إنهم مجرد جراثيم

  • 2022/02/06
  • 9:15 ص

إبراهيم العلوش

مقتل زعيم “داعش”، صباح الخميس الماضي، مرحلة متقدمة في مكافحة التنظيم الإرهابي الذي تسبب في تدمير منطقة الفرات وقهر أهلها وتهجيرهم، وكان بودنا أن يتم إلقاء القبض عليه ومحاكمته مع بشار الأسد ومع كل المجرمين الذين أسهموا بتدمير بلادنا.

ورغم كل جرائم “داعش”، يجب ألا نعتبر الأطفال الذين يُحتجزون في شمال شرقي سوريا مجرد جراثيم، وبالتالي لا يوجد قانون إنساني يحميهم، ولا توجد سلطات تقوم بواجبها من أجل الحفاظ على طفولتهم ومنع انزلاقهم إلى الإرهاب.

حسب صحيفة “نيويورك تايمز”، يوجد في سجن “غويران” حوالي سبعمئة طفل وجدوا أنفسهم محاصرين بين قوات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وبين المهاجمين “الدواعش” منذ 20 من كانون الثاني الماضي، وهم لا ذنب لهم في تلك المعارك إلا كون آبائهم من تنظيم “الدولة” (داعش)، فالدول رفضت استقبال عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، وتركتهم في مختلف سجون “قسد” الصحراوية التي تمتد من مخيم “الهول” ذي السمعة المأساوية، مرورًا بسجن “الصناعة” بغويران، بالإضافة إلى عدد كبير من السجون التي يوقف فيها الأطفال دون ذنب ارتكبوه إلا كونهم من أولاد عائلات مقاتلي “داعش”.

سجون شمال شرقي سوريا التي تديرها “قسد” صارت مزارع لتربية أجيال جديدة من الإرهابيين بحجة أنهم أولاد “دواعش”، فهم حتمًا سيصبحون “دواعش” مثلهم.

نددت المنظمات الإنسانية بهذه المعاملة القهرية التي تدفع بأطفال ونساء إلى حضن الإرهاب دون أن يختاروا ذلك بإرادتهم، ودون منحهم فرصة للمحاكمة وللتوبة بدلًا من سَوقهم قهرًا إلى معسكر الإرهاب، وهذا يذكّر بمآسي السجون العراقية قبل 2014 التي دفعت بآلاف الناس الى حضن “داعش” عندما انقطع بهم الأمل ولم يجدوا من يتعامل معهم إلا تنظيم “داعش”.

وقد قامت قوات “قسد” مؤخرًا باستعراض جثث مقاتلي “داعش” المهاجمين لسجن “غويران” وتحويلهم إلى فرجة مخزية، وهي بذلك تتشبه بسلوك تنظيم “داعش” نفسه، وقد سلكت قوات “قسد” نفس السلوك في 2016 مع جثث القتلى من “الجيش الحر”، ما أثار اشمئزاز الجمهور السوري، واعتبر أن هذا السلوك لا يقل إرهابًا عن سلوك “داعش”.

هذا السلوك التمييزي ضد الآخرين ابتدأه بشار الأسد ضد السوريين عندما أعلن أن من يثورون ضده هم مجرد جراثيم! وقد فتح الباب على اتساعه أمام “شبيحته” من أجل إبادة الجراثيم، وقاموا بجرائم مروعة دون شعور بالذنب، وكأنهم يستعملون سائل “ديتول” أو الكلور أو المبيدات الحشرية ضد الجراثيم، وكان من أبرز تصرفات قوات النظام التعذيب حتى الموت الذي وثقت صوره الوحشية وثائق “قيصر”، بالإضافة إلى استعمال قوات النظام الأسلحة الكيماوية ضد السوريين استجابة لتصنيف الدكتاتور لشعبه كنوع من الجراثيم!

وفي استعراض لمخيم “الهول” الذي تديره “قسد”، تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 56 ألف إنسان نصفهم من الأطفال والنساء يحتاجون إلى حياة كريمة، وبمثل هذا المخيم وتلك السجون يتم تحويل الجزيرة السورية إلى بحيرة آسنة لعائلات وأطفال “داعش”، من أجل إنضاج الحقد في نفوسهم وتحويلهم إلى مقاتلين تستفيد منهم “داعش” في إكمال مسيرتها التدميرية، وتستفيد “قسد” ببقائها مندوبة لمحاربة الإرهاب واستمرار الدعم الغربي لها.

ويبدو أنه ليس من مصلحة “داعش” ولا “قسد” معاملة الأطفال والنساء بشكل إنساني، بل إن رفد “داعش” بالمقاتلين يصب حتى في مصلحة النظام الأسدي الذي يُنصّب نفسه محاربًا للإرهاب، وكذلك من مصلحة “الحشد الشعبي العراقي” إعادة الاعتبار له كمقاتل ضد الإرهاب، بعد الهزيمة السياسية التي لحقت به في الانتخابات العراقية الأخيرة، وبعد استخفاف العراقيين بدوره عقب مقتل عقله المفكر الجنرال الإيراني قاسم سليماني وتابعه العراقي “أبو مهدي المهندس”.

قوات “قسد” مسؤولة اليوم عن إيجاد حل لموضوع الإرهاب في منطقة الجزيرة السورية وتحويل الجزيرة إلى منطقة قابلة للعيش، وليست بؤرة للاستثمار في مفاقمة الإرهاب وتوظيفه من أجل اكتساب الشرعية، فـ”داعش” تنظيم إرهابي يجب عزله وتجنيب الأطفال والنساء الانجرار خلفه، وذلك تحت تأثير الاعتقال والحرمان من الحياة الكريمة التي تليق بكل إنسان، ما دام لم يرتكب جريمة، ولا يريد أن ينخرط في مجال الإرهاب.

قالت امرأة معتقلة في سجون “قسد”، “إننا نعامَل كالحيوانات”! تم ارتكاب أكثر من 90 جريمة قتل في مخيم “الهول” خلال عام 2021، حسب تقارير الأمم المتحدة، وحاولت عدة نساء الخروج من جحيم السجون والمخيمات الإجبارية، فعروس “داعش” البريطانية تخلت حتى عن الحجاب من أجل أن تعود إلى بريطانيا وتتم محاكمتها هناك، لكن بريطانيا مثلها مثل الكثير من الدول رفضت ذلك، وأسقطت الجنسية عنهن، وهذه الدول مصرة على اعتبار الجزيرة السورية مكبًا لمواطنيها المتورطين مع “داعش”، والذين كان يجب محاكمتهم هناك في أوطانهم الأصلية.

الاحتفاظ بالنساء والأطفال قيد الاعتقال دون محاكمة، أو إجبارهم على السكن في مخيمات جماعية مغلقة يتحكم فيها العنف “الداعشي”، أو استعراض جثث القتلى بشكل لا إنساني، يفاقم مشكلة الإرهاب ولا يحلها، ففي سجن “الصناعة” بغويران كان من الممكن تجنيب الأطفال المعتقلين هناك مشاهد القتل والجثث، وكان من الممكن إيجاد صيغة قانونية للإفراج عن النساء غير المتورطات، وعن الأطفال الذين لم يرتكبوا أي جريمة، واحترام إنسانيتهم بدلًا من زجهم في لهيب المعارك واعتبارهم مجرد “دواعش”.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي