمريكية إلى إطلاق سراح المقبوض عليهم بعد ثبوت براءتهم، بحسب مدنيين ممن قابلتهم عنب بلدي ومن الشاهدين على أحداث مشابهة.
مداهمات ضحاياها مدنيون
نفذت “قسد” بدعم من الطيران المروحي التابع للتحالف الدولي، في 13 من كانون الثاني 2021، عمليتي إنزال جوي في مدينة البصيرة وقرية ابريهة، شرقي محافظة دير الزور، واعتقلت مدنيين اثنين من أبناء المنطقة، إضافة إلى نازحين من محافظة إدلب.
وقالت صفحة “فرات بوست” المحلية، حينها، إن عملية الإنزال الجوي التي نفذتها “قسد”، بدعم من الطيران الأمريكي في قرية ابريهة شرقي دير الزور، خلّفت ثلاثة قتلى من عائلة واحدة، وهم مدرّس في إحدى مدارس القرية إضافة إلى اثنين من أبنائه.
تبعه إنزال جوي نفذته قوات التحالف الدولي في منطقة الحوايج بريف دير الزور الشرقي، في 18 من الشهر ذاته، أسفر عن مقتل شخص واعتقال آخر.
عمليات المداهمة جاءت على خلفية هجوم مسلح تعرض له مقر “اللواء الأول” العسكري التابع لـ”قسد” قبلها بيومين، في منطقة البصيرة شرقي دير الزور.
وسبقتها هجمات في مناطق متفرقة من محيط محافظة دير الزور شرقي سوريا، وفي 9 من كانون الأول 2021، جرت مناورات عسكرية مشتركة بين التحالف الدولي و“قسد”، في محاولة قال التحالف إنها للحد من نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي تصاعدت وتيرته خلال الشهر نفسه.
محمد (23 عامًا) وهو أحد أقارب قتيل ومعتقل إثر عمليات مداهمة شنتها “قسد” بدعم جوي من التحالف الدولي شرقي دير الزور، قال لعنب بلدي، إن إنزالًا جويًا نفذته قوات عسكرية دون سابق إنذار على منزل ابن عمّه ليلًا، ما أسفر عن مقتل أفراد العائلة واعتقال اثنين آخرين.
وعن تفاصيل مقتل الشاب البالغ من العمر 23 عامًا، قال محمد، إن الشاب تفاجأ بالطائرات المروحية تحلّق فوق منزله ما دفعه للهرب، فأطلق عناصر “قسد” النار باتجاهه ليردوه قتيلًا.
وبعد مرور أيام على اعتقال الشابين خلال المداهمة، قال محمد إن “قسد”، أفرجت عن أحدهما بعد التحقيق معه، ولا تزال العائلة تنتظر الإفراج عن الآخر الذي بُلّغ من قبل محققيه بأنه بريء ولم يجرِ توجيه أي تهمة بحقه.
أكثر عمليات المداهمة التي خلّفت ضحايا في مناطق نفوذ “قسد”، كانت عام 2019 عبر إنزال جوي على أطراف قرية الطكيحي، بالقرب من مدينة البصيرة في ريف دير الزور الشرقي، قُتل على إثرها 15 شخصًا في أثناء محاولة القبض على قيادي سابق في تنظيم “الدولة”.
وبحسب شبكة “دير الزور 24” المحلية، فإن عملية الإنزال الجوي استهدفت القيادي في التنظيم المعروف باسم حسن الإبراهيم، واشتبكت معه، ما أدى إلى مقتل عنصر في “قسد” وجرح اثنين آخرين، إلا أن ضحايا مدنيين سقطوا إثر قصف “قسد” موقع المداهمة بالمدفعية، بالتزامن مع العملية.
من يعوّض الضحايا؟
قُتل سامر في أثناء مداهمة نفذتها “قسد” بريف دير الزور على منزل أحد جيرانه، ومع ضجيج الطائرات المروحية، وصراخ النساء، خرج إلى ساحة منزله في منتصف الليل وبيده مسدس، ظنًا منه أن مشكلة حصلت في منزل جاره.
قال أحد سكان الحي الذي يقيم فيه سامر، إنه خلال المداهمة لم يدرِ الناس ما يجري، فخرج سامر لمؤازرة جاره، إلا أن رشقة من رصاص جنود “قسد” أردته قتيلًا على الفور، ظنًا منهم أنه خرج لمواجهة الدورية.
بحسب الأخبار التي جرى تداولها في الحي، فإن أسرة سامر تلقّت تعويضًا ماليًا من قبل قوات التحالف في المنطقة، وهو الأمر الذي لم تتمكن عنب بلدي من التحقق من صحته.
بينما بقي قريب محمد الذي قُتل خلال المداهمة “دون دية”، بحسب محمد، إذ أبلغت “قسد” أسرته بأنه قُتل عن طريق الخطأ، وقدمت الاعتذار على الخطأ الذي ارتكبه عناصرها خلال المداهمة، لكن أي تعويض مالي لم يُعرض على أسرة المقتول، الذي لا يزال شقيقه معتقلًا حتى اليوم.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن القوانين الدولية تُلزم مرتكبي هذه الأخطاء بتعويض ضحاياها.
وحتى قانون مكافحة الإرهاب المعترف به في الأمم المتحدة، والذي ينص على أن أي ضرر يتلقاه مدني جراء اعتقال لمدة طويلة أو إطلاق النار باتجاهه يستحق تعويضًا عما حدث، لكن بشرط أن يجري إيقافه تعسفًا ولمدة أطول من المدة اللازمة للتحقيق في قضية معيّنة، مشيرًا إلى أن الاعتقال سياسة من الممكن أن تمارسها أي دولة لسبب ما، لكن لا يمكن الإبقاء على الموقوف في السجن في حال لم توجّه إليه تهم واضحة.
ناهيك عما أسماه بـ”الوصمة” التي من المحتمل أن تلاحق أصحاب المنزل المُداهم، فمن المحتمل ألا يجري قبوله في أي عمل مستقبلًا، أو يتم تجنّبه من قبل سكان المنطقة، إذ ليس من الطبيعي أن تداهم قوات عسكرية برفقة مروحيات عسكرية منزل شخص بريء، بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الناس.
كما يُحتمل أن يجري استهداف هؤلاء الموقوفين، في حال أُفرج عنهم لاحقًا، من قبل تنظيم “الدولة” الذي قد يعتقد أنهم أدلوا بمعلومات للتحالف، أو أنهم صاروا على صلة به، وربما يعرّضهم الأمر للخطر.
ما موقف “البنتاغون”
تضمن الأموال المخصصة للعراق وسوريا في برنامج مرتبط بالعمليات الحالية في أفغانستان يسمى برنامج الاستجابة للطوارئ للقادة، أو “CERP” في الجيش، يُشار إليه أيضًا باسم “المال كنظام سلاح”.
وسمح الكونجرس الأمريكي لوزارة الدفاع في قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي (NDAA) بتقديم مدفوعات تعزية للمدنيين في سوريا في كانون الأول 2016، ولكن وزارة الدفاع نفسها هي التي لم تطبّقها، بحسب الحقوقي محمد العبد الله.
في حين حاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة الدفاع الأمريكية للوقوف عند هذه التفاصيل، إلا أن الوزارة لم تجب عن الأسئلة حتى تاريخ تحرير هذا التقرير.
خطط سابقة للتعويض
في السنوات الأربع الأخيرة، خفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عدد القوات البرية المنتشرة خارج أراضيها خلال حروبها المُعلنة ضد “الإرهاب”، وتحولوا بدلًا من ذلك إلى الضربات الجوية، بينما ينفذ شركاؤهم المحليون عمليات برية.
وجعل الاعتماد المتزايد على الحرب الجوية من هوية المنفذ غير معروفة تقريبًا، ويزيد ذلك من استحالة حصول المدنيين على تعويضات عن الأضرار المدنية، التي لا يمكن أن تحل محل الحياة إلا أنها اعتراف بوقوع ضرر، وطريقة لمساعدة أولئك الذين فقدوا أحباءهم.
وفي عام 2007، دفعت الولايات المتحدة 32 مليون دولار أمريكي على الأقل كتعويضات للمدنيين المتضررين في العراق وأفغانستان، بينما دفعت المملكة المتحدة أكثر من 20 مليون جنيه على سبيل التعويض عن الانتهاكات التي وقعت في أثناء الوجود البريطاني بين عامي 2003 و2009 في العراق.
توقف التدفق المتواضع لمدفوعات التعويضات مع انخفاض عدد القوات البرية في مناطق الحرب.
ويركز كلا البرنامجين في العراق وأفغانستان على تصنيف الحالات التي سقط فيها مدنيون بالخطأ، وتقديم رسالة اعتذار لذويهم إلى جانب تعويضات مادية، وهي رمزية، بالنسبة إلى المبالغ التي تطلبها أمريكا مقابل مواطنيها حين يُقتلون على يد أطراف أخرى، والهدف الأساسي من البرنامج الإقرار بالخطأ والاعتراف بوجود ضحايا مدنيين.
كما يهدف التعويض إلى مساعدة العائلات على المضي قدمًا في المستقبل، ولا سيما إذا كان الضحية مدنيًا معيلًا لأسرته، ولديه أطفال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :