عنب بلدي – إدلب
أوقفت منظمات إنسانية وإغاثية دعمها لبعض المستشفيات العاملة في مناطق شمال غربي سوريا، وسط ما يعانيه القطاع الصحي من شح الإمكانيات وقلة الدعم.
وبعد توقف الدعم، ظهرت دعوات وحملات وإجراءات من ناشطين ومنظمات عاملة في المنطقة، لإيجاد حلول أو مانحين جدد، وسط استياء الأهالي وإلقاء المسؤولية على المنظمات رغم جهودها التي يرى البعض أنها لا تلبي الاحتياجات.
وكان فريق “منسقو استجابة سوريا” قال، في 12 من كانون الثاني الماضي، إن 18 منشأة طبية تقدم خدماتها لأكثر من مليون ونصف مليون مدني في شمال غربي سوريا انقطع عنها الدعم، في أزمة جديدة تضاف إلى العديد من الأزمات التي تعاني منها المنطقة.
واقع “منهك” وتحذيرات من “كارثة”
يأتي توقف الدعم عن المستشفيات في حين تشهد مناطق الشمال انتشارًا للفقر، وترديًا في الأوضاع المعيشية للسكان، إضافة إلى ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يحول بين المواطنين والعلاج في المستشفيات الخاصة.
مدير المكتب الإعلامي في “مديرية صحة إدلب”، عماد زهران، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن توقف الدعم ينذر بكارثة طبية وإنسانية كبيرة، وتفشي الأوبئة، كون الأهالي يعانون من ظروف معيشية صعبة، خصوصًا في فصل الشتاء، ومع تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وعدم قدرة الأهالي على تحمل تكاليف الرعاية الطبية الخاصة ودفع تكاليف العلاج.
كما حذر “منسقو استجابة سوريا” من العواقب الكارثية المترتبة على إيقاف الدعم للمنشآت الطبية، وازدياد المخاوف من انتشار الأوبئة في منطقة الشمال السوري.
وفي بداية العام الحالي، أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن تسعة ملايين سوري يعيشون في مناطق لا تخضع لسيطرة النظام السوري، بينهم 5.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
وأكد غوتيريش أن 7.78 مليون سوري ليس لديهم أطباء أو مرافق طبية تستوفي المعايير الدنيا المقبولة عالميًا، إلى جانب وجود 90% من السوريين تحت خط الفقر، يعاني 60% منهم من “انعدام الأمن الغذائي”.
وأوضح عماد زهران، أن 16 مستشفى في إدلب توقف عنها التمويل، بسبب انتهاء مشاريع الدعم، وتتنوع بين مستشفيات جراحية ونسائية وأطفال، تغطي مناطق واسعة وتقدّم خدمات طبية مجانية تزيد على 100 ألف خدمة طبية بشكل شهري.
المنظمات مجرد وسيط
توقف المستشفيات والمنشآت الصحية أثار غضب واستهجان الأهالي، واستياءهم من المنظمات الداعمة، مع إلقاء اللوم والمسؤولية على الجهات الصحية والقطاعات الطبية العاملة في الشمال.
وأوضح مدير المكتب الإعلامي في “مديرية صحة إدلب”، أن توقف الدعم لم يكن بنفس الوقت، إذ انتهت عقود الدعم والمنح بشكل تدريجي، ما أدى إلى ازدياد عدد المنشآت المتوقفة، وأن المنظمات ليست جهات داعمة كما يعتبر الكثير، فهي مجرد وسيط بين المستشفى والجهات المانحة.
مدير المكتب الإعلامي في المديرية الجنوبية لـ”الدفاع المدني”، محمد حمادة، أوضح لعنب بلدي، أن المشكلة الأساسية هي عدم وجود دعم مستدام للقطاع الصحي، في ظل عدم وجود جهة رسمية معترف بها دوليًا، وأغلب الدعم المقدم هو عبارة عن منح من قبل المانحين الدوليين عن طريق المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، وتكون هذه المنح عبارة عن مشاريع بفترات زمنية محددة، وعند انتهاء مدة المشروع يتوقف تمويل المستشفى أو المركز الصحي.
الجهود لا تلبي الحاجة
تنشط العديد من المنظمات الطبية في مناطق سيطرة المعارضة، وتلعب دورًا مهمًا إلى جانب مديريات الصحة والهيئات الطبية، سواء العاملة مع حكومات الأمر الواقع أو المستقلة في عملها.
تعمل “مديرية صحة إدلب” وتنسّق مع عدة منظمات في تركيا لإيجاد داعم بديل لهذه المنشآت، وقدمت المديرية مشاريع لإعادة الدعم، وتلقت وعودًا من المانحين بعودة الدعم لعدد من المستشفيات المتوقفة خلال العام الحالي، لكن حتى الآن لا يوجد شيء على الأرض، بحسب زهران.
ويقدم “الدفاع المدني” الرعاية الطبية والإسعافية من تضميد جروح، ومتابعة رعاية حوامل، وقياس سكر وضغط، رغم نقص الإمكانيات وعدم امتلاك بنية تحتية طبية.
كما تقدم المتطوعات في “الدفاع المدني” هذه الرعاية، سواء عبر الجولات الميدانية في المخيمات والمدن والقرى، أو في المراكز التي يبلغ عددها 33 مركزًا منتشرة في مناطق متفرقة، وتغطي المراكز النسائية في “الدفاع المدني” جزءًا بسيطًا من خدمات الرعاية الصحية للمدنيين.
وبحسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من “الدفاع المدني”، تشكّل النساء والأطفال النسبة الكبرى من المراجعين والمستفيدين من الخدمات الطبية التي تقدمها المتطوعات داخل مراكزهن، حيث قدمت الفرق خلال عام 2021 أكثر من 141 ألف عملية وخدمة طبية، استفاد منها بشكل مباشر أكثر من 125 ألف شخص.
كما استفادت أكثر من 88 ألف امرأة من تلك الخدمات، وكان للنساء الحوامل قسم كبير من تلك الخدمات، إذ قُدمت أكثر من 74 ألف خدمة رعاية صحية لنساء حوامل، مع متابعة وضعهن الطبي والصحي، في حين بلغ عدد الأطفال المستفيدين أكثر من 27 ألف طفل، بالإضافة إلى آلاف العمليات الأخرى والفحوصات لهنَّ ولأطفالهن حديثي الولادة.
رغم الجهود المبذولة من قبل المنظمات والهيئات الطبية، فإنها لا تلبي الحاجة دون دعم للقطاع الطبي، إذ يشكّل الدعم محورًا أساسيًا لتفعيل القطاع، وهو ما لا تستطيع حكومتا “الإنقاذ” و”المؤقتة” الحصول عليه بسهولة، لأنهما جسمان حكوميان غير معترف بشرعيتهما دوليًا.
وتعد “مديرية صحة إدلب” المحور المشغّل للقطاع الصحي في المدينة، إلى جانب عمل المنظمات.
“هاشتاغ” ودعوات لدعم المستشفيات
أطلق ناشطون سوريون وعاملون في المجالين الطبي والإنساني في شمال غربي سوريا، حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوسم “#ادعموا_مشافي_الشمال”، بعد توقف الدعم.
وتداول المشاركون في الحملة صورًا وتسجيلات مصوّرة لمرضى وكوادر طبية من مستشفيات إدلب، وطالبوا بإعادة الدعم إلى تلك المستشفيات، محذرين من وقوع كارثة إنسانية في المنطقة.
ودعا فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى إطلاق حملة مناصرة تهدف إلى عودة الدعم للمنشآت الطبية، وإعادة تفعيل المراكز الطبية المتوقفة سابقًا، مطالبًا، في بيان له، جميع المنظمات والهيئات الإنسانية في المنطقة، بالتضامن الكامل مع تلك المنشآت.
كما طالب البيان جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي بالعمل على إعادة الدعم لتلك المنشآت، خصوصًا في ظل ما تشهده المنطقة من احتمالية موجة جديدة من فيروس “كورونا”، وبقاء مئات آلاف المدنيين في المخيمات دون وجود حلول أو بدائل.