جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013
«ما بالك باثنين الله ثالثهما» همس أنس بإذن رفيق دربه ياسر وهما على شجرة اختبأا فوقها يوم كان عناصر من الأمن تحت الشجرة يبحثون عنهما؛ بعد ملاحقةٍ طويلةٍ إثر مشاركتهما بإحدى المظاهرات التي خرجت في مدينتهم داريا.
ياسر وأنس اجتمعا في الله وافترقا عليه، كان لقاؤهما الأول في مسجد أنس بن مالك حيث التقيا على طاعة الله منذ نعومة أظفارهما، وسارا معًا في هذه الدنيا حتى خرجا منها سويةً.
فمنذ انطلاق ثورة الكرامة في 15 آذار 2011، كان الرفيقان من السبّاقين في المشاركة بالمظاهرات والإعداد لها في المدينة، فساهما معًا في التحضير للمظاهرات من خلال تنظيم العمل الجماعي وتحضير الأعلام وكتابة اللافتات المطالبة بالحرية والعدالة.
ياسر صاحب القلب الطيب والخلق الرفيع، طالب جامعي يدرس الصيدلة في إحدى الجامعات الخاصة، اعتاد على المساعدة في كل أوجه الثورة، فساهم بوقته وجهده وسيارته الخاصة التي سخرها منذ البداية للتحضير للمظاهرات ونقل مستلزماتها. ومع تطور مراحل الثورة السورية وتنظيم عملها، كان ياسر أحد كوادر الفريق الطبي في المدينة، وكان له دور كبير في تأسيس المكتب الطبي في المدينة، وجعل من سيارته وسيلةً لإسعاف الجرحى والمصابين جراء القصف واستهداف المدنيين.
أما أنس، ذو العشرين ربيعًا فلقد شهد أقرانه بفكره الذي سبق عمره، وكان همه الأول تطوير المجتمع المسلم والنهوض به فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا وعمرانيًا. إصراره ونشاطه في العمل مكناه من أن يكون عنصرًا فاعلًا في كافة نشاطات العمل الثوري في المدينة، فمن التنسيق للمظاهرات إلى تصوير وتوثيق ما يخص الثورة في المدينة، حيث كانت كاميرته تلازمه في تصوير المظاهرات وتجمعات الأمن والشبيحة وتوزيع المناشير المطالبة بإسقاط النظام. كما وشارك في دعوات الإضراب وبوالين الحرية في داريا وفي العاصمة دمشق. أنس كان أيضًا من ضمن المجموعة التي أسست جريدة عنب بلدي في بداية العام 2012 وقد حال اعتقاله بعد أيام من صدور العدد «صفر» دون استمراره فيها كأحد أعضاء فريق العمل.
اعتقل أنس يوم 3-2-2012 في جمعة «يا حماه سامحينا» بعد محاصرة الأمن لمسجد الصادق الأمين، وقبع في سجون المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري لمدة أربعة أشهر تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب، لكنه خرج أكثر عزيمةً وإصرارًا على متابعة المشوار الذي بدأه، فعاد إلى نشاطه في العمل السلمي وكان من مؤسسي مكتب الحراك السلمي في المدينة.
وخلال الحملة الأخيرة على المدينة والتي بدأت مطلع شهر تشرين الثاني 2012، لم يستطع ياسر وأنس أن يقفا مكتوفي الأيدي، فحاولا جاهدين إسعاف الجرحى والمصابين جراء الاشتباكات المستمرة والقصف الذي لا يهدأ على الأحياء السكنية، إضافةً الى تصوير وتوثيق ما يجري في المدينة. كانت خطاهما ثابتةً، وكانا مطمئنين راضين بقدرهما ومسرورين بتضحيتهما من أجل غدٍ أجمل.
في الأول من كانون الأول 2012، أطلقت دبابة تابعة للنظام قذيفة عليهما بالقرب من مسجد الحسن والحسين أدت إلى استشهادهما على الفور برفقة عدد من أصدقائهما اللذين كانوا جميعًا يقومون بأداء واجهم الإسعافي خلال الحملة العسكرية على المدينة.